سايمون هندرسون
اعتادت المملكة العربية السعودية – القِبلة الروحية للعالم الإسلامي، ومصدّرة النفط العالمية البارزة، وزعيمة العالم العربي -أن تكون مركز الاهتمام. لكنها ستُذكر هذا العام بصورة خاصة، باعتباره اللحظة التي بدأ فيها العالم يبحث عن قيادة في مكان آخر.
من الصعب تخيل عام أكثر كارثية للسياسة الخارجية السعودية من هذا العام. ففي كانون الثاني/يناير فرَّ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من الحشود المتمردة إلى المنفى في مدينة “جدة” السعودية الساحلية. والآن، يريد النظام الجديد في تونس إعادة بن علي لمحاكمته. وفي شباط/فبراير، أُجبر الرئيس المصري حسني مبارك الذي ظل حليفاً للسعودية لفترة طويلة، على أن يترك منصبه. وفي غضون أيام، انتقلت واشنطن من عبارات التأييد لمبارك إلى القول بأن الوقت قد حان لرحيله. ثم في آذار/مارس، وبعد أن بدا أن البحرين ستقبل مبدأ حكومة تحكم من خلال إرادة الشعب، تدفقت قوات مكافحة الشغب السعودية تدعمها الدبابات عبر الجسر الذي يربط السعودية بجزيرة البحرين.
وفي الرياض وعواصم خليجية عربية أخرى، كان الأمراء والمشايخ يتساءلون حول مدى صلابة الدعم الأمريكي لهم. وفي الشهر الماضي حصلوا على الإجابة في خطاب الرئيس الأمريكي الرئيسي حول السياسة الخارجية في الشرق الأوسط في 19 أيار/مايو، عندما انتقد الرئيس أوباما بشدة طريقة تعامل البحرين مع المظاهرات. ولتأكيد هذه النقطة فقد تم تخفيض اجتماع ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة مع أوباما، عندما زار الأمير البحريني واشنطن هذا الشهر، ليصبح مجرد “مرور عابر” قام به الرئيس الأمريكي [في الغرفة التي كان فيها الأمير سلمان]، كما أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لم تجامله بمؤتمر صحفي مشترك بعد اجتماعهما.
وحتى الهيمنة السعودية على أسواق النفط العالمية – بحكم قيادة المملكة داخل “منظمة الدول المصدرة للنفط” (“أوپك”) – تتعرض لتهديد. فقد انتهى اجتماع وزراء نفط ” أوپك” الأسبوع الماضي في فيينا بخلافات، حيث وصفه ممثل السعودية علي النعيمي بأنه “واحد من أسوأ الاجتماعات التي عقدناها على الإطلاق.” وقد قام النعيمي بعدها بقليل بقيادة مناورة لزيادة حصص الإنتاج لتهدئة أسعار النفط المرتفعة التي تهدد الانتعاش الاقتصادي في العالم. ولكن، قادت إيران كتلة من الدول الأعضاء في “أوپك” التي رفضت ذلك مُفضلة الحصول على عائدات عالية. وليس من الواضح من سيسبق من في موضوع إنتاج البرميل — لكن من المتوقع أن يكون الرد السعودي زيادة الإنتاج من جانب واحد. وربما يساعد ذلك [على خفض] أسعار الغاز في الولايات المتحدة، لكنه يعني أن السعودية سوف “تقوم بالأمر وحدها” بدلاً من إظهار قيادتها [لسوق] الطاقة العالمي.
بندر سعى لتجنيد مرتزقة من باكستان وماليزيا وإندونيسيا
وفي الوقت نفسه، فمع وجود الملك عبد الله الذي يبلغ من العمر 88 عاماً وغيره من الأمراء الكبار في السن على الكراسي المتحركة أو يسيرون وهم يعرجون مستندين على العصي، يمكن تخيّل القصور السعودية كبيوت فاخرة للعجزة. فولي العهد الأمير سلطان البالغ من العمر 87 عاماً هو مجرد ظل مبتسم لما كان عليه سابقاً، وربما يعود مرة أخرى إلى نيويورك ليتلقى علاجاً إضافياً لمرض السرطان. والأمير نايف البالغ من العمر 78 عاماً والثالث في ترتيب النسب لاستحقاق العرش، قد عاد لتوه من سويسرا التي قضى فيها أكثر من شهر فيما يعتقد أن وجوده فيها كان لأسباب طبية. وفي مكان ما في الخلفية، نجد الأمير بندر بن سلطان الذي حاول مؤخراً تجنيد مرتزقة مسلمين من باكستان وماليزيا وإندونيسيا للدفاع عن المملكة والدول الأعضاء الأكثر ضعفاً في “مجلس التعاون الخليجي”.
المغرب والأردن في “مجلس التعاون”: مجرد “فكرة جيدة”!
إن الخطة التي تقودها السعودية لتوسيع “مجلس التعاون الخليجي” – وهو خليط من مجموعة مشيخات مختلفة تشمل أيضاً الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعُمان – تحمل، بدورها، دلالات على اليأس. ولتجنب الاتجاهات الديمقراطية لـ “الربيع العربي”، قيل إن مملكتي الأردن والمغرب كانتا قيد النظر في الشهر الماضي كمرشحتين للإنضمام إلى “مجلس التعاون الخليجي”. ويبدو أن الملك عبد الله قد تلقى خطاباً من عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني يطلب فيه العضوية، ولأنه اعتبر الفكرة جيدة فقد أعلن عنها وكأنها حقيقة واقعة! لكن المغرب سمع بالفكرة لأول مرة – وفقاً لوزير من دول الخليج – عندما تلقى وزير خارجيته مكالمة هاتفية من نظيره الإماراتي!
إذا كان توسيع “مجلس التعاون الخليجي” مشروعاً سعودياً لتعزيز النظم الملكية وإعادة تأكيد قيادة العالم العربي الذي يبدو بلا دفة، فإنه بالتأكيد لم ينجح بعد. وقد تعرض موكب الملك الأردني هذا الأسبوع للهجوم بالحجارة والزجاجات أثناء مروره ببلدة في جنوب البلاد. والأهم، لا يبدو أن باستطاعة العاهل السعودي أن يقرر ما إذا كانت نهاية نظام الرئيس السوري بشار الأسد – الذي تربطه به صلة قرابة بالمصاهرة – سوف تؤذن بهزيمة استراتيجية لعدوه اللدود إيران أم أن سقوط الأسد قد يكون سقوط حجر الدومينو الذي سيوصل في نهاية المطاف إلى مملكته هو.
وقد ساءت الأمور بالنسبة للسعودية بوصول ضيف من الجحيم، هو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. فبعد أسابيع من محاولة تأمين خروجه من صنعاء، استدعى انفجار غامض – في مسجد القصر الرئاسي الذي كان يصلي فيه صالح – الإجلاء الطبي العاجل للرئيس اليمني بعد إصابته بجروح بليغة – هو ونصف المجلس الوزاري حيث نقلوا جميعاً إلى مستشفى في الرياض. إن السعوديين يحبون التدخل في صنعاء لكنهم لا يريدون أن تلاحقهم مشاكل اليمن إلى الرياض. كما أن هبوط اليمن السريع إلى الفوضى من شأنه أن يؤدي إلى زيادة حرية عمل “تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية” في تلك البلاد، مع تداعيات محتملة على السعودية ربما تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
وفي الوقت نفسه وعبر مياه الخليج، يلوح التهديد الإيراني في الأفق حيث إن إيران هي المنافس الاستراتيجي على المستويين الديني والسياسي. ولم تر قيادة السعودية سبباً لتغيير شكوكها التي تؤمن بها بشدة والتي غالباً ما يدعمها واقع الأمر، بأن طهران هي قوة تسعى إلى إحداث الضرر والتخريب في المنطقة، وتطمح إلى الحصول على أسلحة نووية أيضاً. كما أن قيادة إيران للعالم الشيعي مركزية بالنسبة لهويتها تماماً مثلها مثل دور السعودية في المجتمع السني الأكثر عدداً. وفي لعبة تُقاس بالقرون، يزداد قلق الرياض من أن طهران تمسك بالكرة، وأنها قد نقلت اللعبة كلها إلى داخل أراضي منافستها.
وهناك أيضا المأزق الإسرائيلي الفلسطيني.
فالأمير تركي الفيصل — الذي هو محل احتفاء في وسائل الإعلام الأمريكية لكونه رئيس الاستخبارات السابق والسفير السابق إلى واشنطن، رغم فصله من الوظيفة الأولى وإبعاده عن الثانية، خاض مؤخراً بقوة في هذا الوضع المتردي. ففي افتتاحية له في صحيفة “واشنطن بوست” في 12 حزيران/يونيو، أعطى الأمير تركي دعماً حماسياً للفلسطينيين حيث كتب يقول، “إن السياسات الداخلية الأمريكية والتعنت الإسرائيلي لا يمكن السماح لهما بالوقوف [حجر عثرة] أمام حق الفلسطينيين بمستقبل يحمل حياة كريمة وفرصاً مماثلة لأولئك الذين يعيشون في دول غير محتلة.” وقد صرح أن السعودية سوف تستخدم “قوتها الدبلوماسية الكبيرة” لدعم مساعي الفلسطينيين بالاعتراف الدولي في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر.
وحيث أن العالم السياسي للسعودية ينهار من حولها، فإن تركيز الأمير تركي على القضية الفلسطينية هو على الأرجح محاولة للقبض على عنصر القوة الوحيد الباقي والمتاح للمملكة. لكن تركي “وهو رجل ذو جاذبية محدودة”، وفقاً لمقال افتتاحية في صحيفة “واشنطن بوست” في 15 حزيران/ يونيو، كان بالفعل يكرر نفس حماس والده الملك فيصل الذي يتمتع بمكانة رفيعة في السعودية لن يصل إليها ابنه قط. فقد قال الملك الراحل في عام 1974، “أعظم أمنية لي أن أصلي في القدس قبل أن أموت”، (ولو أنه لم يكلف نفسه عناء الصلاة هناك في السنوات التي كان فيها الأردن مسيطرا على البلدة القديمة قبل عام 1967).
وفي عموده، كتب تركي مذكراً العالم بما يسمى “مبادرة السلام العربية” من عام 2002 التي عَرَضت على إسرائيل السلام مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وحل متفق عليه لقضية اللاجئين. وعلى الرغم من أنه غالباً ما يتم رؤية المبادرة على أنها خدعة متعمدة لصرف انتباه العالم عن التورط السعودي في هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، إلا أن الاقتراح قد عانى أيضاً من امتناع السعودية عن متابعة مبادرتها الدبلوماسية. لكن على وجه التحديد، إذا ما تم مقارنتها مع فوضى هذه الأيام، يمكن أن تُذكر المبادرة باعتبارها ذروة السياسة الخارجية السعودية.
وفي الغالب يصف الدبلوماسيون دورهم بأنه جس النبض في الدول التي يزورونها. ولكن عندما يتعلق الأمر بنظام حُكم زعماء كبار السن يذهب الذهن مباشرة إلى الرياض، وهذه المقولة تحتوي على حقيقة ضمنية قاتمة أخرى.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
View in English
فورين بوليسي.كوم, 15 حزيران/يونيو 2011