صحيح أن الحرب العالمية ضد الإرهاب والإرهابيين لم تأت أكلها بالكامل أو مثلما كان يراد لها، بدليل التقرير الأمريكي الخاص حول الموضوع لعام 2006 والذي أشار إلى تزايد عمليات الإرهاب حول العالم في ذلك العام عن العام السابق له ووصولها إلى 14338 عملية، استهدفت 74543 مدنيا وأوقعت 20498 وفاة، مقابل 11153 حادثا إرهابيا في عام 2005، بلغ مجموع ضحاياه 74217 مدنيا.
وصحيح أن بعض رموز الإرهاب العالمي من أمثال رأس الأفعى “أسامة بن لادن ومعلمه الأيديولوجي الملعون “أيمن الظواهري” لا يزالان طليقين. غير أن هناك ملاحظة جديرة بالتأمل، ولا يمكن التشكيك فيها وهي أن المشهد العام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أو ما اصطلح الإرهابيون على تسميته بغزوة مانهاتن، تغير كليا.
فقبل هذا التاريخ كانت رؤوس الإرهاب وتنظيماته بعيدة عن مجهر المجتمع الدولي، بمعنى أنها كانت تسرح وتمرح وترهب وتخطط وتتسلح دون حسيب أو رقيب. أما بعده، فقد صارت في دائرة الرصد والمتابعة من قبل أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية ضمن عملية تعاون وتبادل محكم للمعلومات، الأمر الذي لعب دورا حاسما في اصطياد و قتل كبار المطلوبين من رؤوس الفتنة و عشاق الدم أو إحباط مخططاتهم الإجرامية قبل تنفيذها.
و لعل من الأدلة الدامغة على صحة ما نقول هو أنه لم تعد هناك اليوم دولة طالبانية تحتضن الإرهابيين رسميا وتوفر لهم المأوى والدعم، بل أن رموز هذه الدولة المتوحشة، وعلى رأسهم زعيمها الملا محمد عمر، يعيشون كالفئران المذعورة في كهوف معزولة في أفغانستان أو باكستان. كما لم يعد هناك شخص متوحش مثل زعيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” أبو مصعب الزرقاوي الذي تمت تصفيته في يونيو 2006، من بعد أن شوه صورة الإسلام والمسلمين (بحماقاته وغروره و تعطشه لسفك الدماء وجز الأعناق )، وبطريقة لم يفعلها حتى أشد الناس عداء للإسلام. وبالمثل لم تعد هناك حرية لأشخاص من أمثال المتطرف اللبناني “عمر بكري فستق” أو الأردني “أبوقتادة” لنشر سمومهم وتلويث عقول بسطاء المسلمين في المهجر البريطاني، من بعد أن قررت لندن عدم السماح بعودة الأول إلى أراضيها، وتقييد حرية الثاني بايداعه في معتقل منيع.
ومن الأدلة الأخرى مقتل المدعو “قذافي جنجلاني” في يناير 2007 ولحاقه بشقيقه “عبدالرزاق أبوبكر جنجلاني” مؤسس حركة “أبو سياف” الفلبينية والتي قامت ما بين عامي 2002 و2009 بعمليات إرهابية تراوحت ما بين الخطف والقتل والاحتجاز والابتزاز والاحتيال وقطع الطرق باسم الدفاع عن حقوق مسلمي الجنوب الفلبيني
إلى ذلك صار أحد أكبر المطلوبين للعدالة في العالم، ونقصد به الإرهابي الاندونيسي رضوان عصام الدين الملقب بالحنبلي، والذي وصفته مجلة تايم الأمريكية بأنه “بن لادن الشرق الأقصى” كناية عما قيل من أنه كان العقل المدبر وراء محاولة تفجير عدد من طائرات الركاب المدنية العابرة للمحيط الهادي، ناهيك عن دوره في توفير الملاجيء وتنظيم السفر لاثنين من المشاركين في أحداث 11 سبتمبر ولواحد من المشاركين في إصابة المدمرة الأمريكية “كول” في ميناء عدن في عام 2000 وتخطيطه لاغتيال السيدة “ميغاواتي سوكارنو بوتري” حينما كانت نائبة لرئيس إندونيسيا..صار نزيل معتقل غوانتنامو الأمريكي منذ اعتقاله في 14 أغسطس 2003 على يد قوات الشرطة التايلاندية وتسليمه مخفورا إلى الأمريكيين.
والشيء نفسه تقريبا ينطبق على الإرهابي الخطير الآخر الذي وصف بأنه كان العقل المخطط لهجمات 11 سبتمبر، ونقصد به البلوشي أصلا والكويتي نشأة “محمد شيخ خالد” والذي اعتقلته باكستان في مارس 2003 وسلمته إلى الأمريكيين ليعترف لهم بضلوعه في أعمال قذرة عديدة كان من بينها المشاركة في التخطيط لهجوم عام 1993 على مركز التجارة العالمي في نيويورك، والتخطيط لهجومين على مبنى ساعة بيغ بن ومطار هيثرو في لندن، والتخطيط لإسقاط طائرة ركاب فوف مياه الأطلسي.
إن التعاون العالمي و يقظة المجتمع الدولي وكفاءة مخابرات بعض الدول المتقدمة ساهمت كثيرا في الحد من نجاح الإرهابيين في تنفيذ جرائمهم البربرية. ففي باكستان التي تعتبر بحق بؤرة للإرهاب بسبب ضعف حكومتها المركزية واختراق أجهزتها العسكرية والامنية والمخابراتية، ناهيك عن روح التشدد والتطرف التي سرت في مفاصلها منذ انغماسها في حرب الجهاد الأفغانية وشروع زعيمها الاسبق ضياء الحق في اسلمة مظاهر الحياة، سقط زعيم حركة طالبان/باكستان “عبد الله محسود” أولا، ثم سقط من بعده خليفته “بيعة الله محسود” (المتورط في اغتيال رئيس الحكومة الباكستانية السابقة بي نظير بوتو في عام 2007 والمسئول ايضا عن سلسلة من العمليات الانتحارية في عام 2009 )، وذلك في عامي 2007 و2009 على التوالي كنتيجة لضربات صاروخية أمريكية على معاقل الحركة في إقليم وزيرستان المتاخم لأفغانستان.
وفي باكستان أيضا، تم في يوليو 2007 اعتقال رجل الدين المتشدد الموالي للقاعدة ولطالبان “الملا عبد العزيز” بينما كان يحاول الفرار من حصار فرضه الجيش حول معقله في المسجد الأحمر في وسط العاصمة، وهو يرتدي ملابس نسائية وبرقعا، وذلك بعدما كان سببا في مواجهات دموية ما بين عناصر الشرطة وأتباعه من المغرر بهم. تلك المواجهات التي كانت حصيلتها مقتل 102 شخصا (بينهم 10 جنود وشقيق عبدالعزيز ووالدته).
وفي اندونيسيا التي ابتليت بالجماعة الإسلامية تحت قيادة رجل الدين المتشدد من ذوي الأصول الحضرمية “أبوبكر با عاشير”، تمكنت قوات الجيش والأمن بعد جهد جهيد وعمليات مداهمة متوالية وبمساعدة استخباراتية وأمنية من قبل استراليا والصين والفلبين وسنغافورة واليابان من تحديد أسماء الإرهابيين الضالعين في مجزرة بالي في أكتوبر 2002 والتي راح ضحيتها 202 مواطنا وسائحا أجنبيا، و أسماء الضالعين أيضا في سلسلة من أعمال التفجير ضد فنادق الدرجة الأولى في جاكرتا في عامي 2003 و2005. وهكذا تم في نوفمبر 2005 اصطياد وقتل الإرهابي الماليزي “أزهري حسين” الذي ظل طويلا على قائمة المطلوبين في آسيا، كما تمت محاكمة الاندونيسيين الثلاث المتهمين بارتكاب مجزرة بالي (عمروسي وشقيقه مخلص وايمان سامودرا) وصدر حكم بإعدامهم رميا بالرصاص، وهو ما نفذ في نوفمبر 2008.
وفي بنغلاديش تمكنت السلطات في أغسطس 2005 من القبض على 45 مشتبها في مناطق متفرقة من البلاد في أعقاب وقوع 350 تفجيرا متزامنا في عدد من المدن، خلف وراءه عددا كبيرا من القتلى والجرحى. وفي 30 مارس 2007 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في ست متهمين بارتكاب تلك الجريمة كان من بينهم زعيم جماعة “جاجراتا” المتشددة “بنغالا باي” وشايق عبدالرحمن الزعيم الروحي لجماعة المجاهدين.
وفي تركيا أحبطت السلطات عملية تفجير ضخمة في أنقرة كانت تستهدف رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان من خلال سيارة تحمل 3000 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار. أما في السعودية التي باتت هدفا أساسيا للمجرم بن لادن وأتباعه فقد تمكنت الأجهزة الأمنية في السنوات القليلة الأخيرة من اصطياد المئات من الإرهابيين قتلا أو اعتقالا، ناهيك عن نجاحها في إحباط العديد من عملياتهم الإجرامية مثل عملية 20 فبراير 2006 التي كانت تستهدف منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في بقيق. وفي اليمن التي كثيرا ما شهدت عمليات انتحارية، بل صارت احدى الدول الوسيطة لجهة انتقال عناصر القاعدة من افغانستان الى بلدان أخرى، تمكنت السلطات من اعتقال الإرهابي المصري الجنسية “احمد بسيوني دويدار” الذي قيل انه العقل المدبر لثلاث هجمات انتحارية كانت إحداها ضد مجموعة من السياح الغربيين في مأرب في يوليو 2007.
وفي بريطانيا المنعوتة بالمرتع الأكبر في أوروبا للإرهابيين بفضل تساهل حكومتها من جهة، وبفضل وجود بريطانيين كثر من ذوي الأصول الباكستانية ممن لوحظ ترددهم على وطنهم الأم وتشربهم هناك لمفاهيم الجهاد والتطرف في مدارس كابول وبشاور ولاهور وكشمير الكئيبة من جهة أخرى، فككت المخابرات عشرات الخلايا والشبكات الإرهابية قبل إقدامها على أعمال تفجير الطائرات وصنع القنابل وضرب المعالم السياحية والمباني الحكومية والمصارف، واعتقلت عناصر مهمة ضمن هذه الشبكات ممن ثبت اتصالهم بتنظيم القاعدة أو بتنظيمات إسلامية متطرفة في أوروبا ولاسيما في ألمانيا التي قدمت مخابراتها مساهم فعالة في إلقاء القبض عليهم على ضؤ ما توصلت إليه من نتائج في أعقاب تحقيقاتها في عام 2007 حول اكبر مخطط إرهابي كان يستهدف مواطنين أمريكيين في الذكرى السادسة لهجمات 11 سبتمبر.
والحقيقة أن نظرة تأمل لما حدث خلال شهر سبتمبر الماضي فقط يكفي للقول بأن الإرهاب محاصر من كل الزوايا وأن الأعين مفتوحة عليه على مدار الساعة. ففي ذلك الشهر حققت اندونيسيا نجاحا باهرا آخر بقتلها للمجرم الماليزي المراوغ “نور الدين محمد توب” الذي ظل مطلوبا ومطاردا لسنوات طويلة. وفيه أيضا أحبطت السعودية عملية مبتكرة لاغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز. وفي منتصفه أعلن الأمريكيون أنهم قتلوا في غارة جوية في الصومال أحد الإرهابيين المطلوبين لديها (صالح علي نبهان) لدوره في تفجير فندق في مومباسا الكينية في عام 2002 . أما في أواخر الشهر ذاته، فقد تمكنت السلطات الأمريكية من إحباط محاولتين إرهابيتين: الأولى كان يفترض أن يقوم بها مهاجر أفغاني شرعي في نيويورك، والثانية كان يفترض أن تتم على يد شاب أردني في دالاس بتكساس عبر استهداف ناطحة سحاب بسيارة مفخخة. علاوة على ذلك شهد شهر سبتمبر قرارا باكستانيا جريئا بتقييد حرية حافظ محمد سعيد مؤسس جماعة “عسكر طيبة الارهابية المسئولة عن هجمات بومباي الدموية في عام 2008 والتي راح ضحيتها أكثر من 166 انسانا بريئا.
*باحث ومحاضر أكاديمي متخصص في الشئون الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh