كان الخطاب الذى ألقاه الدكتورعبد الرحيم عندالحفيظ الكيب فى يوم الثلاثاء الاول من مايو بمناسبة عيد العمال العالمى. خطابا سيئا للغاية. لا يليق برئيس وزراء, أو وزير أو أى مسئول يحترم مستمعيه إنما يليق بطالب فى مدرسة يكتب موضوعا فى الانشاء. وكان دولة الرئيس يقرأ من شريط أمامه وكان الخطاب مسجلا وفيه عمليات مونتاج واضحة. لذا فكان عليه أن ينتبه إلى أخطائه اللغوية وأن يراعى قواعد النحو وسلامة النطق.
لم يكن هناك داعى لان يتحدث دولة الريس فى عيد العمال لان القوى العاملة فى ليبيا تنقسم إلى موظفين أو ميليشيات أو الاثنين معا. لكن ليس فيها عمال ولا فلاحون. فمن أجل من نحتفل بهذا العيد، ولماذا يخصنا بخطاب ليس هناك من يسمعه، ولماذا يوجه التحية لمن لا وجود له؟
كان الاولى أن يحدثنا سيادته عن المعارك التى جرت فى طرابلس فى اليوم السابق لخطابه. بين قوات الدولة والميليشيات المسلحة فى “تاجوراء” ومنطقة “الهضبة الخضراء”. وكنا ننتظر منه أن يحدثنا عن الخلاف الذى تم بينه وبين أعضاء المجلس الانتقالى وتدخلهم المستمر فى عمل الحكومة بصفتهم الشخصية والرسمية، وإلحاحهم على الوزراء لتحقيق منافع شخصية ( التراشق العلني بين وزير الكهرباء وعضو المجلس الانتقالى عن مدينة مصراته الفورتية). وكنا نتوقع أن يحدثنا عن سبب إستيلاء المجلس الانتقالي على سلطات الحكومة التنفيذية وأخرها إستيلاؤه على حقيبة الاعلام.
كانت أمامه فرصة للكشف عن سبب زيارته غير المعلنة إلى قطر، ولماذا هدده أعضاء المجلس بالاقالة أو تغيير بعض الوزراء وهو فى ضيافة سمو الامير حمد. هل ذهب ليشكو إليه هوانه وضعفه وجرأة الاخرين عليه؟ أم ليطلب منه النصرة؟ أم ليشكو من ضغط الميليشيات التى تمولها قطر؟ أم لان سموه هو الان ولي الامر فينا، وصاحب القول الفصل فى ما يعن لنا من خلافات حول قضايا بلادنا الداخلية؟
لقد دأبت حكومة دولة الرئيس الكيب على إخفاء الحقائق، وتجنب المواجهة، والرضى باقل الحقوق، والقبول بالحلول الوسط، وخداع المواطنين بحلول وهمية. همها الاول الحفاظ على ماء الوجه. والمثل على ذلك هو الصراع بين الحكومة وكتائب “الزنتان” حول السيطرة على مطار طرابلس، وانتهت إعلاميا بإحتفال مهيب حضره السيد الرئيس وبثت كاميرات التليفزيون صور الميليشيات الزنتانية وهى تغادره فى سياراتها الجديدة الفاخرة القوية.
لكن الواقع يقدم وجهة نظر أخرى هى أن الحكومة أبرمت مع المحتلين صفقة عينت بموجبها ثلاث مئة فرد من هذه الميليشيات للعمل بالمطار واستلام رواتبهم من خزينة الدولة فى حين بقى إنتماؤهم الحقيقى لقادتهم الحقيقيين. كما أن ميليشيا “الزنتان” تحتفظ إلى اليوم بالمناطق الحساسة المحيطة بالمطار. وبموجب هذا الاتفاق أصبحت الدولة هى من تمول الميليشيات وهؤلاء الثلاث مئة لا يضمرون ولاءهم للدولة بل للميليشيات التى فرضتهم. فهم بذلك يجمعون بين الثورية وسلطة الدولة التنفيذية. فمن يستطيع استخدامهم، ومن يستطيع كبح جماحهم؟ إنهم الان يتواجدون فى كل مكان بالمطار يقدمون لك كل خدمات الوساطة. فيوفرون لك مقعدا على الطائرة، ويخترقون بك نطاق الجمارك. وربما تذكرون قصة العملاق الاخضر الذى اعتدى على رئيس توكة الجمارك الذى قبض على شخص يحمل مبلغا يزيد عن أربعة ملايين دولار نقدا فأنتزع المتهم منه بعنف وتماسكا بالايدي وثار فيه مدعيا أن المهرب رجل ثوري وأن رئيس التوكة من أزلام النظام السابق. كما أذكركم بشخص أخر من نفس الميليشيات الزنتانية اعتدى على العاملين بهوتيل ريكساس ومديره التركي عندما طالبوه بسداد فواتير إقامته بالهوتيل. هل تجرأ أحد على لوم هؤلاء ومحاسبتهم ومحاكمتهم. ما زالوا يطلون علينا من شاشات التليفزيون ويتكلمون بكل غطرسة ووقاحة.
كذلك لم تشرح الحكومة لماذا لم تحاول تطبيق نفس المبدأ على مطار قاعدة الملاحة الذى يحتله “أمير المؤمنين” القادم، عبد الحكيم بلحاج، المقيم بفندق “المهاري” مع فريق حراسة مكون من خمسة وأربعين ملتحيا إختارهم من أعضاء “تنظيم القاعدة” بمدينة درنة”.”
هل لان هذا السيد مدعوم بالمال والسلاح القطرى ويحمى المصالح القطرية فى ليبيا؟ – بالمناسبة، وخارج السياق، فقد بدأت المصالح القطرية تكشف عن غاياتها بشراء مواقع متميزة على الساحل الليبيى ومحاولة الدخول فى مجال المقاولات وبيع النفط وتكوين شركات سمسرة متخصصة فى الاستيلاء على الثروة الليبية والوقوف عند مصادر الانفاق لتمر الدولارات الليبية عليها قبل أن ترى النور فيختطفها الاخرون.
أما كان الاجدى لحكومتنا الرشيدة أن تواجه هذه الجماعات المتناثرة بقوة الشرعية؟ أما كان ينبغي لمولانا الامام “مفتي الديار الليبية” أن يصدر فتواه باعتبارهم خارجين عن القانون ينطبق عليهم حد الحرابة وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ما داموا لا يطيعون ولي الامر ويخرجون عليه بالسلاح؟ لقد اقتحموا مكتب رئيس الوزراء وحالوا الاعتداء عليه شخصيا، وحاصروه فى بنغازي وأرغموه على التوقيع على شيكات بمئات الملايين من الدولارات؟ ألا تعتبر هذه التصرفات محاولة لقلب نظام الحكم بالقوة؟
كشفت الدولة على الملأ وقائع التزوير والتحايل بشتى الطرق للاستيلاء على المال العام التى مارستها هذه الجماعات. لكنها استمرت فى صرف الشيكات المصدرة لهم برغم أنها تستطيع أن تمنع صرفها برسالة أو بمكالمة هاتفية. لا أفهم فى الحقيقة لماذا ينسحب الجميع عندما يتعلق الامر بهذه الميليشيات المزودة بالسلاح. ولماذا هذا التخاذل أمامها والضعف فى مواجهتها. إنها تتحدث عن عشرات الالاف من مستجدين تم قبولهم بوزارة الداخلية بالاضافة إلى ما يزيد عن أربع مئة ألف موظف يعملون فى الجهات الامنية المختلفة، ماذا يفعل هؤلاء؟
إن لم يكونوا بلا جدوى، فسأقترح على الحكومة أن تتعاقد مع شركة أمنية توفر خمس مئة حارس مدرب للقيام بفرض النظام وهيبة الدولة فى ليبيا. وسترى حينها ماذا تفعل هذه الميليشيات المتغطرسة التى تنقصها الكفاءة والشجاعة والتدريب. ولن تستطيع الصمود أو المواجهة حين تواجه القوة بالقوة والرصاص بالرصاص. إننا نستورد كل أنواع العمالة، فلماذا لا نستورد من يوفر لنا الامن والامان. وليبيا ليست لليبيين وحدهم. إن فيها مصالح لقوى عالمية كبرى لن تسمح لاحد العبث بأمنها ومصالحها. وإن لم يفرض النظام ويسود الامن بيد الليبيين، فسيفعل الاخرون ذلك وسنسدد نحن الفاتورة.
فى أحد مؤتمراته الصحفية. قال السيد ناصر المانع، الناطق الرسمى بإسم مجلس الوزراء، إن أحدا لن يستطيع أن يلوي ذراع الحكومة. أخشى أن أقول له أن الميليشيات لم تكتف بلي ذراع الحكومة، بل إنها تفعل بها أشياء أكثر من ذلك!
email.magedswehli@gmail.com
كاتب ليبى