لا تبدو ظاهرة الشبيحة مقتصرة على تلك الدول التي شهدت او تشهد ثورات على أنظمة القهر، بل تجد هذه الظاهرة لها حضورا في الحيّز اللبناني. هذا الحضور يبدو واضحا في العديد من الاحياء والقرى اللبنانية.
ظاهرة الشبّيحة ليست حديثة بالضرورة، لكنّها مع ادعاء مؤسسات الدولة الامساك بزمام الامن، وحماية المجتمع، تخرج نافرة في العديد من مظاهر الخروج على القانون العام، سواء في في التعديات على الاملاك العامة او الخاصة، او القيام باعتداءات تطال بعض المواطنين لاسباب شخصية او سياسية. ويتحقق لها ذلك من خلال الاستقواء او الانتماء الى اطر سياسية واجتماعية تشكل لها الحماية حيال اي ملاحقة قانونية، والاستقواء من خلال هذه الأطر، في بعض الاحيان، بالسلطات الرسمية المسخّرة لهذا الفريق اوذاك.
في هذا السياق يمكن القول إنّ الخصوصية الامنية والعسكرية في بعض المناطق الخارجة على سطلة الدولة امنيا ساهمت في نمو هذه الظاهرة قياسا الى مناطق لا تنالها هذه الخصوصية. ويمكن ملاحظة ذلك للعيان عبر حجم المخالفات القانونية التي تتم، وعلى مستويات عدة، وعبر شلل من الشبيحة غالبا ما يحظون بحماية مباشرة، او غير مباشرة، ممن يجدون في هذه المناطق الخاصة ملاذا اكثر امنا يتيح لهم الاستقواء والتعدي من دون ان يتهيّبوا نيل العقاب الذي يرقد بعيدا.
كذلك لا يخفى ان هذه الشلل من الشبيحة هي مجموعات جاهزة وغب الطلب لتنفيذ مهمات تطلبها بعض القوى السياسية، في مناسبات لا تريد هذه القوى ان تتصدى لها بشكل مباشر، ويمكن ادراجها، على ما يصف البعض، ضمن ظاهرة “الأهالي” في الجنوب وبعض الضاحية مثلا، كعنوان للتنصل من بعض الارتكابات التي تقيد في هذه الحال ضد مجهول.
هذه الظاهرة موجودة وتتنامى في مساحات تغيب عنها الدولة او تتراخى قبضتها لاسباب مختلفة، وفي المناطق الحدودية الجنوبية تبرز تعبيراتها اخيرا في اكثر من بلدة.
فبعد محاولة “حزب الله” منع بيع الخمور في بلدة حولا (قضاء مرجعيون)، وبعد الحملة الأمنية التي جرّدها الحزب لتأديب شبان تلاسنوا مع عناصر تابعين له في بلدتي العديسة وربثلاثين (قضاء مرجعيون)، تشهد بلدة محيبيب (قضاء مرجعيون أيضا وأيضا)، مشهدا مماثلا يختلف في الشكل لكنه واحد في المضمون.
إذ تبدو هذه البلدة – الصغيرة بتعداد سكان لا يتجاوز ألفا ومئتي نسمة، يقيم منهم في البلد ما لا يزيد عن 250 نسمة – عرضة لعملية سلب أراضي المشاع بعد سنوات من بدء هذه الظاهرة. وهي “أكلت” الأخضر واليابس من الأراضي “المشتركة” في الجنوب إلى أن باتت القرى “مقفلة” لا تجد فيها دونما واحدا أحيانا لبناء مستوصف أو حديقة أو مكتبة، كما هو الحال في بلدة “ربثلاثين” مثلا.
وظاهرة “سرقة” المشاعات اكتسحت قرى الشريط الحدودي بشكل سافر، أدّى الى تملك المتنفذين من الحزبيين مساحات شاسعة من الاراضي في اكثر من بلدة، مستفيدين من غطاء سياسي ومن سطوة حزبية استخدمت في معظم الاحيان لمنافع خاصة.
وقد أشار موقع “جنوبية” الإلكتروني مؤخرا (janoubia.com) إلى تعدّي شبان في “حزب الله”، من بلدة ميس الجبل وبلدة محيبيب نفسها، على هاني جابر وابنه محمد، لأسباب عابرة لكنّ الثابت فيها أنّ الأخير ناشط إجتماعيا ويرفض محاولات إجباره على تغطية “التهام” عشرات الدونمات من المشاعات، ضمن اللجنة التي تتألّف منه ومن رابط الحزب في القرية ومن المختار المحسوب على الحزب.
الموقع أورد أيضا أنّ “الحزب منع جمعيات كثيرة، أهلية ومدنية، من العمل في القرية بعد حرب تموز 2000، كما منعت قوات الطوارىء الدولية من إقامة مشاريع في القرية أيضا بحجج واهية. والموضوع الأهم هو محاولة قطع المياه عن القرية ليقولوا للناس إنّهم هم من يعطونهم المياه، كما الأموال”.
ونقل الموقع عن وجهاء في القرية طلبوا عدم نشر أسمائهم خوفا من أعمال إنتقامية، أنّ “مجموعة شبان مراهقين من خارج القرية، من ميس الجبل وغيرها، يعيشون في أكثر من مركز حزبي بالبلدة ويتحكمون بمفاصلها، وكلّ من يعترض على قراراتهم يأتون بشبان من قرى أخرى ليضربوهم”، ووصفهم الأهالي بـ”شبّيحة” في هذا المعنى، وبأنّهم “ينشرون جوّا من القلق، ويعيّشون القرية في جوّ من الرعب”.
وأحد الناشطين الإجتماعيين في البلدة كشف عن محاولة “حزب الله” لوضع يده على أكثر من 500 دونم من المشاعات، وتابع: “سيطروا على نحو 40 دونم من خلال مخيم كشفي، ويحاولون تشريع وضع اليد على عشرات الدونمات الأخرى لتوزيعها على مناصريهم ومحازبيهم بحجة أنّهم لا يملكون أراض لبناء مساكن عليها”.
زمن “الشبّييحة” بات أكثر وضوحا في لبنان، والجنوب شاهد في أربع قرى…
صدى البلد
إقرأ أيضاً:
قبل مشاعات “الزهراني” والضاحية: الدويلة وضعت يدها على “الشريط الحدودي”!
أراضي “مشاعات” الجنوب والبقاع أو ما خفي في انتخابات المخاتير في المناطق الشيعية