الحركات آلاسلامية الفلسطينية حوّلت القضية الفلسطينية من قضية سياسية واحتلال استيطاني، الى قضية دينية، بينما يتشبث اليهود بنفس الحق الألهي: فهم ايضا وعدهم “يهوه” قبل المسلمين بأرض فلسطين.
يصعب توصيف حالة ما يجري على أرض فلسطين اليوم. هل ندعوها “بالكوميديا السوداء”؟ أم هي صراع الآلهة على الأرض! أم صراع البشر للسيطرة على السماء! هل كان ظهور الديانات في منطقتنا العربية وعلاقتها بفلسطين نقمة ووبالا علينا الى يوم الدين؟
فكلا الجبارين المتصارعين على أرض فلسطين، هو خاسر اذا ما اعتمد الدين لتثبيت حقه وملكيته للأرض.. وما يهمنى هو الجانب الفلسطيني، وهنا أعني الحركات آلاسلامية الفلسطينية، التي نقلت القضية الفلسطينية من قضية سياسية واحتلال استيطاني، وسرقة وطن بأكمله، الى قضية دينية.
فاذا كان الهدف هو استقطاب الشباب، فان الشعب الفلسطيني لم يبخل بدمه وروحه، خلال مسيرته التاريخية الطويلة، والتي سبقت ظهور الحركات الاسلامية، وقد ضمت الفصائل الفلسطينية،خاصة، فتح كل الأطياف العقائدية، ولم تكن بحاجة الى وعود بالجنة او الحواري.
أما اذا كان السبب هو مواجهة ألأيديولوجية الدينية اليهودية، بأيديولوجية دينية اسلامية، فنحن بغنى عنها، نحن نعتمد على حقنا التاريخي، واسرائيل تعتمد على وعد الهّي يعنيهم وحدهم، ولا يلزم أي ديانة أخرى. وطالما حذر الكثيرون منا، من مخاطر أسلمة القضية الفلسطينية، واخراجها من سياقها التاريخي والسياسي، فهي من هذا الجانب قضية خاسرة، كون الاسلام هو آخر الديانات السماويّة الثلاثة، والتي تصر على انتمائها الى ذات النبي وهو ابراهيم الخليل، الذي تفصله عن أقرب ديانة له وهي اليهودية أكثر من سبعين سنة من الزمان! وهذا وحده مبحث مستقل قائم بذاته….
ان وجود احتلال، يقابله وجود مقاومة له، هذه بديهة تفهمها دول العالم، رغم العهر السياسي الذي تمارسه. انما أن تتحول القضية الى صراع ديني، وحول أماكن تاريخية أو دينية، فهذا ما يعطي المبرر للعالم شرعيّة التنصل من مسؤولياته، لأن الأمر حينئذ يصبح صراع آلهة وغيبيات، تتطلب تدخل أنبياء أو انتظار معجزات سماوية!
سؤال بسيط نوجهه لهؤلاء الاسلاميين: هل مقام ابراهيم الخليل أو قبر راحيل، أغلى علينا من الأرض التي يقومان عليها؟ وهل حجارة الأقصى وقبة الصخرة، والذي يجري الخلط بينهما، أقدس وأعزّ علينا من الأرض ألتي يقومان عليها؟ أنكافح من أجل الأرض أم من أجل ما عليها من قبور ومساجد؟
هل يعلم هؤلاء الذين أعمى الدين بصيرتهم، أن تاريخهم في المنطقة، أقدم من الديانات السماوية كلها؟ وأن كاهنهم وملكهم الكنعاني، في يبوس، وأسلافهم من الكنعانيين، قد عرفوا” ايل” الله، وأسكنوه في السماء البعيدة، ورفعوا القيم الأخلاقية من المستوى المادي الى المستوى المعنوي والروحي، ورأوا في الله أبا للبشر جميعا؟ وأن ” ملكي صادق ملك أورشاليم، أخرج خبزا وخمرا،وكان كاهنا لله العلي، وبارك ابراهيم قائلا:”مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض” تكوين14/8.. وأن المسيح جاء على رتبة ملكي صادق، كما جاء في رسالة العبرانيين 5/6 العهد الجديد..
في ذلك الوقت، كانت الديانات الثلاثة في عالم الغيب..ولكن من مساوىء الفتوحات الاسلامية، أنها غيّرت أسماء المدن والبلاد، كونها تنتمي الى عصر الوثنية، بينما التقط الاسرائيليون الاسماء وأحيوها، ليعطوا لأنفسهم بعدا تاريخيا في المنطقة.
الاسرائيليون استندوا في اظهار حقهم في تلك الأرض، على الوعد آلالهي باعطائهم تلك الأرض، وطرد أصحابها.. وقتل النساء والأطفال والشيوخ وحرق المدن والقرى، والاحتفاظ بالذهب والفضة لخزينة الرب..الحوار التالي، بين ناحوم غولدمان وبن غوريون، غني عن أي تعليق، وقد أورده الأول في مذكراته:
بن غوريون: شخصيا، أنا سوف أدفن في هذه الأرض، لكني لست متأكدا من أن ابني عاموس سوف يدفن هنا.
غولدمان: كيف تقول هذا؟
بن غوريون: أتساءل كل الوقت، ما هو الأساس في وجودنا هنا؟ حقنا يستند الى التوراة، أليس كذلك؟ الوعد باعطائنا هذه الأرض هو من الله، وهذا الوعد لا يلزم العرب. “الهولوكست” هي شيء آخر، في اعطائنا وطنا. والعرب يرون بأن “الهولوكست” كانت شيئا مرعبا، وبما أن الألمان مسؤولون عن “الهولوكست”، فلماذا لم يعطونا “الراين” لتكون لنا وطنا؟
أنهى غولدمان الحوار بقوله: “ليس لدي ما أقوله، غير الأمل بأن لا يكون القادة العرب يفكرون مثلك…”
نَمْ قرير العين يا ناحوم، فالقادة العرب، لم ولن يفكروا بطريقة بن غوريون.
ان قراءة، ولو سطحيّة للعهد القديم، تظهر أن لاحقّ لليهود، يستندون اليه الاّ الوعد آلالهي الغيبيّ. فكلمة غرباء، وأرض غربتكم، أنت غريب… ظاهرة في مواقع كثيرة، حين يخاطب يهوه، شعبه المختار! وهاك بعض الأمثلة:
قال الرب لأبرام (إذهب من أرضك ومن عشيرتك وبيت أبيك، الى الأرض التي أريك.. فذهب أبرام كما قال له الرب، فأتوا الى أرض كنعان.. وظهر الرب لأبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض) تكوين 12/1
ويقول العهد القديم (وتغرّب ابراهيم في أرض الفلسطينيين أياما كثيرة) تكوين 21/34. الحقيقة أن المعتقد الديني لفئة ما، لا يلزم الآخرين، وآلانطلاق من مسلمات دينية لطرف، لا تعني أي طرف آخر.
والواقع أن القبائل العبرية، هي قبائل بدو رحّل، شأنها في ذلك، شأن القبائل العربية في تلك المرحلة، وتحديدا في الجزيرة العربية.حيث عاشت القبائل العبرية الى جانب العرب، بما هم شعوب سامية، تنتمي لعرق وأساس واحد.
(وكان في آلأرض جوع. فذهب اسحق بن ابراهيم الى أبي مالك، ملك الفلسطينيين. فظهر له الرب وقال.. تغرب في هذه الأرض، لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد، وأفي بالقسم الذي أقسمت لابراهيم أبيك ) تكوين26/1. ثم ظهر الرب ليعقوب” اسرائيل” وقال (أنا يهوه، اله ابراهيم أبيك واله اسحق، ألأرض ألتي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك) تكوين28/13.
أخذ يعقوب بالخديعة، بركة أبيه اسحق، ألذي أوصاه أن لا يأخذ زوجة من بنات كنعان، وأوصاه بالذهاب الى فدان أرام (في بلاد ما بين النهرين) ليتخذ له زوجة من بنات “لابان” أخي أمه. فذهب يعقوب الى بلاد ما بين النهرين، ورعى غنم خاله لابان، وتزوج من راحيل و ليئه، ابنتي خاله ومن جاريتيهما، فولدن له اثني عشر ابنا، شكلوا فيما بعد أسباط اسرائيل. ثم قام يعقوب، وحمل أولاده ونساءه على الجمال، وساق مواشيه التي اقتنى في فدان أرام، ليجيء الى أسحق أبيه الى أرض كنعان) تكوين 37/17.
(وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه، في أرض كنعان) تكوين 37/1..
عندما ماتت ساره، قال ابراهيم لبني حث (أنا غريب ونزيل عندكم أعطوني ملك قبر لأدفن ميّتي، فقالوا له: في أفضل قبورنا تدفن ميتك، غير أن ابراهيم، طلب مغارة المكفيلة بثمن، فأجابه صاحبها، عفرون بن صوحر: الحقل وهبتك ايّاه، والمغارة التي فيه لك وهبتها) تكوين23/11.
أما عن رحلة العبرانيين من مصر أيام موسى (… وبكى الشعب تلك الليلة. وتذمر على موسى وعلى هارون، جميع بني اسرائيل. وقالوا ليتنا متنا في أرض مصر… ولماذا أتى بنا الرب الى هذه الأرض لنسقط بالسيف.. أليس خيرا لنا أن نرجع الى مصر) عدد 14/1.
وفي وصية ابراهيم لعبده (لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن في أرضهم. بل الى أرضي والى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني اسحق) تكوين 24/1. فأرض ابراهيم وعشيرته كانت في أور، في بلاد ما بين النهرين. أما أرض فلسطين، فقد كانوا على أمل استملاكها بموجب وثيقة أو عهد من يهوه. خاطب يهوه ابراهيم (أعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان) تكوين17/8. ( وتغرب ابراهيم في أرض الفلسطينيين) تكوين 21/34.
ان ذكر فلسطين، تكرر في التوراة ، في مواقع كثيرة ، الى جانب اسم أرض كنعان! عاشت القبائل العبرية وسط الفلسطينيين، ولم تخلو لهم البلاد وحدهم، لكنهم عاشوا “غرباء”. .(فسكن بنو اسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين واليبوسيين) قضاة 13/5.. و(عبدوا البعليم والعشتاروت وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وبني عمون وآلهة الفلسطينيين) قضاة 10/6..
ما يدحض آلادعاء الاسرائيلي، بحقهم في أرض فلسطين، هو كثرة عروض الأمكنة التي طرحتها ألحركة الصهيونية، لاقامة دولتهم العتيدة، اذ كان الهدف هو تجميع اليهود في دولة واحدة. فهذا “اسرائيل زانغويل” يقول: “لا توجد بقعة من ألأرض لم تفكر فيها المنظمة اليهودية للأراضي.. بول فريدمان اقترح مدين عسير في السعودية.. البارون دي هرش اقترح الأرجنتين.. أما ماكس بودنهايمر فقد اقترح البقاع في لبنان.. واقترح هنري دي أفيغدور، حوران في سورية.. وديفيد هيرش اقترح قبرص… أما اسرائيل زانغويل نفسه فقد اقترح ليبيا.. ماكس توردو أراد الدولة في أستراليا.. سمو لنكن، اقترح المكسيك.. ومن الأمكنة المقترحة أيضا.. العريش، سيناء، أوغندا، موزامبيق، ألكنغو، العراق، أنغولا، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية..”
يؤشر هذا على أن أي مكان، من هذه الأمكنة، كان سيتم اختياره، لن يعجز الحركة الصهيونية، على فبركة تاريخ يربطها به. وارتكاب المجازر لأرغام السكان الأصليين على المغادرة، أي اعتماد التطهير العرقي، وهذا مجلس اللوردات ألانكليزي، أصدر عام 1944، وثيقة جاء فيها “على العرب أن يرحلوا من فلسطين. اذ لهم أوطان سواها، والاّ تعرضوا لمنهج الابادة” هذا المجلس الذي وصف أمس شعبه بالكلاب، وبالمفاضلة فان الكلاب أفضل كونها مخلصة!!
بقي أن نشير الى الفرق في استعمال الدين لدى الحركات الاسلامية والحركات اليهودية.. الحركة الصهيونية، حركة علمانية خالصة، لكنها اتخذت الدين مطية، لهدف سياسي، بينما كانت تسعى ونجحت في اقامة دولة مدنية حديثة، بمعنى أن الأمور لم تفلت من يدها.. وقد استملت الدين عن وعي وادراك للطريق الذي تسير فيه…. وعلى النقيض، كان دور الحركات الاسلامية.. فاذا كانت تحذو حذو الحركة الصهيونية، فقد فشلت، بسبب انفلات زمام الأمور من يدها وقادت المجتمع الفلسطيني، ليس كله، الى حالة من التخلف، والتكفير، ومحاربة حتى الموسيقى والفنون وكل ما هو جميل في الحياة.. أما اذا كان الهدف هو اقامة امارة اسلامية، تكون نواة للحلم الذي يداعب مخيلة حركة الاخوان المسلمين، وهو اعادة الخلافة الاسلامية، فعليها، اذن أن لاتتاجر بالقضية الفلسطينية، ودماء الفلسطينيين..
albakir8@hotmail.com
حنان بكير روائية فلسطينية من لبنان تقيم في أوسلو
صراع الآلهة على الأرض
Taher — tmarzok@yahoo.com
كل الشكر على للكاتبة الكبيرة على مقالها الصادق والمنطقى والجرئ وسط صرخات أغلبية المسلمين بأسلمة القضية الفلسطينية حتى خسروها بل ومنذ بداية حروبهم مع إسرائيل وحتى الآن كم من القتلى من الشعب الفلسطينى الذى كان ضحية الدكتاتوريين العرب المتاجرين بشعب فلسطين وآخرهم أحمد نجاد . لكن يؤسفنى أن الكاتبة الكبيرة لم تستدم كلمة الغزو بدلاً من كلمة الفتح الإسلامى ، لأن كل دارس وباحث حريص على الحقيقة لا بد ان يذكر التزوير الذى قام به كتبة التاريخ من المسلمين. وأتمنى أن تتفق معى الأستاذة حنان بكير فى هذه النقطة مع خالص الشكر
صراع الآلهة على الأرض
الصحفي محمد شما من عمان الأردن — shamma@ammannet.net
كل الشكر لموقع شفاف على نشر مقالات جريئة موضوعية, أنا اتفق مع الروائية الفلسطينية بكير فالقضية تحولت إلى شأن ديني بفضل اخوتنا حماس وهذا بالحقيقة ما تريده إسرائيل.
كنت أفكر مرات أن ثمة اختلافات بين المتناقضات (حماس، وإسرائيل) لكن ثمة تشابهات فيما بينهما من حيث العند والاستمرار الأخطاء..(طبعا دون مقارنة دقيقة بين الحركة والدولة).
شكرا