ذات مساء جمعتني الصدفة بشاب يمني لطيف في ردهة فندق الشيراتون بدولة الكويت الشقيقة، وأخبرني أنه يعمل هناك إماماً لمسجد، وأنه ضمن مجموعة من اليمنيين المؤذنين والأئمة في مساجد الكويت، تقل عن 200، جرى تصديرها إلى الكويت بموجب اتفاق بين وزارتي الأوقاف في البلدين.
سعدت كثيراً بالتعرف إليه وسماعه، وفرحت أكثر بنجاح اليمنيين الذين ذهبوا في إطار المهمة المذكورة، وتمتعوا بإقامة طيبة محفوفة باحترام ومحبة الكويتيين.
وحرصت قدر ما استطعت على كتم ضحكة كادت تنفلت مني حينما كنت أتابعه بشغف لا يوصف، ووحده الرب يعلم أني في صباح ذلك اليوم قرأت في صحيفة كويتية يومية لقطة طريفة وخفيفة الظل حول جواز الاستجابة لنداء الصلاة (الأذان) إذا ما كان بصوت مؤذن بنغالي تخرج حروف التكبير والشهادة من لسانه وهي مخرومة، مثلومة، من غير أن يقصد ذلك، وبما لا يسمح لأي كان في التشكيك بنواياه وإيمانه، أو الانتقاص من حقه في كسب فرصة العمل والرزق كمؤذن.
في ذلك المساء التقيت بالزميل العزيز يحيى الحدي الذي سلخ جل عمره في الكويت. وتضاعفت مسرتي بسماعه وهو يطري تجربة العمالة اليمنية في المجال المذكور، ما لفتني إلى احتواء اليمن على إمكانيات واعدة في مجالات غير منظورة، وقد لا تخطر على بال.
وهجست باحتمال ازدهار سوق الخدمات الدينية في اليمن، وقدرتها على تصدير العمالة (الناعمة) في هذا المجال وبأفق التنافس وليس على حساب إخوتنا في الإسلام من البنغال والهند وسريلانكا و… الخ.
ولم أكن كالباحث عن عزاء عبر الاستغراق في هذا الهاجس التعويضي عن فشل اليمن في إقامة سوق للأوراق للمالية، أو سوق وطنية متكاملة، وإخفاقها في تأهيل أو إعادة تأهيل منتجها وصادرها الأزلي الوحيد، وموردها العتيد الذي تمثل منذ أبد الدهر بتصدير اليد العاملة المهاجرة.
ولست بصدد تقليب مروحة الاحتمالات المستحيلة، وإفساد فاكهة الفكرة (الواقعية) الطرية: فكرة سوق الخدمات الدينية مع التشديد على «الناعمة». (غير المقاتلين أو المحرضين على القتل).
ويلوح لي أن اليمن قادرة على التعاطي مع متغيرات واحتياجات محيطها الإقليمي، ومن الراجح أن تتفاعل بكيميائية خارقة مع المستجدات المتسارعة في منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي.
في هذا المنحى أستطيع القول، وبالفم المليان، إن اليمن مؤهلة -في ظل قيادتها الحالية الحكيمة خصوصاً- على الانخراط في صناعة القرصنة وتنمية اقتصادها، وبوسعها أن تجعل من الصومال: «صفر على الشمال”!
ذلك ما هو متاح ومحتمل و«واقعي» جدا، وبإسناد من الوقائع والشواهد التي تحتشد وتنعقد لتشكيل ضفيرة فرصة ذهبية متاحة لأن تستثمر بمنهجية يمكن أن تقفز باليمن إلى المستوى الذي لا يمكن قياسه بألاعيب العيال من القراصنة الصومال.
أعتقد أن الفرصة لن تذهب هباء، وإن ذهبت اليمن إلى وراء الشمس.
mansoorhael@yahoo.com
• صنعاء