إن متابعة الأحداث السياسية في أغلب البلدان المستتبة الأمن والسياسة أمر باعث على الحيرة والإستغراب، فما بال القارئ بالأحداث اللبنانية والسياسة اللبنانية.
قرأت مقال الإستاذ فهمي هويدي في السفير “محاولة لفهم ما جرى في بيروت” بتاريخ ٢٠أيار (مايو) بكثير من الإهتمام. كيف لا وهو الكاتب الذي نشأت اقرأ له مقالاته وتحليلاته ودفاعه الدائم عن الأمة العربية ضد المؤامرات الأميريكية والإسرائيلية.
قرأت المقال بكثير تمعن، وأسفت ان الأستاذ هويدي بسط الأمور كثيرا.
أولا، لا أشك لحظةً بوجود تحرك أميركي أو إسرائيلي لحماية مصالحهما كما تفعل كل الدول حتى لو ادى ذلك لإنتهاك حقوق دول أخرى. أقول ذلك لأنني لا أرى مؤامرة على العرب بقدر ما هي لعبة المصالح المتناقضة التي نجح فيها الغرب ورسبنا نحن فيها بجدارة، مبدئيا لغياب مفهوم المدنية وادواتها في الطرف العربي. إذاً القيمة الحقة في نظر الدول هي للمصالح العليا بغض النظر عن اخلاقية الأفعال أو عدمها.
شعرت في المقال ان الأستاذ هويدي قد بسط الأمور كثيرا في نظره الى طرف غاضا النظر عن طرف غيره ألا وهو الطرف الإيراني. وهو طرف في المشكل هنا. وهو الطرف المتمسح مسوح الرهبان المتزيي بزيهم و المعتم بعمائم أهل الدين، فالجانب الأخلاقي لن يخفى على الناس غيابه متى ما غاب.
إن المسافر الى لبنان لن نخفى عليه الآثار الإيرانية والوجود الإيراني المباشر- صور رجال دولة إيران وقادتهم- أو غير المباشرة -الدعم المعنوي لحزب الله من أئمة الشيعة السياسيين في إيران بالمال والسلاح و المؤسسات . وهو في الأسلوب المتبع -كون الدعم المالي يمنح لجهة فئوية وليست للدولة اللبنانية- عبارة عن رشوة مبطنة و شراء ذمم وولاء.
نحن لا نرى المشهد نفسه على الجانب الآخر. لا ترى صور بوش او غيره، ولا صور رجال دين غربيين ولا غيرهم.
لست أشك لحظة في ولاء اللبنانيين لأوطانهم، إلا أن هذه الهبة تجاه فئة من الشعب تظهر الحب والخوف على المصالح بينما هي في الواقع ليست الا شراء صمت عما يجري او عن حق التمثيل الحصري لطائفة في افضل الحالات، وشراء ذمم وولاء في أسوأها.
إن فصل المشاعر عن العقل أمر صعب في كثير من الأوقات، لكن الفصل أصعب متى ما كانت الأمور مختلطة كما هي الحال عليه في السياسة اللبنانية. رموز إيران رجال دين وسياسة، يلبسون العمائم ويطلقون اللحى، مظهر دين وعمل في السياسة. أضف إلى ذلك قضية ولاية للفقيه، تلك المسألة في الفقه الشيعي التى لا تسمح بحرية فكرية تصريحا او تلميحا، إذ كيف يسائل فرد شيعي الفقيه الذي يؤم صلاته ويقتطع الخمس من ماله ، وهو النائب عن الإمام الغائب؟ كيف الفصل والقول الشائع من لم يعلم إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟ بذا يصبح قول الإمام وفكره عبارة عن رسالة الإمام الغائب.
نحن نسمع و نقرأ كل يوم عن تصريحات نجاد وهو الذي صرح بأن الإمام الغائب معه، او يده على كتفه او يساعده في إتحاد ڤراراته.
بعد هذا كيف لشخص متدين ان يشكك في آراء مشايخه؟ كيف له ان يعترض متى ما سمع التهم توجه جزافا الى هذا وذاك، بالعمالة تارة والخيانة تارة أخرى؟
كيف له -هذا الإنسان- ان يخرج من عباءة جامعة متى ما رأى منكرا لا يسكت عليه؟ بالأحرى، كيف سيرى الحق حقا والصواب صوابا في معزل عما يراه شيخه و إمامه؟
لقد قال الإمام قولته، هؤلاء عملاء، متصهينون، متأمركون، هكذا وبكلمة باطل ألغى كل من خالفه الرأى واتبع طريقا غير طريقه.
عام ٢٠٠٠، في أيار، كنت و بسذاجة آمل ان يضع الحزب سلاحه في يد الدولة ويقول هاك سلاحي في يدك، وعناصري تحت أمرك، حررنا الأرض و نحن الآن حزب سياسي بحت. لكن الواقع والتاريخ يقول هذا مستحيل من المستحيلات ولعله اشدها إستحالة. فجأة وشيئا فشيئا تغيرت اهداف الحزب، ألاهداف المعلنة الآن غير تلك التي أعلنت اساسا الا وهي طرد العدو.
يريد الحزب الان تحرير مزارع ليست لدى لبنان وثيقة دولية من سوريا بملكيته لها. تحرير مزارع بينما الحلفاء يفاوضون ويهادنون من اكثر من ثلاثين عاما على جبل آكبر حجما وأهم إستراتيجياً من المزارع بأكثر من ١٠٠ مرة. (مزارع شبعا ٥.٥ ميل مربع، هضبة الجولان ٦٩٠ميل مربع). و برغم هذا الفارق، لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل منذ اكثر من تلاثين عاما. ليس هذا فقط، بل هناك سكوت تام -پإستثناء شكوى الى الأمم المتحدة- عن عمليتي قصف داخل الإراضي السورية في هذه الألفية وعملية إغتيال لشخصية مرموقة في حزب حليف على ارض سورية المتهم الأول فيها والمعلن إسرائيل.
الخلل ليس في نية المقاومة انما في أسلوبها المتبع، في فرضها فرضا على شعب غير منسجم الأفكار ولا الأهداف ولا الديانات، الخلل في الكبر السياسي المتصل بالدين والمنسوب الى الله.
يقول السيد حسن عن إستمرار المقاومة “شاء اللبنانيين ام أبوا”. ويقول بعد المصالحة في الدوحة “المقاومة ليست بحاجة الى إجماع وطني او شعبي”. إن كانت امور كهذه ليست بحاجة الى إجماع سياسي او وطني وهي بهذا الحجم، فما هو الأمر الذي يستحق الإجماع؟ نقل ضابط من مركز الى آخر او تنحيته؟ يعني “ما أريكم الا ما أرى”، ببساطة.
عود علي بدء، فريق الموالاة أخطأ في بعض جوانب إدارة الأزمة، لا شك. لكن من نزل بالسلاح الى الشارع هو نفسه من أقسم الا يوجه السلاح الى صدر لبنان. هو نفسه من شل العاصمة إقتصاديا لسنتين وأقفل المطار لشل البلد. هو نفسه من شل البرلمان ونقل الخلاف من المؤسسة الى الشارع. ثم وجه اللوم الى حكومة محاصرة عن سوء اداء إقتصادي. يا سبحان الله.
توقعت ان يتدخل الجيش لإخلاء وسط بيروت عندما بدأ الحصار المسمى إعتصاماً. ماذا تظنون حكومة بريطانيا فاعلة إن أغلق متظاهرون شارع أكسفورد التجاري؟ اتراها تتركهم؟ ام تخليهم عنوة ان أبوا الإنصياع؟ وهي الدولة المتشربة الديمقراطيه حتى النخاع.
نعم الحزب ليس طامعاً في السلطة، لا أشك في ذلك، لأن الذي في السلطة مُساءَل ومرفوع عنه الغطاء الديني والمقدس، ثم ما الفائدة من السلطة ان كان المرء خارجها أقوى ويستطيع شل حركتها؟
ما حصل في بيروت كان إنقلابا إنما لم يكن طامحا الى السلطة. لم يكن محاولة للإلتفاف على مؤامرة ضد المقاومة كما يقول هويدي. كان تذكيرا بأن الحزب باق فعلا وبشروطه هو وعلى حساب لبنان إن إقتضى الأمر، وانه ككل الاحزاب السياسية لا يتميز عليها بأخلاقية دينية ولا غيرها، فعندما إشتد الأمر سياسيا إستعمل سلاحه.
مات في الإشتباكات ٦٥ شخصا من الطرفين الغالبية العظمى مدنيون: السبب نزول كشافة الحزب الى الشارع.
لقد فات الحزب ان يأخذ بأسس المبادئ التي يبنى عليها فقهه الديني. الحسن بن علي كرم الله وجهه، بنص الحديث “يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”، والحسين بن علي كرم الله وجهه رفض النصرة لأنه اراد لشهادته ان تكون منارا وعظة لكل العالمين، و منها تعلم غاندي مقاومته السلمية. وابوهما رضي بالتحكيم وهو حكم جارٍ، فما بالهم لم يصبروا كما صبر؟
الواقع ان لبنان لم يكن كل شعبه يسند المعارضة حتى في ايام الوجود الإسرائيلي، ثم نقص السند أكثر بعد عام ٢٠٠٥ وخاصة بعد “مظاهرة الوفاء” (لسوريا الأسد)، ولا يزال يفقد من شعبيته شيئا كل يوم حتى كان الثامن من أيار. اصبحت شعبيته محصورة بكثير من أتباع الطائفة وبعض اتباع الطوائف المتحالفة. يبدو ان هذه حال المقاومة في بلادنا بعد التحرير، تضل الطريق وتختل موازينها.
يكثر القول عن لبنان “اللا غالب ولا مغلوب”، لكن الواقع ان الغالب هو الكبر السياسي والمغلوب لبنان..
doctor.nassar@googlemail.com
* كاتب لبناني
شاء اللبنانيين ام أبوا…عالم السيد هويدي عالم مفصّل على قياس زفرات أحلامه ومرارة أمانيه وترهات فكره المشطور. حالته حالة شرائح من الجمهور العربي العاجز عن اعتبار لبنان دولة، وشعب لبنان شعباً، والرافض اعتبار حق لبنان بالحياة كسائر شعوب العرب حقاً، وحق اللبنانيين بالعيش اسوة بسائر الخلق حقاً، لهم ولعائلاتهم واولادهم واجيالهم، من سلم وتعليم وصحة وترفيه. في نظر من نحى منحى السيد هويدي وشابهه، ومنهم السيد حسنين الهيكل، نعم، لبنان مختزل، في زاوية منمنمة، من أفقهم المنمنم أيضاً، بحفنة أوهام: ما يسمى “حزب الله”، ومقارعته المزعومة مقاومة منتصرة على اسرائيل، و”العدو” المختلط أسرائيل-امريكا-الغرب- عرب الإعتدال-“عملائم” اللبنانيين المتآمرين على أوهام وأحلام… قراءة المزيد ..
هل تخلط؟
مما ذكرته عن فهمي هويدي (مواقفه الوطنية)…وتلك لم تكن قط من أولويات السيد فهمي هويدي المتأسلم…لعلك تخلط بينه وبين كاتب آخر شوفيني النزعة وهو (أمين هويدي) ؟
على كل فأقلام كلا هذين الكاتبين تقطر حقدا بغيضا بسبب تحزبهما الفاضح
شاء اللبنانيين ام أبوا…إن ما يحصل في لبنان منذ دخول الجيش السوري تحت المضلة الأمريكية وبالتحديد منذ بدأ تحقيق المشروع الدولي القاضي بتحويل المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية إلى مقاومة دينية أصولية، إنما كان ومازال يحصل حسب رأيي في إطار مشروع استراتيجي جهنمي يقضي بنمو المكون الطائفي الشيعي في كل البلدان الإسلامية.لست معاديا لأهل الشيعة ولست أوافق ما يتعرضون له من المنع والظلم في العديد من الدول الإسلامية، وليست أمريكا تخير أهل الشيعة على أهل السنة وإنما غايتها ومصالحها هي التي قد تقتضي بالفعل نمو المكون الطائفي الشيعي الذي سيقابل المكون الطائفي السني في الحروب الطائفية الجهنمية المقبلة في التخطيط الجهنمي… قراءة المزيد ..