وسط هذا الحر القاتل والضجر الضارب أطنابه، لم يكن ينقصنا غير أفلام العقيد القذافي، الذي تمكن أخيرا أن يخرج من الظل بفضل فضيحة الممرضات، التي أضافت من دون شك إلى انتصارات العرب انتصارا جديدا. كنت قد قررت ان امضي إجازة صامتة، لا أكتب فيها طيلة شهر آب/ أغسطس حتى لنفسي، ولكن عليّ أن اعترف بأن تداعيات قضية الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني استفزتني، وأرغمتني على كسر الاضراب عن الصمت، لا سيما وانها توفر فرصة للنكاية بأحد آخر أبطال زماننا.
اعتقدت من موقع المراقب في باريس أن الفقاعة سوف تنتهي عند تمثيلية الافراج عن المجموعة، التي تحولت إلى مباراة مزايدة في المشاعر الانسانية من باريس إلى الدوحة وطرابلس الغرب. وبلعت مثل غيري سيل التنكيت على العرب في وسائل الاعلام، ومنتديات الرأي العام في فرنسا. وكانت أكثر النكات سماجة تلك التي تقول ان العقيد القذافي احتجز الرهائن، وامير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني فك أسرهم بالمال. عربي يخطف، وعربي آخر يدفع، والدور الانساني للغرب. نحن العرب أوباش لا نستطيع سوى الخطف ودفع الفدية. في هذه الحالة لا يسع المرء سوى الصمت والاكتفاء بالجانب الايجابي من العملية، وهو اطلاق سراح تلك المجموعة من النساء الفقيرات اللاتي قصدن ليبيا من أجل تحصيل لقمة العيش، وليس بغرض نشر مرض “الأيدز” الذي يعرف العالم سبب انتشاره الفعلي في ليبيا. وقد شرح ذلك اخصائيون بموضوعية ومن دون لبس. وفوق ذلك، نحن كعرب مدينون بدين ثقيل الى بلغاريا مثلما هو الأمر بالنسبة إلى روسيا، وبلدان اوروبا الشرقية. لقد قام الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية ببناء العديد من الدول العربية، في فترة الحرب الباردة، من مصر وسوريا والعراق واليمن وحتى الجماهيرية، التي كان في وسعها أن تصبح عظمى، لو أن قائدها الملهم العقيد كف يده عنها، واكتفى بممارسة شعوذاته في خيمته.
لم ينته الأمر عند همروجة تعويض أهالي الضحايا ماليا من طرف امير قطر، وتحرير الممرضات والطبيب، بل ذهب ابعد بسبب اصرار القذافي ونجله وخليفته الفذ سيف الاسلام على استثمار المسألة على النحو الذي يجعل من فضيحة بلدهم على كل شفة ولسان. وإذا كان المرء قد يأس منذ الحرب الباردة من امكانية عودة العقيد الى رشده، فإنه يستغرب أن يكون الأبن وفيا الى هذا القدر لأسلوب الأب في العدمية السياسية والاساءة الى النفس، واحتقار الليبيين والعرب. واود هنا التوقف عند ثلاث نقاط أساسية: الأولى هي، تضارب المواقف الليبية من قضية الممرضات. فهناك من يصر على تجريمهن، وعبر عن صدمته من قرار صوفيا اطلاق سراحهن، وطلب من الجامعة العربية ان تقطع علاقاتها مع هذا البلد، في حين ان نجل القذافي وابن عمه قذاف الدم اعتبرا ان القضية مفبركة وان الممرضات بريئات. .إن ذلك ليس ضربا من العبث الليبي فقط، بل هو ضحك على ذقون الناس واستخفاف بالراي العام في الداخل والخارج. وهنا أحسن الاتحاد الأوروبي صنعا في تأييد مسعى الممرضات لرفع دعوى ضد الحكم الليبي، وفي نفس الوقت يجب ان تلقى خطوة الطبيب الفلسطيني كل التشجيع والدعم والمساندة لرفع دعوى امام محكمة العدل الدولية ضد القذافي. والنقطة الثانية هي توقيع ليبيا مذكرة تفاهم مع فرنسا لبناء مفاعل نووي من أجل تحلية المياه. .إن الأمر يستدعي السؤال عن مآل مشروع “النهر العظيم”، الذي صرف عليه القذافي مليارات الدولارات، ولم يعد يتحدث عنه أحد، في حين انه كان يعد بإحداث ثورة في المنطقة، وهذا دليل آخر على مغامرات العقيد وتجاربه السوريالية الفاشلة.
أما النقطة الثالثة التي تثير الاستغراب والسخرية فهي طلب العقيد من فرنسا توقيع اتفاق دفاعي تتعهد بموجبه بالدفاع عن ليبيا في حال تعرضت للخطر. وهنا يطرح اكثر من سؤال: من هو الذي يهدد ليبيا اليوم لكي تطلب حماية فرنسا. ثم لماذا فرنسا بالذات، وهنالك تاريخ من المواجهات بين البلدين في التشاد؟ لا أحد يفهم، ولن يكون بمقدور أحد إيجاد إجابة وافية ومنطقية. فالعقيد هو العقيد لن يتغير. قاتل الفرنسيين عدة سنوات في التشاد من اجل اقليم اوزو، وحين خسر المعركة العسكرية والسياسية تقبل النتائج. لكن الغريب في الأمر اليوم هو ان يعود ليطلب الحماية من خصم وعدو الأمس!
لقد انهت قضية الممرضات الحصار الاعلامي الذي كان مضروبا على العقيد، ومن الآن فصاعدا سوف تعود الفرجة في رونق جديد، وما على الجمهور سوى ان يختزن دموعه، ولا فارق هنا بين الضحك والبكاء.
bpacha@gmail.com
* كاتب سوري – باريس
صاحب الفخامة العقيد القذافي
اكاذيب وتلفيقات جنون العقيد القذافي، الجهالة
صاحب الفخامة العقيد القذافيالأستاذ بشيرالبكر المحترم هذا المقال رائع وفيه رؤيه سياسيه واضحه ومبنيه على مواقف هذا المهرج الذي أهدر المليارات من أموال شعبه على مؤامرات وحروب لم يجن منها سوى مزيد من التخلف له ولجيرانه الفقراء مثل التشاد والنيجر والسودان . الجدير بالذكر في قصة الطبيب والممرضات البلغار ،هو ماأنفقته الحكومه الليبيه للتعميه على القضيه ،فالغريب في الأعلام الرسمي وغير الرسمي العربي ، كان عدم ذكر وجهة نظر الدفاع ، وكيف أنتشر مرض الآيدز وأنه كان منتشرا قبل وصول الممرضات البلغاريات ، إن الخطيرفي الموضوع هو أن قصة أنتشاره في ليبيا هي نفس القصه المتكرره في معطم الدول العربيه… قراءة المزيد ..
صاحب الفخامة العقيد القذافي الأستاذ الفاضل بشير البكر، تحية طيبة وبعد.. اطلعت على مقالك بعنوان “صاحب الفخامة العقيد القذافي” والذي تناول التطورات الأخيرة بخصوص قضية أطفال بنغازي المصابين بفيروس الأيدز والسفقات الرذيلة التي توالت بين نظام القذافي والمجتمع الدولي والمراهنة بأرواح هؤلاء الأبرياء من أجل تحقيق مصالح الهدف منها إمداد حياة نظام القذافي وأولاده… فقد أعجبني المقال كثيراً وأسلوب تناولك للقضية المذكورة والتساؤلات العديدة التي طرحتها، فأرجوا أن لا يكون مانع لديك من إعادة نشر المقال عبر موقع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وبالطبع سوف نشير إلى المصدر الأصلي للمقال عبر موقع Middle East Transparent وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير محمد علي… قراءة المزيد ..
صاحب الفخامة العقيد القذافي
فليخسأ العرب جميعا