آن لصاحب السبعين أن يخرج إلى النور
فايز سارة
تمر هذه الايام الذكرى السابعة لاعتقال احد كبار المثقفين السوريين، عالم الاقتصاد عارف دليلة. وتترافق هذه المناسبة الحزينة مع اخبار اشد حزناً تتصل بصحة الدكتور دليلة.اذ ترددت اخبار عن تدهور حالته الصحية بشكل خطير، وتكرر وقوعه في حالة الغيبوبة بعد ان ادت حالة السجن الى اصابته بمجموعة امراض بينها مرض السكر وتصلب الشرايين وتجلط الاوردة وارتفاع ضغط الدم الشرياني، واضطراب دقات القلب. ومجموعة الامراض التي اصابت دليلة بعض حصيلة ظروف الاعتقال السيئة التي تم وضع الرجل فيها والمعاملة القاسية التي تعرض لها منذ اعتقاله في أيلول عام 2001. فقد تعرض الرجل للاهانة والضرب في خلال فترة التحقيق معه، وتكرست تلك المعاملة الشديدة القسوة في الاتهامات التي وجهت له، حيث اتهم بـ”إثارة النعرات الطائفية، والدعوة إلى عصيان مسلح، ومنع السلطات من ممارسة مهامها، ونشر معلومات كاذبة، والسعي إلى تغيير الدستور بطرق غير قانونية”. وقد اكد محامون أن التهم السابقة، تفتقد “الأركان القانونية والمادية والمعنوية” معاً، بمعنى انها اتهامات لا اساس لها من الصحة، وبصورة عملية لم يتصل سلوك وفكر وعلاقات عارف دليلة باي منها، بل ان الشائع والمعروف عن سلوك وعلاقات وافكار دليلة، نقيض الاتهامات التي سعى اصحابها من خلاله اطلاقها لاساءة مقصودة لشخصيته وتجربته.
لقد فضح دليلة جانباً من جوانب سوء المعاملة التي تعرض لها اثناء اعتقاله امام المحكمة.اذ عرض امام هيئة المحكمة والحاضرين محارم ورقية ملوثة بالدم الذي نزفه بعد تعرضه للضرب من جانب احد كبار رجال الامن في واحدة من حملات الضغط عليه، وقد تضمنت في احد فصولها، عمليات تنصت وتسجيل لاقواله وحركاته داخل المعتقل، وهو امر يشكل خرقاً فاضحاً لحقوق الانسان وللمعتقلين السياسيين بشكل خاص.
وتكرست سياسة سوء المعاملة في احالته امام محكمة امن الدولة بخلاف آخرين من معتقلي “ربيع دمشق”، وهي محكمة استثنائية، لا تخضع لرقابة وزارة العدل، أو النيابة العامة، وقراراتها مبرمة لا تخضع للطعن أمام أي مرجع قضائي، كما أنها غير محايدة، اذ تضم في بنيتها عضوا قياديا من حزب البعث الحاكم (ممثلا عن السلطة الحاكمة، التي تشكل خصماً معلناً للمتهمين) ومستشارا عسكريا (ضابطا في الجيش) وقاضيا ينتدبه وزير العدل بموافقة القيادة القطرية، مما يفقد المحكمة حيادها ونزاهتها، ومشهود لمحكمة امن الدولة باحكامها القاسية بحق الذي يحاكمون امامها، وجاء المثال واضحاً وصريحاً من خلال حكمها في قضية الدكتور عارف. اذ كان الوحيد بين معتقلي “ربيع دمشق” الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات، فيما تراوحت احكام المعتقلين الآخرين ما بين عامين للمحامي حسن سعدون وثلاث سنوات للطبيب كمال اللبواني وخمس سنوات لكل من عضوي مجلس الشعب السابقين رياض سيف ومأمون الحمصي ومثلها لكل من المحامي حبيب عيسى والطبيب وليد البني.
لقد جرى تصعيد ممارسات القسوة ضد الدكتور دليلة بعد نقله الى سجن عدرا بقليل، اذ جرى عزله عن بقية المعتقلين، ووضع في زنزانة منفردة مازال يقيم فيها حتى الآن. ويعيد هذا السلوك الى الاذهان قسوة السياسات الامنية في عزل المعتقلين السياسيين ابان فترة الثمانينات السوداء، والتي كان ابرزها تجربة المحامي رياض الترك، فقد اعتقل في زنزانة منفردة لنحو ثمانية عشر عاماً متواصلة.
ومما عزز سياسة القسوة المتبعة ضد دليلة، ان عزله في زنزانة منفردة، صاحب تدهور اوضاعه الصحية اعتباراً من العام الثاني لاعتقاله، حيث اصيب بمرض السكر، واخذت تتوالى امراض القلب والشرايين، وجميعها امراض تحتاج الى مراقبة وعلاجات، لا يمكن ان توفرها ظروف الاعتقال الطبيعي، فكيف اذا كان اعتقالا في زنزانة انفرادية، وهو بين اسباب دعت الرجل الى رفض معالجات جراحية فرضها وضعه الصحي في العام الرابع من اعتقاله، معلناً انه لن يتلقى هكذا علاجات وهو قيد الاعتقال، مما جعل الخطر على حياته متصاعداَ وحقيقياً، كان من نتائجه تصعيد متكرر لحملات المطالبة باطلاق سراحه في المستويات المحلية والخارجية، وهو سياق سعى في سبيله نشطاء ومفكرون وجمعيات حقوقية وانسانية طوال الاعوام الماضية، لتأكيد، انه لابد من انهاء معاناة عارف دليلة، ووضع حد لاعتقاله واعادته الى اسرته واصدقائه والى المجتمع الذي حمل عارف دليله همومه ودافع عن قضاياه بكل ما استطاع من علم ومعرفة ودأب، لقد آن لصاحب السبعين عاماً ان يخرج الى النور من ظلمات السجن!.
رياض سيف (عضو مجلس شعب سابق، ومعارض راهن)
عارف كما عرفته
عندما أفكر في عارف لا يمكنني إلا أن أتذكر تجربته الفريدة في انتخابات مجلس الشعب بنهاية عام 1998 حيث أعلمني عن عزمه الاستفادة من تلك المناسبة لمخاطبة شرائح أوسع من المجتمع السوري عبر إصدار بيان انتخابي يعبر عن برنامجه السياسي والاقتصادي.
كانت خطة عارف خوض الحملة ثم الانسحاب في اليوم الأخير، إلا أن ما لمسه من تفاعل ومؤازرة من أهالي دمشق جعله أكثر إصرارا ورغبة في التحدي والاستمرار في هذه التجربة للنهاية. وكان فوزه شبه مؤكد مما جعل السلطات المشرفة على الانتخابات تتدخل في عملية فرز الأصوات للحيلولة دون وصوله إلى مجلس الشعب. وبالفعل نجحت مساعيها ولم يتبق له في نهاية الفرز إلا 34 ألف صوت.
في مناسبة أخرى جرت محاولة لاحتواء عارف فقُدِّم إليه عرض سخي بتعيينه مديراً عاماً لأي مؤسسة يختارها من مؤسسات القطاع العام الاقتصادية، وبعد أن شكر مقدم العرض طلب عوضاً عن ذلك إعادته إلى طلابه في كلية الاقتصاد والتي لم يكن يتجاوز راتبه الشهري فيها بتلك الفترة، 12 ألف ليرة سورية (250 دولارا أميركيا)، بينما كان بإمكانه جمع ثروات طائلة لو قبل العرض الأول. وبدل ان يعود إلى طلابه ذهب إلى السجن ليقضي عشر سنين في ظروف غير إنسانية.
اعتقاله خرق للمحظورات القانونية والأخلاقية
طيب تيزيني (مفكر)
أرى ان ملف اعتقال أهل الرأي في سوريا ربما يكون الآن جنباً الى جنب مع اهم الملفات الاخرى التي تستدعي ان تفتح على مصراعيها، وان بحكمة ورؤية متبصرة. فهذا الامر في موضوع أهل الرأي لا يصح ان يلصق بسوريا بوصفه حالة من حالات وضعها الداخلي، خصوصاً وانها تعيش حالة من الحصار، وبدقة أكثر، ان ملف اعتقال اهل الرأي يمثل حالتين، اولاهما اعتبار الامر يمثل خرقاً للدستور والقوانين الناظمة، والثانية انه امر لا يصح اخلاقياً ان يعامل اصحاب الرأي على هذا النحو.
واذا حدود الامر مشخصة تتمثل بحالة العالم والمفكر الاقتصادي الدكتور عارف دليلة، فان مجرد التفكير باعتقال هذا الرجل لطرحه افكاراً تتعلق بالوضع الاقتصادي يعتبر من المحظورات القانونية والاخلاقية، فكيف بالحكم عليه بالسجن لعشر سنوات قضى منها ستاً في زنزانة منفردة، كاد يُقضى عليه في هذا السجن غير المتبصر وغير العادل، ولا يصح الصمت المطبق على اعتقاله وحبسه، وهو العالِم المفكر الذي تحتاجه سوريا في مثل هذه المرحلة.
والحديث يستجر رواية ما حدث منذ بضعة اسابيع، حيث أُعلمت من قبل وزارة الثقافة بواسطة معاون الوزير الدكتور علي القيم انه سيتم تكريمي في هذا العام، ويتبعه ما يتبع من ميزات مادية وثقافية وغيرها. ولا انكر اني عندما سمعت ذلك شعرت بأسى عميق. كيف يكرموني وزملاء لي في مقدمتهم الدكتور عارف يقبعون في السجن لانهم مارسوا دورهم الثقافي والفكري. وقد اعتذرت عن ذلك وابلغت الدكتور القيم ان يقبل اقتراحاً مني مقابل قبولي التكريم، وهو ان يطوى ملف اعتقال أهل الرأي. وفي ظني ان هذا الاقتراح مناسباً للمرحلة مع الولاية الرئاسية الثانية، ويمكن اطلاق الاقتراح بصيغة قانونية تحرّم اعتقال أحد من أهل الرأي مهما كان رأيه مخالفاً، لان الخلاف لا يسوغ اعتقالاً او مساً بحرية التعبير.
رجل يعيش للآخرين
عبد الرزاق عيد (مفكر)
تحدثت في مقال “وداعًا عارف دليلة أو الى اللقاء بعد صدور الحكم بإعدامك” (النهار 7/8/2002) عن علاقتي بعارف التي تعود الى سنة 1970 كأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، وبوصفه واحداً من الأبدال المئة، ضنائن الله المتصوفة السالكين الى الله الذي يحفظ ـ من أجل كراماتهم وبركاتهم ـ توازن الكون. إذ كان عارف أحد “مجاذيب الهم الوطني” بامتياز، وكأن هذا الرجل لا يعيش إلا للآخر دون أن تكون له حياة شخصية تذكر، ولذلك فقد عجزوا عن هيكلته في إطار حظيرة طغم فسادهم، بعد أن أوكلوا له عمادة كلية الاقتصاد في دمشق، فقَبِل أن يكون عميداً لكن دون أن يكون عميلاً. أرادوه فئوياً حزبوياً أمنياً، فكان وطنياً، كلياً، شاملاً، اشعاعياً منتشراً كالضوء فوق المطامع والدناءة والرياء والنفاق والطوائف والمذاهب والملل والنحل، وعلى هذا فقد غدا وجوده فاضحاً لوجودهم فكان لابد من سجنه!
وليس لنا في المآل إلا أن نزف لعارف ما زفه المتفائل الأعظم، لأنه المعارض الصامد الأعظم، رياض الترك، أن عارفاً وزملاءه في السجن: فائق المير، والدكتور كمال اللبواني والمحامي أنور البني والأستاذ ميشيل كيلو ومحمود عيسى وحبيب صالح وأخيرا فراس سعد الموهبة المغدورة، والمعتقلون الشباب عمر العبد الله وزملاؤه، ومعهم آلاف المعتقلين الأفاضل الذين هم الأشرف وهم الأطهر من أبناء سوريا، أنهم جميعاً سيكونون أحراراً طلقاء قبل نهاية أحكام سجانيهم ورغم أنوفهم، لأن أعمار الطغاة قصار…
المنتصر للحق والكاره للكذب
كمال لبواني (طبيب وسجين رأي)
في التسعينات، وفي محاضرة في جمعية العلوم الاقتصادية حول “قانون الاستثمار في سوريا” تداخل الدكتور عارف دليلة قائلاً: “إن قانون الاستثمار رقم عشرة مصمم خصيصاً ليستفيد منه عشرة أشخاص مبشرين بالجنة”، وأشار بيده للصف الأمامي من الحضور حيث كان فيه من كان. وصفق الحضور طويلاً. في تلك الأيام كان الدكتور عارف دليلة هو الصوت الوحيد المنتقد، في العلن ومن الداخل، للسياسات الاقتصادية القائمة وللفساد المستشري.
وفي فرع التحقيق التابع لشعبة الأمن السياسي الذي اعتقلنا على دفعات (أيلول 2001) سمعت من شق الباب صوت الدكتور عارف يرفض طعام الإفطار لأن الزنزانة مغلقة تماماً، معتمة ومتعفّنة.
في سجن عدرا في الغرفة رقم 4 من الجناح الثاني، المخصص للسياسيين، حيث كنت شريكاً لعارف، اكتشفت أنه يملك عيون فنان وأنامله. فعارف ليس فقط إنساناً رقيق المشاعر وفناناً بل هو صوفي أيضا.. شخصية عارف ليست شخصية السياسي، إنها شخصية المثقف (رجل العلم والمعرفة والحقيقة) لا يبحث إلا عن الحقيقة والحق بأعلى صورها وأنقى أشكالها، شخصية واضحة محبة متسامحة صافية، ليس عندها أسرار ولا مناطق مظللة، لكنها قوية في نصرة الحق وفي كراهية الكذب.
* مقاطع من مقالة د. كمال اللبواني “السجين 405/ د. عارف
دليلة سابقاً”، كتبها بعد خروجه من المعتقل عام 2004، بعد أن قضى ثلاث سنوات في سجن عدرا قضاها في زنزانة انفرادية. وهو ينفذ الآن حكماً جديداً بالسجن اثنا عشر عاما صدر بحقه من محكمة الجنايات بدمشق.
الجريء الواضح
رضوان زيادة (كاتب وناشط حقوقي)
كنت قد سمعت اسم عارف دليلة للمرة الأولى خلال انتخابات مجلس الشعب عام 1999، فقد ظهر خلال هذه الانتخابات البرلمانية تنافسٌ على مقاعد المستقلين الذين يبلغ عددهم 83 مقعداً من أصل 250 مقعداً هي عدد مقاعد مجلس الشعب السوري، وبرزت فيها شعارات جديدة تركز على مكافحة الفساد وتحديث الإدارة والإسراع بالبدء في عملية الإصلاح والتغيير ووقف هدر الأموال العامة، كان الأبرز في طرحها النائب رياض سيف عن مدينة دمشق والذي تمكن من الفوز مجدداً بولاية جديدة في حين أخفق حينها عميد كلية الاقتصاد السابق عارف دليلة من الوصول الى البرلمان رغم حصوله على عدد غير متوقع من الأصوات.
لقد سمعت عن بيانه ـ الناري ـ ذي العشر نقاط والذي حمل عنوان “الإصلاح التشريعي والاقتصادي والإداري المهمة الملحة لمجلس الشعب، ومبرر وجوده” ومنع خلالها من توزيعه أو تعميمه.
لقد قرأت وقتها البيان ووجدت درجة غير مسبوقة من الجرأة والوضوح في طرح المطالب وتحديدها، بعدها صرت أتتبع وجوده كي اسمع المزيد منه. كان مداوماً على محاضرات جمعية العلوم الاقتصادية السورية ويقدم مداخلاته الجريئة فيها، ويحظى بتصفيقٍ منقطع النظير من قبل الجمهور.
ومرةً مُنِع من إلقاء محاضرته عن الفقر والبطالة، لكنه طبعها وقام بتوزيعها. لقد كان طاقةً جبارة في الإخلاص لمبدئه الذي يعمل من أجله، وهو ما يفسر الحكم عليه عشر سنوات بتهم محاولة تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة، وتعطيل مؤسسات الدولة عن القيام بدورها، وإشاعة أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة في زمن الحرب.
الحالم والواقعي
نبيل المالح (مخرج سينمائي)
الجانب الاهم الذي يترك اثراً في علاقتي بعارف دليلة هو حقيقية الرجل، اعني كونه رجلاً حقيقياً، رجلاً من قلب فكرة الرجولة وجوهرها الانساني. معرفتي المباشرة بعارف كانت قصيرة للغاية بدأت في تجربة لجان إحياء المجتمع المدني التي كنا في اطارها قبل اعتقاله. وفي تلك المعرفة السريعة والمكثفة عرفته في توازنه غير القابل للاشتراط والتنازل مرفقاً بفهم عميق للمحيط ومعطياته.
عارف دليلة واحد من الذين يشرفني اني تعرفت عليهم في حياتي، وهو واحد من العقول النيرة التي يسعدنا ويشرفنا في سوريا مثله. كان عارف كما عرفته صاحب حلم، بل صاحب مشروع واقعي، دقيق وانساني.
(المستقبل)
شهادات في عارف دليلة: العالم المناضل يدخل عاماً سابعاً في الاعتقال! رداً على دور نظام دمشق المخابراتي في الاغتيالات وتفجير الأوضاع في لبنان وفلسطين والعراق ضوء أخضر عربي للبدء في تفجير الأوضاع داخل سورية لندن – كتب حميد غريافي: بعد سلسلة طويلة من الاتصالات واللقاءات جرت خلال الاشهر الاربعة الماضية بين قياديين من الصف الثاني في بعض احزاب الرابع عشر من اذار وممثلين غير مدنيين عن بعض اطياف المعارضة السورية في اوروبا من جهة وبين اوساط امنية رفيعة المستوى في ثلاث دول عربية, بات الطريق مفتوحاً على ما يبدو ل¯ »الانتقال الى المرحلة العملية داخل سورية« التي تحدث عنها نائب… قراءة المزيد ..