مؤخرا، القي حاكم السعودية وخادم الحرمين خطابا بعد حوإلى ثمان سنوات من جريمة تدمير برجي التجارة في نيويورك، القي خطابا في مجلس الشورى السعودي. جاء الخطاب كصدمة إلى كثيرين ممن تحالفوا علي حكم المملكة منذ إنشائها وحتى الآن. فمنذ إنشاء المملكة والحركة الوهابية ومعها العائلة السعودية توافقا علي توزيع السلطة داخلها. أولهما للإفتاء بما يقوله الدين والثاني للحكم بما تقتضيه حيازة السلطة وثروات البلاد. لم تكن تلك القسمة بعيده عما جري في تاريخ المسلمين آو بالأحرى التاريخ التعس لمنطقة الشرق. فطوال تاريخ الخلافة وحتى سقوطها كان هناك حاكم له صلاحية وضع اليد علي الثروة ورقاب العباد وهناك من يفتي له شرعا بذلك. ويقول لنا التاريخ أيضا أن كل الفقهاء تعرضوا للمهانة والجلد والتعذيب لأنهم وفي لحظة مغايرة لما يجري قالوا بما لا يتفق وأهواء الحاكم آو أفتوا بما لم يقبله آو يضمن سلامة حكمه وامن نظامه. وللحقيقة فان موقفهم المخالف هذا لم يكن انطلاقا من جديد في الدين آو اجتهاد في إصلاح حالهم المأزوم إنما لان المغانم ممن سيأتون للحكم علي أسنة الفتاوى الجديدة كانوا علي الأبواب ومعهم وعود بمزيد من ذهب الحاكم. فمن زمن أبو حنيفة ثم مالك ثم الشافعي إلى ابن حنبل (توفوا علي الترتيب، 150 – 179 – 204 – 241 هـجرية) الأخير كان الأكثر تشددا، ولم يشذ منهم احد عن تلك القاعدة رغم أن التشدد آو اللين كان دائما لصالح الحكم بنظام الخلافة وطبيعة الفكر العربي والإسلامي.
فكثير من أراء وفتاوى الفقهاء مع اختلافاتها تقع خارج نص القرآن أو بتأويلهم فيه، جمعها الدمشقي في كتابه ” رحمة الأمة في اختلاف الأئمة” منها علي سبيل المثال لا الحصر حكم شرب الخمر، فقال أبو حنيفة ومالك ثمانون جلدة. وقال الشافعي أربعون أما ابن حنبل فاقر بالعقوبتين … واتفقوا علي أن حد شرب الخمر يقام بالسياط إلا ما روي الشافعي انه يقام بالأيدي والنعال. ولا يمكن فهم الاختلاف في العقوبة إلا بان الواقع المتغير قد فرض نفسه في كل عصر فأصبحوا له تابعين مع بقائهم مكبلين بما تفرضه سنه السلف الصالح بان الإسلام ليس سوي قانون عقوبات. فالقول بان اختلاف الفقهاء رحمة هو هروب من مواجهه الواقع ومستجداته ولا معني له إلا تكريس عجز المسلم من الانطلاق إلى عالم الحداثة والحرية واحتجازهم حيارى بين خيارات الموتى من فقهاء زمن العباسيين.
يقف المسلمون حالياً بفقههم عند هؤلاء باعتبار أن أمة الخلافة الإسلامية قد أصابها العقم الديني والفقهي ثم يقفزون إلى ابن تيمية باعتباره مكملا لسلسلة الفقهاء لا لسبب سوي أن فقهه أكثر تشددا وهو ما تأسست عليه الحركة الوهابية بأصلها الحنبلي. أسباب الخلاف بين الفقهاء وبينهم وبين الحكام كثيرة لأن ما يفرضه واقع العالم المتغير وسنه تبدله لا سبيل لإيقافه آو الهروب منه. فما صلح يوما لم يعد كذلك في اليوم التالي. كان الفقهاء يغيرون مواقفهم اما لتثبيت ما هو قائم او لضمان موضعة النص القرآني وفقه الاسلام موضع التنفيذ لو ان الامور سارت إلى الافضل، ضاربين بحرية وحقوق المواطنين عرض الحائط وتثبيت وضعهم بكونهم رعايا في اسر الحاكم بين سيف جلاده وفتاوي فقهائه. فالحرية لم تكن ابدا ضمن احلام مخيلتهم الانسانية او حتى امانيهم باللحاق بالعالم الحديث. اما الحاكم فكانت له اهداف اخري تتفق ومع مستجدات العالم ليضمن استمراره في السلطة والخوف من ضغوط الخارج. فلو قام الفقهاء ومعهم الشريعة بالامر لكان خير وبركة طالما الداخل في مأمن من تغيرات الخارج ومستجداته. اما إذا اصبح الخطر محدقا بالحكم والسلطة فلا مناص بالتضحية بالفقهاء وشريعتهم. فليس هناك اطول من طابور العاطلين كلهم من حفظة القرآن والحديث، كلهم مستعدون بفتاوي جديده وينتظرون دورهم املا في ذهب المعز واتقاءا لسيفه.
لم تمر عده ايام علي الخطاب السعودي حتى خرجت مجموعة من فقهاء المملكة دون ان تعلن رايها في خطاب الملك ووجهت خطابها إلى وزير الاعلام السعودي مطالبة اياه بمراعاه كتاب الله وسنة رسوله.و انحصرت مطالبهم في الاتي:
• الإصلاح الإعلامي لان الانحراف متجذر في وزارة الثقافة والإعلام والتليفزيون ، والإذاعة ، والصحافة ، والنوادي الأدبية ، ومعارض الكتاب.
• عدم تبني مشروع تغريب المرأة السعودية ، بحقوقها في السفور والتبرج واختلاطها بالرجال وغلق الباب على مصراعيه للفكر الليبرإلى.
• اعتبار ان الغناء والعزف ، ونشر صور النساء ، والحرص على خروج المغنيات والمذيعات من السعوديات وغيرهن ، والسعي في اختلاطهن بالرجال في مبنى الوزارة من المحرمات. وعدم السماح للصحف والمجلات الخليعة بدخول المملكة لانها تحمل صور النساء الفاتنة وهوشر لا بد من منعه لانه محرم شرعا.
• عدم عرض أي رقص نسائي أو ظهور أي مغنية في التليفزيون مهما كان نوع ذلك.
• عدم ظهور أي امرأة تلقي نشرة إخبارية أو حديث سواء كان ذلك بالعربي أو الإفرنجي .
• عدم ظهور أي امرأة سعودية في التليفزيون مهما كان الأمر .
• يمنع منعا باتا ظهور أي صور للنساء في الجرائد والمجلات السعودية مهما كان نوعها وسببها.
• واعتبروا ما يجري مخالفة للسياسة الإعلامية للمملكة السعودية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 169 وتاريخ 20/10/1402هـ ومما جاء فيها :” المادة الأولى : يلتزم الإعلام السعودي بالإسلام في كل ما يصدر عنه ، وهو يحافظ على عقيدة سلف هذه الأمة ، ويستبعد من وسائله جميعها كل ما يناقض شريعة الله التي شرعها للناس..
• أن يعمل الإعلام السعودي على مناهضة التيارات الهدامة والاتجاهات الإلحادية، والفلسفات المعادية، ومحاولات صرف المسلمين عن عقيدتهم ، ويكشف زيفها ، ويبرز خطرها على الأفراد والمجتمعات
• أن يؤكد الإعلام السعودي على أن الدعوة إلى الله بين المسلمين وغيرهم قائمة دائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولذلك فهو يقوم بنصيبه في أداء هذا الواجب الجليل.. ”
• ثم أضاف البيان نوعا من التعنيف والترهيب إلى صاحب المعإلى وزير الاعلام إن الأمر بالغ الخطورة ؛ لأنه انضم إلى معصية لله والمجاهرةُ بالمعصية ، انكارا منه لقول الرسول :” كل أمتي معافى إلا المجاهرين”أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . إضافة إلى ما هو أخطر من ذلك كله وهو تحمل ذنوب الملايين من الناس في كل مَن شاهد أو استمع أو تأثر بمحرم في وسائل الإعلام التابعة للوزارة. فلا عذر لأحد.
ورغم ان خطاب العرش الذي حتم ظهور هذا البيان كان واضحا في اهداف الخطر الخارجي حيث طالب الخطاب الجميع بإلىقظة وعدم الغفلة تخوفا من طموحات عالمية واقليمية لها اهداف مشبوهة كشفت عنها الازمة المإلىة العالمية منبها إلى ان الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، أخطر على قضية العرب من استمرار إسرائيل في عدوانها. ومر سريعا علي وجود خلاف عربي اسلامي متجذر في المنطقة ميسرا علي العدو ومؤلما للصديق وله اهداف مشبوهه. وجاء نقد خطاب الملك لمراكز المال العالمية باعتبار ان الخلل في الرقابة عليها ساهم في انتشار آثارها. وان العالم حإلىا يشهد نهاية نظام اقتصادي انتظارا لمرحلة جديدة تحت التشكيل.
فرغم ان الخطاب لم يشر إلى اي تغيير يدعو فقهاء المملكة إلى اصدار بيانهم الا ان خطاب الملك احتوي في نهايته قولا ربما يجعل اصحاب حاسة الحكم بالدين والشريعة حساسة إلى اكثر مما يفرضه اصدار بيانهم. قال خطاب الملك في نهايته وبعد تعديد الاخطار:
“وفي غضون هذا كله كان لا بد لمسيرة التطوير أن تواصل انطلاقها في الوطن الغإلى، وكان لا بد من قرارات تدفع بعجلة التطور، وضرورة التعامل مع المتغيرات، لما فيه رفعة الوطن، وتحقيق كل أسباب الحياة الكريمة للمواطن. هذا سبيلنا، وهذا نهجنا، وسوف نمضي بحول الله وقوته، مستلهمين منه – عز وجل – القوة والعزم، عاملين بلا كلل ولا ملل لصناعة الغد السعودي المشرق بالرفاه، المزدهر بالمحبة والتسامح، الفخور بعقيدته وإيمانه”.
فكل لبيب بالاشارة يفهم وكل فقية بقرون استشعاره الدينية عليه بضمان مصلحته التي جعلته عاطلا لكنهم يرفلون في نعيم ذهب المعز الحإلى او المعز القادم. فمنذ ان خضع الاسلام لضرورة العمل المؤساساتي لم يبخل الفقهاء واصحاب الفتاوي من التدخل في كل كبيرة وصغيرة ليس حبا في الاسلام بقدر ضمان مصلحتهم الذاتية. كانت اهتماماتهم متداخلة بين الحفاظ علي الاصل وبين التوفيق مع مكاسب المستجدات داخليا وخارجيا. فعوامل الاختلاف في عالم المسلمين عديدة من بينها الاصل العرقي للمحكومين ولغتهم وموروثهم الثقافي والحضاري ونظمهم الادارية والاقتصادية بجانب منظومتهم الاجتماعية الراسخة تاريخيا. لهذا انحصر بحث الفقهاء الملازمين للسلاطين والحكام في تقليص مظاهر الاختلاف والسعي إلى توحيد السلوك بقدر الامكان. مع التركيز في كل خطاب علي المرأة لانها مصدر اخطار كثيرة بدأت منذ لحظة اشتهاء الاكل من الشجرة في الاسطورة التوراتية إلى مطالبها بقيادة السيارة في آخر الزمان. وهو لا معني له الا تشويه كل مجتمع حكمه الاسلام او سطا عليه حاكم ادعي اسلامه. فرغم ان الرسالة الاسلامية لم تتعرض الا لعدد محدود جدا من القضايا مع اعتبار ان النصوص مهما اتسع تاويلها فهي متناهية بينما الواقع واحداثه لانهائية فان التصدي له بفقه اسلامي وسند ديني لم يكن سوي قفزا فوق ما يتطلبه الحال. فلم يكن هدف الفقهاء ورجال الدين التقدم طبقا لمستجدات التغيير انما اثبات صدقية النص وصلاحيته لكل زمان ومكان حتى ولو تم ابتسار المجتمع وشل حركته من اجل التطور.
لم تشذ مصر التي حكمت اسلاميا عن القاعدة وصحب الخلاف نفس الاضطهاد والقمع للفقية لو اختلف مع الحاكم. فوإلى مصر محمد علي باشا نفي الشيخ عمر مكرم اكثر من مرة رغم ان الاخير ممن ساهموا في وصوله إلى سده الحكم. كانت مصر واعده بتغيرات جوهرية لم تعهدها منذ زمن الفراعنة العظام. وهو ما تكرر ثانية بعكس الادوار بين الفقيه والسلطان كما جاء مع حادثة كتاب الشيخ علي عبد الرازق ” الاسلام واصول الحكم” الذي قطع به الطريق علي عوده الخلافة الاسلامية الطامع فيها ملك مصر ” فؤاد الاول” بعد اكثر من قرن من حادثة نفي الشيخ عمر مكرم. وكان نصيب علي عبد الرازق ان أصدر شيخ الجامع الازهر ومعه اربعة عشر عاملا من هيئة كبار العلماء فتوي باخراج الشيخ من زمرة العلماء وحكم عليه بالفصل من وظيفته مع مراعاه عدم حرمانه من حقه في المكافأة.
لم يدرك شيخ الازهر وقتها ومعه جوقة عريضة من المشايخ وتاييد مبطن من ملك مصر ان العالم قد تغيير بنتائج الحرب العالمية الاولي بسقوط الخلافة خاصة بعد صدور بيان حق تقرير المصير لوودورد ويلسون. كان القرن العشرين هو قرن التغيرات الحاده بظهور قوي عالمية كبري كالصين والاتحاد السوفييتي والولايات المتحده الامريكية ويتوازي معها انهيار الامبراطوريات العتيقة منذ زمن الكشوف الجغرافية.
اما بعد الانهيارات الجديدة في نهاية نفس القرن وبداية القرن الجديد حيث استهل افتتاحيته العرب بتدمير برجي التجارة بعدد 15 سعوديا ومعهم اربعة من الضإلىن من مجتمعات الاستعمار الديني القديم يجعلنا نشك كثيرا في قدرة السلطان او المشايخ والفقهاء من ادارة دفة التخريب مرة اخري وقدرتهم علي الحفاظ علي المحميات الطبيعية الدينية بكل ما تحمله من عنف ضد الانسانية.
Elbadryk@access.com.eg
* القاهرة