خلال الأشهر الثلاثة الماضية زادت أسعار النفط العالمية بصورة ثابتة مما أدى إلى قيام توقعات بأنه سيتم في المستقبل القريب تخطي مستوى سعر البرميل عن 100 دولار. وعلى الرغم من أن الزيادات تعكس جزئياً تعافي الطلب في الاقتصاد العالمي إلا أن “وكالة الطاقة الدولية” التي مقرها في باريس قد حذرت هذا الأسبوع من أن الأسعار تدخل “منطقة خطرة” تهدد التعافي الاقتصادي. وفي الماضي كانت السعودية — أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم — تحرص على تجنب مثل هذا الانتقاد باستخدام قوتها السوقية للتأثير على الأسعار. ولكن بسبب سوء الحالة الصحية للكثير من زعمائها أصبحت قدرة السعودية على الاستمرار في الاضطلاع بهذا الدور بشكل فعال محل تدقيق.
مشاكل صحية في صفوف القيادة
منذ أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يتواجد عاهل السعودية الملك عبد الله في الولايات المتحدة لأسباب طبية. والملك السعودي الذي سيبلغ هذا العام الثامنة والثمانين من عمره هو أيضاً رئيس الوزراء وصانع القرار الرئيسي في بلاده. وقد أجرى عمليتين في الظهر، ورغم أنه الآن يتماثل للشفاء في فندق “نيويورك بلازا” إلا إنه من غير المتوقع أن يعود إلى المملكة قبل مرور عدة أسابيع. كما أنه لم يظهر علناً منذ مغادرته المستشفى في 22 كانون الأول/ديسمبر المنصرم وكذلك يسير بصعوبة. وعندما زار نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن المستشفى قبل أسبوع أفادت الأخبار أنه التقى بأسرة الملك، وليس بالملك نفسه، رغم أن الرئيس أوباما قد تحدث بالهاتف مع العاهل السعودي في 26 كانون الأول/ديسمبر. (ومن المقرر أن تقابله وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في نيويورك في 7 كانون الثاني/يناير قبل أن تنطلق في جولة إلى الخليج.) [وبالفعل، عقد الملك اجتماعاً مع السيدة كلينتون في مقر إقامته في نيويورك ناقشا خلاله التطورات الإقليمية والدولية]. وعندما يغادر الملك عبد الله الولايات المتحدة من المرجح أن يبدأ أولاً بقضاء فترة استجمام في قصره بالمغرب.
وفي ظل غياب الملك، ترأس الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء السعودي نائب رئيس الوزراء وولي العهد الأمير سلطان الذي أصبحت صحته الذهنية والبدنية موضع سؤال بصورة متزايدة. ويُعتقد أن سلطان الذي سيبلغ من العمر السابعة والثمانين هذا العام يعاني من نوع من العته، وربما مرض فقد الذاكرة (“الزهايمر”). ويعزز هذا التخمين برقية أُرسلت من قبل السفارة الأمريكية في الرياض في آذار/مارس 2009 نشرها مؤخراً موقع “ويكيليكس” ذكرت باقتضاب أن سلطان كان “عاجزاً من كافة النواحي.”
وتشير التقديرات الحالية إلى أن السلطة الفعلية في المملكة العربية السعودية هي في أيدي النائب الثاني لرئيس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف، رغم حرصه في اجتماعات مجلس الوزراء وأثناء ظهوره العلني على ألا يبدو وكأنه يغتصب سلطة أخيه سلطان الأكبر منه سناً. وقد مثل نايف أيضاً المملكة في اجتماعات وزراء الداخلية العرب في مصر، وفي القمة السنوية لـ “مجلس التعاون الخليجي” التي انعقدت في كانون الأول/ديسمبر في أبو ظبي. ورغم بلوغه السابعة والسبعين إلا أنه أصغر سناً بكثير من الملك وولي العهد، ويُقال إن نايف نفسه يعاني من مشاكل صحية غير محددة. وقد لاحظ الصحفيون أثناء مؤتمر صحفي عُقد في مكة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بأنه يعتمد على معاونين لمساعدته في الرد على الأسئلة.
ويبدو أن أعضاء أسرة آل سعود يتظاهرون بتمثيلية كونهم في حالة طبيعية، لكن ثمة صوتاً منشقاً واحداً هو صوت الأمير طلال الذي هو– مثل الملك عبد الله والأميران سلطان ونايف — ابن الملك الراحل عبد العزيز (ابن سعود). وهو الابن الوحيد الذي عبر عن شكوكه علناً على تعيين نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء في عام 2009، لأن هذا التعيين قد ألمح بأنه هو المرجح لأن يصبح ولي العهد القادم. وفي خبر على موقعه الإلكتروني الشخصي عبَّر الأمير طلال عن استغرابه من ترأُس ولي العهد الأمير سلطان لاجتماعات مجلس الوزراء مشيراً إلى إن “الشفافية…في ….السعودية تختلف عن تلك التي في الولايات المتحدة.” وأضاف الأمير طلال أنه تطلع إلى عودة الملك عبد الله إلى المملكة محذراً أنه لو تأخر فإن “بعض القضايا الجوهرية العالقة… ستصبح أكثر تعقيداً، وربما يكون من المستحيل حلها.”
مطلوب اتخاذ قرار حول مستقبل وزير النفط
من المفترض أن يوافق الملك وغيره من كبار الأمراء على القرارات الكبرى للسياسة النفطية لكن عمليات التشغيل اليومية لوزارة النفط السعودية تقع على مسؤولية رئيسها الإداري علي النعيمي الذي يبلغ من العمر خمسة وسبعين عاماً، والذي تنتهي فترة ولايته الحالية كوزير النفط خلال شهرين. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، طلبت الحكومة من النعيمي ترشيح من يمكن أن يخلفه. وقد علَّقت نشرة الطاقة المتخصصة والبارزة “ميدل إيست إكونوميك سيرفي” بأنه لا أحد من المرشحين الاثنين المذكورين سيكون قادراً على “أن يحل محل النعيمي بسهولة.” كما أفادت النشرة أنه عند عدم التيقن بشأن الخلافة السعودية سيستمر النعيمي في شغل منصب وزير النفط حتى لو كان تفضيله الشخصي هو التقاعد.
وخلال الخمسة عشر عاماً التي شغل خلالها منصب وزير النفط، اشتهر النعيمي بتعليقاته المقتضبة والتي عادة كانت تهدئ أسواق النفط. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ذكر أن نطاق السعر من 70 إلى 90 دولار للبرميل الواحد كان مقبولاً للمستهلكين. وفي اجتماع لاتحاد “منظمة الدول المصدرة للنفط” (“أوبك”) في الإكوادور في كانون الأول/ديسمبر، غيّر هذا النطاق إلى 70-80 دولار للبرميل الواحد. وعلى أثر الإحباط الذي شعرت به الدول المستهلكة للنفط، قرر وزراء دول “أوبك” إبقاء الإنتاج عند الحصص الحالية، ونُقل عن النعيمي قوله: “السوق متوازن ومستقر. الأسس في وضع جيد.” (وفي الماضي كان وزراء دول “أوبك” قد ألقوا اللوم على ارتفاع اسعار النفط على المضاربين في السوق.)
منطقة الخطر لأسعار النفط
عندما حذرت “وكالة الطاقة الدولية” — المراقب العالمي الرائد للطاقة — من “دخول أسعار النفط منطقة خطرة” كانت النية على ما يبدو هي الحث على إنتاج أعلى للنفط من قبل أعضاء دول “أوبك”. وقد ذكر كبير الاقتصاديين في “وكالة الطاقة الدولية” فاتح بيرول، أن فواتير واردات النفط أصبحت تهدد الانتعاش الاقتصادي: “هذا جرس إنذار للدول المستهلكة للنفط والأخرى المنتجة له.” وفي مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، رد بيرول على النطاق المفضل الذي حدده النعيمي وهو 70-80 دولار للبرميل الواحد بقوله: “ليس في مصلحة أحد رؤية مثل هذه الأسعار المرتفعة.” ومن غير المتوقع أن يجتمع وزراء “أوبك” مرة أخرى قبل حزيران/يونيو المقبل للنظر في أية زيادة في حصص الإنتاج، وهي الخطوة التي من المرجح أن تهدئ الأسعار.
تحديات للسياسة الأمريكية
إلى جانب النفط، تتطلع واشنطن إلى قبول دعم السعودية في عدد من سياسات الشرق الأوسط. وبشكل عام، اتفقت الدولتان وتعاونتا بشكل كبير رغم الاختلافات. بيد، يعتمد الكثير على العلاقات الشخصية التي من الصعب الحفاظ عليها وسط مشهد القيادة السعودية المهتز هذه الأيام. كما أن وهم استمرار “الوضع كالمعتاد” في بيت آل سعود وإدارة المملكة، قد أصبح بصورة متزايدة أمراً لا يمكن دعمه. ورغم أن الحكمة التقليدية تقول إن الأمراء الملكيين السعوديين سوف يعملون لضمان استمرار سلطتهم، وجعل أية خلافة سلسة، إلا أنه ليست ثمة أدلة تبين المسار الفعلي لهذه العملية. وفي الواقع، ربما يخفي هذا التردد الواضح ما عسى أن يكون حلقة أخرى من التوتر القائم منذ مدة طويلة داخل العائلة المالكة السعودية بين الأبناء العشرين الباقين على قيد الحياة لابن سعود والمقسمين بين من يسمون بالأشقاء السديريين، بمن فيهم سلطان ونايف، والآخرين، ومن بينهم الملك عبد الله والأمير طلال. غير أن البروز الحالي للأمير نايف يؤكد أن خطة الخلافة المؤقتة التي أُعلن عنها في عام 2006 والتي ستوافق من خلالها “هيئة البيعة” على اختيار ملوك المستقبل لن يتم تنفيذها.
هناك تحد خاص للولايات المتحدة وهو أن أسعار النفط المرتفعة تقوض السياسة إزاء إيران. فالغرض من العقوبات التي تستهدف الجمهورية الإسلامية هو أن تؤدي إلى عوائد نفطية منخفضة بصورة أكثر، على أمل إجبار طهران على إعادة النظر في طموحات برنامجها المشتبه به لاكتساب أسلحة نووية. غير أن الأرقام التي صدرت من قبل وزارة الطاقة الأمريكية في الشهر الماضي قد أظهرت تقوض السياسة بشكل مُربك باتجاهات أسعار النفط. فقد وصلت عائدات إيران — في الفترة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر — 64 مليار دولار 2010، وهي زيادة فعلية قدرها 11 مليار دولار عن رقم عام 2009 بكامله. ومن المتوقع أن تزيد عوائد “أوبك” مرة ثانية في عام 2011 — وتُعتبر إيران التي هي عضوة في هذه المنظمة ثاني أكبر مُصدر للنفط في العالم بعد السعودية.
وثمة مشكلة أخرى هي أن إيران كانت قد اختيرت — من قبل أعضاء “أوبك” — لرئاسة كارتل النفط في عام 2011. وعلى الرغم من أن السعودية قد استخدمت تقليدياً قوتها السوقية للتأثير على سياسة “أوبك” — إن لم يكن إملائها — إلا أن عدم اليقين الحالي القائم حول القيادة يشير إلى عدم حصانة السعودية خاصة مع ترأس إيران للاجتماعات. وفي الماضي كان نُفور الولايات المتحدة من تحكم “أوبك” في الأسعار يتوازن غالباً بموقف السعودية المساعد في ضمان الإمداد السلس للنفط إلى الأسواق العالمية. غير أن هذا الموقف هو الآن محل شك نوعاً ما.
وحتى الآن فإن سياسة إدارة أوباما طويلة المدى حول الطاقة قد أكدت الحاجة إلى تطوير طاقة نظيفة واستقلال في مجال الطاقة واهتمام بالبيئة. غير أن كارثة تسرب النفط في خليج المكسيك عام 2010 قد عمقت أكثر من الكراهية نحو المزيد من استغلال احتياطيات النفط المحلية. لكن يبدو كما لو أن القيادة الأمريكية على المدى القصير ستحتاج إلى تشجيع “أوبك” على إنتاج المزيد من النفط لا سيما وأن السعودية — حليفها المحتمل في تنفيذ هذه السياسة — قد لا تكون قادرة على أن تفي بالمطلوب.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. وهو مؤلف: “بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية”.
النص بالإنكليزية: