أتحفنا د. برهان غليون في مقابلة قصيرة مع الإعلامي حمدي قنديل على قناة دبي الفضائية في برنامج قلم رصاص في 27/4 بمجموعة مواقف من السلطة ومن المعارضة على حد سواء، مثيرة للإهتمام وتستدعي بعض التوضيحات والإستيضاحات.
ففي بداية حواره رأى د.غليون أن مشكلة الإنتخابات التشريعية السورية الأخيرة أنها أتت لتكرس نظاماً سياسياً قائماً أصلاً بدونها، وهو نظام – حسب رأيه– إنهزت ركائزه مع إنهيار الإتحاد السوفياتي وفشل تجربة الحزب الواحد الطليعي القائد للمجتمع والدولة.
ورأى د.غليون أيضاً أن إمكانية حدوث تغير في النظام السياسي القائم كانت مطروحة عام 2000 ، لكن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة من إخافة للنظام السوري، بإعلانها عزمها الإطاحة به، جعله ينهي فترة ربيع دمشق، وهنا اعتبر غليون مجازاً أن ما يقوم به النظام هو بمثابة “دفاع عن النفس” أو عن البقاء.
وهنا نسأل د. غليون عن ربيع دمشق تحديداً. فالنظام وأد ربيع دمشق في أيلول 2001 عندما أقدم على اعتقال براعمه الأولى، أي قبل أن تتدهور علاقاته مع الولايات المتحدة. وهذا ما يدحض ما تقدم به غليون عن الدور الأميركي بإخافة النظام، بل إن الولايات المتحدة في تلك الفترة كانت على علاقة طيبة جداً بالنظام السوري، فلم نسمع وقتها عبارة إدانة واحدة وجها أي مسؤول أميركي لنظام دمشق حول المعتقلين السياسيين كما نسمع اليوم.
ومن المعلوم وليس خافياً على أحد أن علاقة الولايات المتحدة مع النظام السوري تدهورت إبان الغزو الأميركي للعراق.
والجدير بالذكر أن النظام وقتها بدأ يستشعر بالخطر والقلق على مصيره، فأطلق مجموعة من المواقف من أشخاص في السلطة (مثقفي السلطة) كان أبرزها مقالة اللواء بهجت سليمان في صحيفة السفير اللبنانية 15/5/2003 التي عول فيها على أخلاق ومناقب المعارضين السوريين بالوقوف الى جانب النظام في وجه ما أسماه وقتها “الهجمة الأمريكية”.
النظام يعول على أخلاق ومناقب المعارضين السوريين في الوقت الذي يحرمهم فيه من الحراك أو التنفس حتى، لا بل كان جميع معتقلي ربيع دمشق قيد الإعتقال باستثناء الأستاذ رياض الترك الذي لم يكن ليفرج عنه وقتها لولا الضغوط التي مورست على النظام من قبل الأحزاب الإشتراكية الأوربية.
ورأى د.غليون أن التصعيد المتبادل بين السلطة والمعارضة غير مجدٍ واصفاً خطاب المعارضة بالعدواني، بل ذهب الى أبعد من ذلك الى عدم وجود معارضة في سوريا أصلاً، بل وجود مثقفين سوريين معارضين.
الحقيقة أن هذه النقطة تتماهى تماماً مع ما كان “اللواء المثقف” بهجت سليمان قد طرحه في مقالته، حيث نفى وقتها وجود معارضة حقيقية بل وجود معارضين ذوي أهداف إصلاحية (ممن يستحقون أن يودعوا السجون بدلاً من أن يأخذ بيدهم وبمطالبهم الإصلاحية).
وهنا نرى أن المعارضة السورية موجودة، ربما ضعيفة وعاجزة عن المضي بالتغيير قدماً في ظل بطش النظام القائم، لكنها موجودة. ولو كان النظام متأكداً من عدم وجود معارضة جدية، لكان قد سمح لأحزاب المعارضة بالنشاط السياسي بشكل قانوني بعد إصدار قانوني عصري للأحزاب، لكن النظام يعي – كما يعي د. غليون تماماً – أن الشارع السوري مبتعد عن السياسة نتيجة الخوف وأنه في حال صدر قانون للأحزاب أجاز الإنتساب لأي حزب من الأحزاب الموجودة في المعارضة فإن الشارع السوري سيؤيدها. وهذا أحد الأسباب التي تمنعه من إصدار هذا القانون الذي وعد به منذ عام 2000 ، لا بل إن مسودة القانون الذي طرحت في أعقاب المؤتمر العاشر لحزب البعث في صيف 2005 ، كانت على درجة من السوء دفعت ببعض المعارضين أو “المثقفين المعارضين” لمهاجمتها والمطالبة بالإبقاء على الوضع القائم رغم سيئاته (انظر فضلاً مقالة الأستاذ الفاضل ميشيل كيلو بعنوان “قانون لمنع الأحزاب”).
أما عن الخطاب العدواني للمعارضة فهذه أكثر نقطة إثارة للدهشة في كلام غليون الذي التمس عذراً لنظام البطش، معتبراً أن سياسيات الولايات المتحدة العدوانية تجاه النظام أخافته ودفعته الى التحول الى نظام أمني. ألا يمكن أن تلتمس يا دكتور عذراً للمعارضة، وتعتبر الإعتقالات والتنكيل بحق كوادرها سبباً كافياً لتحول خطابها الى خطاب عدواني؟ وإلا فما المطلوب من المعارضة، أن ترحب مثلاً بالإنتخابات التشريعية وتصوت لـ “لجبهة الوطنية التقدمية”، هذا إذا ما سلمنا جدلاً بأن خطاب المعارضة هو خطاب عدواني أصلاً؟ لكن أرى أن هذا الخطاب متناسب تماماً مع الهجمة الأمنية الشرسة التي تقودها السلطة بحق كوادر المعارضة وشبابها.
أما عن مطالبة غليون للمعارضة بألا تنتظر ضغوطاً خارجية على النظام ومطالبتها العودة الى أجندة داخلية وطنية حقيقة فهو كلام مرفوض، لأن المعارضة لم تنتظر يوماً ضغوطاً خارجيةً، ربما استفادت سياسياً وإعلامياً – ومن منطلق تقاطع المصالح- لكنها لم تعول يوماً على مثل هذه الضغوط. ونذكر هنا ببيان 1999 المنشور في جريدة “النهار” اللبنانية والذي وقعه نحو 270 مثقفاً سورياً طالبوا فيها بالإصلاح السياسي وبإطلاق المعتقلين السياسيين في ظل أوج التماهي بين نظام دمشق والولايات المتحدة، وفي ظل أوج البطش في زمن الرئيس الأسد الأب.
ناهيك عن كون أجندة المعارضة هي أجندة داخلية ووطنية وحقيقية، وربما هي أكثر أجندة وطنية طرحتها معارضة ما على مر الزمان، أو على الأقل هي أجندة وطنية أكثر من أجندة النظام القائم والذي بدأ – في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع – التفريط بالثوابت الوطنية والأراضي السورية المحتلة لغايات شخصية ومصالح ضيقة غير وطنية.
أما عن دعوة د. غليون الى عقد ندوة وطنية شاملة تتشارك فيها السلطة والمعارضة مناقشة الأوضاع الداخلية فهي مثيرة للإستغراب. ألا يعلم د. غليون أن المعارضة “كلت وملت” وهي تدعو السلطة الى مثل هذه الندوة؟ ألا يعلم غليون أن هذه الندوة هي ما نادت به المعارضة السورية طوال خمس سنوات قبل صدور إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وكلام المعارضة هنا معروف (هدف المعارضة الإصلاح لا التغيير، المعارضة تريد إصلاحاً من الداخل، وهي تعول على أشخاص في النظام لإجراء هذا الإصلاح –في إشارة وقتها للسيد رئيس الجمهورية – ، وأن المعارضة تريد إصلاحاً تدريجياً وسلمياً، وهي تريد أن تلتقي مع النظام لما فيه خير البلاد والعباد…..الخ). لكن هذه الدعوات جوبهت بالرفض وببساطة لأن النظام اعتقد أن قبول مثل هذه الدعوات هو اعتراف واضح وصريح بالمعارضة السورية وبوجودها، ولأن السلطة تعتبر أن الإصلاح بدلالة القوى الوطنية دليلا على ضعفها. ناهيك عن أننا في المعارضة (وهنا أتكلم عن رأيي الشخصي على الأقل) لن نقبل الآن مثل هذه الدعوة إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فكيف بنا قبول التحاور مع النظام في ظل اعتقاله لمعظم كوادر المعارضة وشبابها؟
إن هذه النقاط تجعل ما طرحه د. غليون – ومع الإشارة الى أني أهملت التعليق على كلام حضرته حول إيعاز الولايات المتحدة الى شخصيات في رأس النظام للإنشقاق، في إشارة الى نائب الرئيس السابق الأستاذ عبد الحليم خدام، حيث أني لست معنياً بهذه النقطة وأترك أمر مناقشتها لجبهة الخلاص الوطني – تجعل كلامه بعيداً كل البعد عن المنطق السياسي والذي يعيه د. غليون أكثر من غيره، لا بل تجعل كلامه من قبيل الكفر السياسي
ma.abdallah2007@gmail.com
* طالب في كلية الحقوق، ناشط في المعارضة السورية.