التوصيف الغربي للهجوم على مجلة “شارلي إبدو” يختلف كثيرا عن توصيف العالم العربي والمسلم. ففي الغرب يخضع التوصيف لعوامل مرتبطة بظروف التعريف الحديث لمفهوم الحرية وفي كيفية تعاطي الغربيين مع ذلك، فجاءت ردود أفعالهم على الحادث متسقة في غالبها على الرغم من وجود بعض الاختلاف في التفاصيل الجزئية. وذلك إن دل على شيء فيدل على اتساق منطلقاتهم السياسية والاجتماعية مع رؤاهم القيمية.
ومن الجدير الإشارة هنا إلى أن تلك الرؤى هي رؤى كونية وباتت جزءا أساسيا من تعريفنا للعالم الحديث الذي نعيش فيه. فمن دون الفهم الحديث للقِيَم لا يمكن أن نطلق على العالم تعريف الحديث. فالحداثة لا تتعلق فحسب بالتكنولوجيا الحديثة، بل تعبّر عن نفسها من خلال تطور المفاهيم الطبيعية والإنسانية المنتجة لتلك التكنولوجيا. لذلك، تعيش مجتمعاتنا العربية والمسلمة نقصا رئيسيا في موارد الحداثة، فهي في قطيعة معرفية مع كثير من تلك الرؤى والمفاهيم.
وبالنسبة لي، كفردٍ منتم إلى مجتمع عربي ومسلم وأصبح التعريف الحديث لمفهوم الحرية غريبا في مجتمعي بل ومطرودا في غالب الأحيان، يهمني قبل أي شيء آخر إيجاد مخرج لعلاقتي بهذا التعريف، أو بشكل أدق تعزيز علاقتي بالقيم الكونية وبالعيش في عالم حديث. فمن وجهة نظري وفي إطار سعيي للعيش بشكل طبيعي وسلس في هذا العالم، يجب أن أجد حلولا للنواقص التي تحيط بعلاقتي بالقيم الكونية الحديثة، وبالأخص بمفهوم الحرية، وبالذات بموضوع حرية التعبير وبكيفية استقبالي للآخر المختلف، وذلك قبل أن أدين العمل الإرهابي ضد مجلة شارلي إبدو.
أما الفرد الغربي، ولا أقصد الفرد الذي يعيش في الجغرافيا الغربية ويمتلك الجنسية الغربية بل أقصد ذلك الذي يتبنى الرؤى القيمية الغربية الحديثة، فهو يعيش واقعا مغايرا عما أعيشه أنا فيما يتعلق بفهمه لتعريف مفهوم الحرية ولتعريف حرية التعبير. فهو لا يتعامل مع الهجوم على المجلة من منطلق مدى ومحدودية حرية التعبير بل منطلق كيفية مواجهة الإرهاب، في حين أن منطلق مناقشة الحادث في المجتمعات العربية والمسلمة لا يزال يدور في فلك تعريف قيمة الحرية، وفي كيفية تشكيل رؤية واقعية حول ذلك، وفي خلق توازن بين ما يسميه العرب والمسلمون “الثوابت” الدينية وبين مدى نظرة العالم الحديث للحرية وكيفية التعامل معها والتعايش في ظلها. فلا يمكن أن ننظر – نحن العرب والمسلمون – إلى حادث الاعتداء على المجلة بنفس نظرة الغرب، ولا يمكن أن نقارن رؤيتنا مع رؤيتهم تجاه مسألة حرية التعبير في علاقتها بالحادث.
لقد تجاوز الغربيون التعريف القديم لمفاهيم قيمية عديدة، وباتوا يستظلون بالتعاريف الجديدة في مختلف شؤونهم، وأصبحوا يستمدون رؤيتهم إلى الحوادث، الإرهابية وغير الارهابية، انطلاقا من ذلك. فيما نحن – العرب والمسلمون – لا نزال منقسمين بين أغلبية متمسكة بالتعريف القديم لمعظم تلك القيم، أي متمسكة بقيم تتعلق بالحياة التاريخية القديمة، وبين أقلية لا تزال في إطار مناقشة تعريف تلك المفاهيم لوضعها في إطارها الحداثي. وقد أثبت الهجوم على شارلي إبدو، وحوادث كثيرة قبلها، أننا نعيش أزمة قبول الآخر بيننا في مجتمعاتنا قبل أن نعيشها مع غيرنا، نمارس الإقصاء العنيف والقانوني بكل أريحية ومن دون أي قلق، وهذا يعكس تأصّل إلغاء الأخر في ثقافتنا الاجتماعية. فنحن لم نعالج هذا الأمر في أوساطنا، ومن الطبيعي أن نفشل في التعاطي في ذلك مع الجانب الغربي.
لقد تم حبس الكثير من أصحاب الآراء الثقافية/الفكرية/الدينية في مجتمعانا العربية، لمجرد أنهم “تجاوزوا الثوابت”. في حين هم طرحوا آراء مخالفة للصورة “النمطية” حول فهم الدين. هكذا نتعامل نحن مع أصحاب الرأي المختلف داخل أسوار مجتمعاتنا، فكيف لنا أن ندين الهجوم على شارلي إبدو؟ فالمسلمون لا ينتمون إلى رؤية موحدة حول الله والنبي وحول أمور دينية كثيرة أخرى، لكنهم لا يستطيعون إلا القبول بالرؤية “النمطية” الرسمية، أو أن تتهدّدهم المحاكمات والسجون. وحينما نتدبّر بصورة واعية في رسومات شارلي إبدو، سنجد بأن المجلة انتقدت تلك الصورة النمطية حول النبي والموجودة في عقل المجاهد/ المتطرف/ المتشدّد/ الإرهابي، ومارست ما يسعى إلى ممارسته الكثير من المسلمين في مجتمعاتهم. لكن ذلك مسموح هناك وممنوع هنا، والمسلمون يعوضون السماح بذلك هناك عن طريق ممارسة الإرهاب. فتعدد الرؤى بشأن الدين، وبشأن مختلف أمور الحياة وشؤونها، أمر ضروري ولابد منه، وأي صورة تعكس تراجع منحنى التعدد ستحوّل مجتمعاتنا إلى مجتمعات بوليسية.
إن معضلة تقبّل الآخر “معرفية” أكثر من أي شيء آخر، وهي بالتأكيد ستساهم في رفع مؤشر الملاحقات والاعتقالات والاحكام بالسجن. فالفكر الديني الإسلامي لا يزال غير قادر على تقبل رؤى تساهم في قبول المختلف والتسامح معه والتعايش مع نقده. وإذا كان النص الديني لا يشتمل على أي إشارة واضحة لقتل “المنتقد” و”الساخر” وحتى “الساب”، فإنه بذلك قد سكت عن العقوبة. إذاً من أين أتت أفكار الاعتقال والسجن والقتل تجاه هؤلاء؟ وهل من مجال لحل ديني آخر يتواءم مع حياة التسامح وتقبل الآخر، أي مع حياة الحداثة؟ فالكثير من الإسلاميين تبرؤوا من قتل صحافيي شارلي إبدو، لكنهم لم يقولوا لنا كيف يجب أن نتعامل مع “الساخر”.. وعليهم أن يقولوا لنا ذلك عاجلا..
fakher_alsultan@hotmail.com
كاتب كويتي
“شارلي”.. توصيفنا وتوصيفهم
تعريف الاٍرهاب ليس حكرا لأحد، قتل أفراد طاقم شارلي هو الاٍرهاب بعينه، قتل وتشريد النظام السوري لشعبه ارهاب، جراءم حزب الله في سوريا ولبنان هو ارهاب، سجن وجلد نشطاء المجتمع المدني بالسعوديه هو ارهاب.
الغربي لا يعرف ارهاب الدولة كإرهاب لان حكوماتهم لا ترهب مواطنيهم. بل مارست الاٍرهاب على الشعوب الاخرى بمساعده حكام اجره. الصحفي شارلي روز في تلفزيون بلومبيرغ استضاف هنري كسينجر في أوج الثوره المصرية وسأله عن النصيحه التي ممكن للولايات المتحدة تقديمها لمبارك فكان جوابه نحن لا ننصح نحن نأمر، هو ذاته الصهيوني كسينجر وراء تنصيب السفّاح الأسد الأب في سوريا.