هتف المتظاهرون في جنازة مروى الشربيني، المصرية التي قُتلت في ألمانيا “يا ألماني يا خسيس دم المصري مش رخيص”. وهذا يعني أنهم ألغوا كينونة القاتل باعتباره فردا (وهو في الواقع مهاجر روسي وليس ألمانيا) وجعلوا منه ممثلا لشعب، كما ألغوا كينونة القتيلة باعتبارها فردا، وجعلوا منها ممثلا للأمة المصرية (رغم أن القاتل لم يرتكب جريمته لأن الضحية مصرية). وإلى جانب فعل الإلغاء والتعميم، استثمروا ما في السجع من كفاءة التطريب لاتهام الألمان بالخسة، وتقريظ الأنا القومية للمصريين وقد أصبحت، بفضل المساج اللغوي، مثل عضلة نافرة.
لا يصعب العثور في هتاف كهذا على قواسم مشتركة بين مطلقيه وبين القاتل نفسه، فالجانبان لم يتورعا عن أخذ فرد بجريرة شعب أو جماعة، بصرف النظر عمّا إذا كانت الجريرة نفسها متوّهمة أو حقيقية. ومع ذلك هذا الأمر أقل أهمية من أمر يقرع أكثر من جرس للإنذار.
والمقصود، هنا، عمليات الاختطاف والقتل المتكررة التي تطال مواطنين غربيين في العالمين العربي والإسلامي ولا تحظى بردة فعل تُذكر من جانب الجمهور، ولا حتى من جانب النخب السائدة في الحكم والمعارضة، بل ولا يستنكف البعض عن تحويلها إلى موضوع للمديح والإعجاب. وعلاوة على هذا وذاك يفشل المتظاهرون في اكتشاف أن ردود فعل الشعوب الأخرى التي يتعرض مواطنوها للاختطاف والقتل، تختلف من حيث الجوهر عن مواقفهم.
في الآونة الأخيرة، مثلا، وقعت أكثر من حادثة اختطاف وقتل لمواطنات ومواطنين ألمان في اليمن. وبقدر ما تسعفني الذاكرة لم يتظاهر الألمان، ولم يرفعوا شعارات من نوع: “يا يمني يا خسيس دم الألماني مش رخيص”. ولو حدث أمر كهذا سيجد أكثر من شخص ذريعة مناسبة لرفع الأمر إلى القضاء، واتهام مطلقي هذا الهتاف بترديد شعارات تحض على الكراهية والعنصرية، وثمة فرصة لكسب القضية إذا تحوّلت إلى قضية رأي عام.
ويمكن في هذا الشأن التذكير بقضية المواطنة المصرية نفسها، التي لجأت إلى القضاء احتجاجا على ما اعتبرته ممارسات عنصرية، وكسبت القضية فأُدين الشخص المعني، وحكم عليه بدفع غرامة مالية، قبل محاولة نقض الحكم من جانبه، بمعنى أن المحكمة أنصفت المواطنة المصرية، وتصرفت في حدود القانون بطريقة تحد من العنصرية.
إلى جانب كل ما تقدّم، في الصحافة العربية، وفي أجهزة الإعلام، وأحاديث الدعاة، والخطب والمواقع والفتاوى الدينية على الإنترنت ما لا يحصى من دلائل العنصرية، والتحريض على الكراهية، والقتل، أحيانا لأسباب غير سياسية، أي لمجرد أن الآخرين كفّار. ومن المُلاحظ أن كلمة كافر قد تحوّلت إلى جزء من الكلام المقبول اجتماعيا لدى أوساط مختلفة في العالمين العربي والإسلامي لوصف غير المسلمين.
وحتى إذا وضعنا كل ذلك جانبا، فإن ردود فعل أشخاص غير محسوبين على الأصوليات الدينية والقومية لا تسهم في التخفيف من حدة هذا الوضع، بل تؤدي في الواقع إلى تفاقمه.
مثلا، في تعليقه على مقتل المواطنة المصرية، رفض الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى اعتبار الجريمة حادثة فردية، فهي حسب رأيه إجرام عنصري نتيجة الشحن ضد المواطنين العرب والمسلمين، وفيها ما يدل على “أن الجهود الرامية لوأد النزاع وصراع الحضارات وعدم التسامح الديني لم تنجح بعد على المستوى العالمي”. وقد كان من الممكن التعامل مع كلام كهذا بقدر أكبر من الجدية لو تكلّم السيد موسى، بصفته الرسمية، في مناسبات سابقة عمّا يشهده العالم العربي من أفكار وأيديولوجيات تعزز الصراع، وتؤدي إلى فشل التسامح الديني على “المستوى العالمي”.
أما فاروق جويدة، وهو شاعر غزليات رومانسية، غالبا ما يسمعها الناس بصوته في الإذاعة، فقد اكتشف فجأة في معرض تعليقه على مقتل المواطنة المصرية: “إننا نسمح في بلادنا للأجانب بكل شيء وهم لا يسمحون لنا في بلادهم بأي شيء”، كما أفتى بأن: “دماء مروة الشربيني ستظل وصمة عار في جبين مجتمعات تتغنى بحقوق الإنسان والحريات الدينية وحوار الثقافات وهي تترك مواطنيها يمارسون أعمال القتل في دهاليز المحاكم وأمام رجال الشرطة”.
لا يهم ما إذا كان هذا الكلام مثقلا بالمغالطات، المهم أن عبور خطاب الإلغاء والتعميم، الصادر عن فئات شعبية لا تملك الوقت الكافي ولا الموارد لتوليف ردود فعل أكثر جدية، وأقل عنصرية، ووصوله إلى ممثلي التيار الرئيس في الثقافة والسياسة يقرع أكثر من جرس للإنذار.
فهؤلاء فشلوا في إدراك الجانب الآخر للصورة، على الأقل كما عبّر عنه إبراهيم عيسى، رئيس تحرير “الدستور” المصرية، الذي كتب ما يلي: “نحن لا نعتذر للأجانب الذين يقتلهم مجانيننا أيضا، وبينما يشعر المصريون بجنون الاضطهاد وان العالم كله يستهدفهم ويستقصدهم وندين ما تفعله قوات الحدود في الدول الأوروبية مع شبابنا المصري الذي يهرب في قوارب وزوارق البحر في هجرة غير شرعية فيموت أو يغرق أو يسجن، فإننا نصمت تماما، بل لا نكاد نشعر ولا نحس ولا نتأثر قطعا بعشرات الشباب الإفريقي الذين تقتلهم الشرطة المصرية تقريبا كل يوم على حدودنا الشمالية”.
ولعل في خلاصة كهذه، وعلى خلفية فشل كهذا، ما يبرر قرع أكثر من جرس للإنذار، ففي الأمر ما يتجاوز مقتل مواطنة في حادثة فردية، وما ينم عن أزمة في الهوية تتجاوز مصر لتغطي العالم العربي من الماء إلى الماء: عالم مأزوم وهوية ثقبها جنون الاضطهاد.
Khaderhas1@hotmail.com
• كاتب فلسطيني- برلين
حول نفس الموضوع:
عالم مأزوم وهوية ثقبها جنون الاضطهاد..!! منذ نحو خمسة ايام تناول أقل من (50) منتدى الكتروني عربي (مدونات) قضية مروى الشربيني , واليوم تجاوز العدد الخمسين ألف (55500) , من اولى المدونات هذه (منتدى فتكات) : المنتدى للنساء فقط وعمره أكثر من عامين ومن التعريف بالمنتدى : (تجدين في منتدى فتكات الذي يعد اول منتدى نسائي مصري و عربي يضم كل الجنسيات العربية تهاني و تبريكات و رسائل حب و مسجات و زغاريد و احلى الاخبار في قسم الترحيب و الاجتماعيات و شات و دردشة متنوعة في قسم دردشة و شاركي اخواتك في مشاكلهن و اذا كانت عندك مشكلة فاكتبيها… قراءة المزيد ..