انتهى عصر النفط وانقضى بذلك عهد الزبد والعسل والليبيون يواجهون الان الواقع المرير، وعليهم أن يختاروا بين العمل أو الموت جوعا بسبب الفقر والجهل وانعدام النظافة، وتلك كانت صفات المجتمع الليبي قبل النفط.
تعالوا نقوم بعملية حسابية: انخفضت اسعار الخام إلى 33 دولار للبرميل أُخصم منها مصاريف الانتاج المتمثلة فى الموانئ وصيانة خطوط الانابيب والحفاظ على الضغط فى الابار إلى غير ذلك، ثم أُخصم منها نصيب الشركات المنتجة. ستجد أن ما تبقى للدولة الليبية لا يجاوز 20 دولاراً. استخدم الالة، أو استخدم دماغك، واحسب صافي الدخل باعتبار المنتج الحالي لا يصل الان الى 400000 برميل يوميا مضروباً فى عدد ايام السنة. ستجد أن المتحقق الاجمالي لا يتجاوز ثلاثة بلايين دولار! هذا كل ما يجنيه الاقتصاد الليبي، وليس هناك مصادر أخرى للدخل ولا صادرات منظورة أو غير منظورة. والمقصود بالمنظورة الصادرات الملموسة الزراعية أو الصناعية كالقمح أو السيارة، أما غير المنظورة فهي الخدمات التي تقدم لغير الليبي كالسياحة أو الخدمات الاستشارية او رسوم العبور أو المعونات.
وهذا الرقم لن يكفي لتغطية بند واحد من بنود الميزانية. ولاحظ الفرق الشاسع بين ميزانية 2013 بقيمة 64 مليار وبين واقع الحال. ولعلك ما زلت تذكر ما قيل أن حكومة الكيب أنفقت على بند الاثاث خمسة بلايين دينار، أي أن دخل ليبيا الحالي لن يغطى مصاريف تأثيث المكاتب الحكومية.
ولنكن أكثر أملاً فنظن أن ليبيا ستصل لسقف انتاجها السابق مليون ونصف المليون يوميا، لن يصل الدخل إلى عشرة بلايين. ولو توهمنا أن النفط سيصل إلى ثمانين دولاراً للبرميل تكون صافي حصتنا أربعون دولاراً للبرميل لن يصل ما يدخل الخزانة منها إلى عشرين ملياراً لن تكفي لتغطية بنود الدعم والمرتبات ناهيك عن السرقات ومشتريات السلاح والالتزامات السابقة بتقديم النفط مجانا لتونس ومصر ومالطا بموجب معاهدات واتفاقات، وما يُهَرَّب منه دون علم الحكومة.
ومهما حسنت النية وصفت القلوب واستجاب الله لدعاء الائمة، فستظل هذه المشكلة غير قابلة للحل، وقد توفر الاحتياطيات النقدية ما يكفى مصاريف عام أو عامين لكنها لن تستمر بعد ذلك.
وهذه المشكلة ليست طارئة أو مؤقتة. فسعر النفط غير قابل للزيادة فى السنوات القادمة ولن يتعدى الخمسين دولارا فى احسن أحواله، والانتاج الليبي مرشح للتراجع وليس للزيادة. فأمام السعر المنخفض، ستتخلى الشركات عن استخدام الحقول التي تكون تكلفة الانتاج فيها مرتفعة واذا كانت حصتها فى بعض الاحيان لا تزيد عن عشرة أو خمسة عشر بالمئة من الناتج فهي لن تشغل نفسها بإنتاج لا يغطي تكاليف ادارتها. كما أن القيام باستكشافات جديدة امر غير مجدٍ. فمن غير المتصور أن تنفق الشركات العالمية مبالغ ضخمة للحصول على بضاعة لا تجد من يشتريها، ولا جدوى من اغراق السوق بنفط جديد تكلفة انتاجه مرتفعة. ولا يوهمك أحد أن باستطاعة الحكومة الليبية تأميم حقول النفط واستخراجه لحسابها! فالنفط المكتشف الكامن فى الارض ملك للشركة التي أنتجته، وليس ملكا للدولة، وما تحصله الدولة مهما بلغت نسبته هو ضريبة أو إتاوة، والذى توزعه الدولة على تونس ومصر وغيرها هو جزء من نصيبها.
وتخفيض اسعار الخام عمل سياسي من الطراز الرفيع هدفه الاول ضرب الاقتصاد الروسي الشبيه بالاقتصاد الليبي فى اعتماده الكامل على تصدير الخامات كالنفط والخشب والذهب، وهدفه الثاني ضرب الارهاب أو الاسلام السياسي والاثنان منبعهما دول النفط فى ليبيا أو الخليج. فحيث يوجد النفط فى العالم العربي، يوجد الاسلام السياسي ويفرخ الارهاب. والممولون الكبار لداعش والقاعدة هم من كبار الاغنياء فى الخليج وفى ليبيا.
ومن المؤكد أن افلاس الدولة بانتهاء عصر النفط سيقود للتقشف والغاء الدعم. وسيكون لانعدام السيولة تأثير سيء على الدول الحدودية. فالجنوب التونسي يعيش على السلع المدعومة المهربة وعلى تدفق الليبيين على البلاد التونسية. والعمالة المصرية فى ليبيا تتجاوز مليون شخص على أقل تقدير، وحين تفقد ليبيا المال سيفقدون أعمالهم وسيتحولون إلى مليون عاطل جديد يزيدون متاعب الاقتصاد المصري. ودول أفريقيا المتاخمة لا تستورد الدقيق لانها تعتمد على القادم إليها من ليبيا عبر شبكات التهريب!
وسيقود لما هو أهم، أي اغلاق معظم السفارات فى الخارج وتخفيض الوظائف الحكومية. ولن تمول الدولة مرتّبات مليون ومئة ألف موظف لا يعملون ومعظمهم له دخل ثانٍ غير الوظيفة! كما لن تتمكن من تمويل الجماعات المسلحة، وتمويل النزاعات. ولا نعلم حينها ماذا سيكون بعد ازدياد البطالة وشح الدخل سوى انتشار الجريمة واستخدام العنف والسلاح للحصول على المال.
والاسلام السياسي هو من يحكم ليبيا يوجه سياستها ويسيطر على خزانتها وبنوكها، وادارتهم الجاهلة هي المسئولة عن كل ما نحن فيه من مشكلات وحروب ونزاعات. وتدخلاتها فى الشأن الاقتصادي افلس البنوك وقضى على مدخرات الناس فى البورصة واوقف عجلة الاقتصاد فنشر البطالة. واستمراره فى الحكم نوع من الترف لن يتحمله اقتصاد مفلس يمارسه الاغنياء ولا يمارسه الفقراء لأنه يقوم على الوهم والخدر وخداع الذات، وهى سياسة يمكن أن تستمر فى أيام الرخاء حين يفلح المال السائب فى تغطية الاخفاقات وتصوير الخطأ وكأنه الصواب، لكنه لا ينجح فى أيام العوز والشدة، لان الخداع والكذب يحتاج لنفقات ضخمة لتغطية اخفاقاته ويحتاج لنفقات اخرى لإطعام البطون الجائعة. والدين ليس للبطون الجائعة بل للمتخمين الكسالى الذين ضمنوا الدنيا واستغلوا السذج واستخدموا اموالهم فى تنمية الصراعات ونشر الحرب وباعوهم الوهم بجنة عرضها السموات والارض الطريق إليها هو الاستعداد للموت فى سبيل قتل الاخر الذى لا يعرفه وليس بينه وبينه عداوة مسبقة بل يجمعهما بيت واحد تشترك فيه المصالح.
magedswehli@gmail.com
طرابلس – ليبيا