عندما كنت طفلا صغيرا في مصر كانت بعض السيدات أو الرجال يسألونني: “أسمك إيه؟” وبعد أن أخبرهم باسمي، كانوا يقولون (أيا كان الاسم، كويس أو مش كويس): “عاشت الأسامي”!! وكنت أسعد جدا وأنا طفل بعبارة (عاشت الأسامي) لأني كنت أعتقد (مغرورا) أن هذه العبارة (عاشت الأسامي) لها علاقة بإسمي “سامي”!!
ولم أفهم معنى دعاء عاشت الأسامي لأن الأسامي سوف تعيش دائما، حتى لو مات صاحب الاسم! ألم يكن من الأفضل أن يقولون: (عاش صاحب الاسم)؟؟
…
خطرت لي فكرة هذا المقال بعد زيارتي لأسرة عربية عزيزة علي هنا في أمريكا وأخبروني بأنهم أخيرا نجحوا في اختبار الحصول على الجنسية الأمريكية. وفي نهاية الاختبار، سألهم ضابط الهجرة أن كانوا يرغبون في تغيير أسمائهم للحصول على أسماء جديدة بمناسبة حصولهم على جنسية جديدة، ولكنهم اعتذروا شاكرين وقرروا الاحتفاظ بأسمائهم العربية.
وموضوع تغيير الأسماء له خلفيات تاريخية عديدة، فكثير من الأقليات حول العالم قامت بتغيير أسمائها أو أطلقت على مواليدها أسماء تتماشى مع أسماء الأغلبية التي تعيش بينها، لتجنب الاضطهاد العنصري وهذا يحدث حتى الآن.
في الفيلم الرائع (اتفاق جنتلمان) بطولة (جريجوري بيك) (عام 1947)، تم تناول الاضطهاد العنصري ضد اليهود. وفي الفيلم طلب منه رئيس تحرير مجلة شهيرة في نيويورك أن يكتب تقريرا صحفيا عن اضطهاد اليهود في أمريكا، ومن أجل أن يجرب شعور المضطهدين قام بتغيير اسم الشخصية التي يقوم بها إلى أسم يهودي لكي يستطيع الكتابة عن الموضوع. وفي الحال لمس تغيير المعاملة والعنصرية ضده حتى من جانب أهل أقرب الناس اليه وهي الفتاه التي أحبها. ثم أكتشف أن الفتاه التي كانت تعمل لديه سكرتيرة كانت يهودية ولكنها قامت بتغيير أسمها إلى أسم مسيحي لتجنب الاضطهاد العنصري ضدها وكانت سعيدة بأن رئيسها له أسم يهودي. ثم جرب صعوبة الحصول على مجرد مقابلة شخصية عندما تقدم للحصول على وظائف باسمه اليهودي، بل أنه جرب شيئا ذكيا جدا فقد كتب طلب وظيفة باسمه الأصلي المسيحي وأرسل طلبا آخر إلى نفس الشركة باسمه اليهودي واستخدم عنوانين مختلفين، فجاءه رد إيجابي على الاسم المسيحي وجاءه رفض على إسمه اليهودي مع أنه استخدم نفس معلوماته المهنية وتاريخ الميلاد وشهاداته العلمية.
والفيلم في النهاية كان صرخة ضد الاضطهاد بكل أنواعه وكان يقول بأن حتى الناس الذين يدعون أو يعتقدون أنهم غير عنصريون فإن هناك “اتفاق جنتلمان” بين معظمهم على ممارسة الاضطهاد.
وقد حكى لنا الكاتب العظيم نجيب محفوظ أنه كان مرة ضحية اضطهاد (بالغلط)! فقد كان من أوائل دفعته في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان الطالب الأول مسيحيا وكان نجيب محفوظ الثاني، وكان من المفروض إرسال الأول والثاني إلى بعثة للدكتوراه إلى فرنسا على حساب الحكومة، وأعتقد المسؤولون أن نجيب محفوظ مسيحي، وقالوا من غير المعقول ارسال أثنين مسيحيين إلى فرنسا. فتم الغاء بعثة نجيب محفوظ وتم ارسال الثالث على الدفعة وكان مسلما، ونحمد الله على هذا الخطأ من جامعة القاهرة، وإلا كنا حصلنا على الدكتور نجيب محفوظ وفقدنا الكاتب العظيم نجيب محفوظ!
وكم من الدكاترة ولاعبي كرة القدم والمهندسون والمهن أخرى تم اضطهادهم بسبب أسمائهم، وكان من أوائل ما كتبت منذ سنوات طويلة مقالا بعنوان “اسمك إيه يا شاطر” عن صبي فشل في التسجيل في النادي الأهلي المصري بسبب اسمه المسيحي بالرغم من نجاحه في كل الاختبارات الرياضية، ولكن المسؤول عن تسجيله بالنادي عندما عرف اسمه لم يقل له “عاشت الأسامي”!! بل قال له: “فوت علينا السنة الجاية”.
واليهود لم يكونوا الوحيدون الذين كانوا يغيرون أسمائهم لتجنب الاضطهاد. ولكن المسيحيين في البلاد العربية كانوا يستخدمون أسماء تبدو غير مسيحية مثل: سامي، مجدي، شريف، هاني، سارة، ليلى…
وبعض المسلمين في أمريكا يغيرون أسماءهم لتجنب الاضطهاد أيضا، مثل: محمد ومصطفى يصبح “مو”، مروان يصبح “مارك”، وسامي يصبح “سام”، ويوسف يصبح “جو”…
أما المهاجرون العرب المسيحيون في أمريكا رجعوا يطلقون على أولادهم أسماء مسيحية صرفة مثل: ماري، ميشيل، مارك، جون، بيتر،.. لكي يسهل عليهم الاندماج التام
أما الصينيون والأفارقة، فهؤلاء حكاية أخرى. فحتى لو غيروا أسماءهم فإن الشكل الصيني أو الأسيوي أو الأفريقي مفضوح ولا هروب منه. ونظرا لصعوبة نطق الأسماء الصينية فتجد أن كثيرا من الصينين الذين تعاملت معهم يستخدمون إسما أمريكيا سهلا وآخر صينيا صعبا.
وتقول النكتة بأن شخصا من مصر أسمه “عبد الفتاح أبو جاموس” ذهب لإصدار بطاقة تحقيق الشخصية، فقال له الموظف المسؤول: “أسمك صعب قوي وأقترح عليك تغييره”، فقال له: “عندك حق سوف أغير أسمي إلى أحمد أبو جاموس، على إسم جدي”!!
وبمناسبة عيلة أبو جاموس، (وهذه قصة حقيقية) فقد كان لدينا في حي مصر القديمة بالقاهرة أربع عائلات بأسماء: أبو جاموس، الجحش، الجمل، البقري… وكان هناك صديق لأخي دمه خفيف ومرة ذهب إلى المقهى ووجد بالصدفة شباب من الأربع عائلات (أبو جاموس والجمل والجحش والبقري) يلعبون الطاولة فقال على الفور: “ما شاء الله البهايم كمان بيعرفوا يلعبوا طاولة”!!
مقال واقعي جدا و ساخر.
سلم قلمك م سامي
و عاشت الاسامي
جميل ولطيف ومهذب
شكرا لكم
رائع دائما
نشر “الشفاف” قبل سنوات مقالاً عن مؤتمر أكاديمي لجامعة استانبول توصّل إلى أن هنالك ثلاثة ملايين “مسيحي مخفي” بين الأتراك اليوم! بينهم رئيس أهم نادي كرة قدم في تركيا! وشخصيات كبيرة أخرى! وقد أكد لي مراسل الشفاف في تركيا أن هذه مسألة معروفة عموماً.. في تركيا!! وجاء في الدراسة أن “المسيحيين المختفين”، الذين تبنّهم وحمتهم عائلات تركية كانوا يحملون اسماء محايدة مثل سامي وفريد وغيرها! وهذا يذكرني بأن المسلسلات المصرية كانت صوّرت لنا “الصعيد المسلم”، ولكن ركوب القطار من الإسكندرية إلى القاهرة نبّهني إلى أن قسماً كبير من “الصعايدة” مسيحيون!!
ظريف مقالك استاذ سامي ومليء بالدلالات الواقعية