أتوقع أن يسارع المؤتمر الوطنى العام لاستباق تظاهرات عيد الثورة الثانى بسلسلة من القوانين يحاول أن يمتص بها غضب الشارع المحتقن واولها قانون العزل السياسى. ومهما كانت الصورة أو الصياغة التى سيصدر بها القانون، فأنه لن ينجو من الطعن أمام المحكمة العليا بعدم دستوريته لانه يخالف المادة السادسة من الاعلان الدستورى (“الليبيون سواء أمام القانون متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص”).
وإذا حصنوه أمام الاعلان الدستورى القائم حاليا باستباق النص بعدم جواز الطعن عليه، فلن يصمد أمام الدستور القادم ولو لدقيقة.
مهما كانت طريقة كتابة الدستور، أيا كان كاتبوه، فلا بد أن يتضمن مبادئ محددة لا يخلو منها دستور معاصر يسميها البعض”مبادئ فوق الدستور” لانها تظل فعالة ويمكن الطعن بها وإن لم تكن مدرجة صراحة فى مواده.
أولها أن المواطنون سواء أمام القانون تتكافأ فرصهم في تولي المناصب المتاحة فى الدولة مهما كان ماضى المتقدم ولا يجوز الاحتجاج على الشخص بماضيه أو بأفعاله السابقة ولا يجوز إلصاق التهم إلا بحكم قضائى نهائي.
ا
ثانيا أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. فلا يمكنك أن تعامل الشخص أو تحرمه من أى من حقوقه لمجرد الشك والريبة والقول المرسل.
ثالثا أن القوانين لا تسري بأثر رجعى. ولو أصدرت مثلا قانونا بتحديد السرعة القصوى للسير على الطرقات، فلا يمكنك أن تحاكم من تجاوز الحد الاقصى للسرعة قبل صدور القانون. ولو أصدرت قانونا بمنع تمجيد القدافي، فلن تستطيع أن تطبق ذلك على من مجده أو نافقه أو ظهر معه فى صورة أو امام كاميرا.
رابعا أنه لا عقوبة إلا بنص.
خامسا أن القانون لا بد أن يتصف بصفة العمومية وليس له أن تستثنى من تطبيقه أحد. فلا يعقل أن تصدر قانونا يحاكم السود وحدهم أو النساء وحدهن أو أبناء مدينة أو قبيلة.
سادسا أن خطورة الشخص فى ليبيا لا تحددها وظيفته وإنما يحددها قربه من النظام الحاكم. فقد يكون الوكيل المساعد فى وزارة ما أقوى تأثيرا وأمضى كلمه من وزيره أو وكيل وزارته. وإذا حدد القانون مجال تطبيقه على مستوى الوزراء مثلا، فإنه سيستثني وكلاء الوزارة. وإذا كان مجال تطبيقه يمتد إلى مستوى الوكلاء، فإنه لن يلاحق الوكلاء المساعدين الذين يمكن أن يكونوا أكثر جرماً. وقد اعتاد القذافي إهانة وزرائه بتخطّيهم والاتصال المباشر مع مرؤوسيهم، مما يجعل المرئوس أعظم خطرا من رئيسه. ثم كيف سنلاحق من كلفوهم بمهمات سرية خطيرة ترقى بالتأكيد إلى مستوى الجريمة وليس إلى مستوى العزل؟ ماذا عن الذين كُلفوا بمهمات إغتيال لشخصيات ليبية أو أجنبية فى الخارج؟
الشيء المهم الثاني أن قانون العزل السياسى مهما كانت شموليته سيطبق على من تولى أو يتقدم لتولى منصب رسمي فى الدولة، لكنه لن يشمل من كانوا أكثر فسادا ويعدون أنفسهم أرقى من أن يتولوا مناصب معلنة ترتبط السلطة فيها بقوانين أو لوائح، كأقارب القدافى وأبناء عمومته مثل “أحمد قداف الدم” وشقيقه وأخرون كانوا يفرضون الاتاوات ويحصلون على العمولات عن طريق أياد خفية ودون أن تظهر أسماؤهم فى الاوراق والمستندات الرسمية! ولن يتطرق القانون للمجرمين الحقيقين الذين كانوا أدوات للفساد الاقتصادى والرشوى، والذين باعوا المصالح الليبية بأقل الاثمان وقدموا المثل الواضح على الجشع والنهب الذى يتجاوز درجة الجريمة والعقاب القانونى عليها.
وسأخص بالذكر هنا مثلا واضحا لشخص تم التحقيق معه وإتهامه بالفساد فى عصر الفساد الحقيقى وهو السيد “محمد عبدالله عقيل” وشريكه المحافظ الحالي للبنك المركزي “الصديق الكبير”. وقد نشرت فى مقال سابق محاضر التحقيق الذي أجرته معهما لجنة كوّنها مؤتمر الشعب العام.
بلغت مجموع قضايا الفساد التى تورط فيها المذكور هو وعصابته ما يصل إلى 700 مليون دولار. وأوصت اللجنة بضرورة إجراء تحقيق مستقل عن مخالفات “الصديق الكبير” خلال فترة رئاسته لمصرف الامة ولتى إمتدت لعشر سنين متتالية فضاها فى خدمة اللجان الثورية وتحقيق مصالح أعضائها. ولمزيد من المعلومات والاطلاع على التحقيقات إضغط على الرابط التالى:
http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/20828
كان محمد عبد الله عقيل شاويشا بالجيش يعمل طباخا لمجموعة من الضباط يقدم لهم المكرونة المبكبكة بعد انتهاء سكرتهم. ثم ابتسم له الحظ عن طريقهم فكان منه ما كان، ولم تتم معاقبته فىى العصر القدافى وإن اكتفوا بتأديبه بالفلقة أو بمشاطرته أمواله.
وارتد صحيحا بعد الثورة، وغيّر جلده! فلعب بعقل المستشار مصطفى عبد الجليل، فأفتى له بأن “فلوسك حلال”! وعيّن شريكه فى السرقة محافظا لبنك ليبيا المركزي! ولن تفاجأوا إن وجدتم “عقيل” يحتل منصبا أقتصاديا مهما فى الايام القادمة أو تسند إليه عقود توريد جديدة لانه قريب للسيد “علي زيدان” بدرجة أو بأخرى وهو، و”الصديق الكبير” و”زيدان”، أبناء بلدة وحدة إسمها “ودان”! وسيكون جميلا لو أصدر السيد “زيدان” بيانا ينفى أي علاقة له بهذين الشخصين.
لن يقع هذا الشخص وأمثاله كثيرون تحت طائلة اي قانون للعزل مهما كانت قوته وشمول مواده لانه شبح خفي لاييبيع للدولة ولا يشتري منها، وليس له أثر ظاهر على الورق، لكن الصفقة لا تتم بدونه وأمثاله كثيرون. كالمنصورى والدبيبة وسفراكس وحسنى بي وهلم جرا. ولو خضع “الدبيبة” مثلا للتحقيق، فلن تستطيع أن توجه له تهمة واحدة لانه موظف بسيط يعيش على راتب يضاف إلى حسابه المصرفى كل شهر ويصرف منه على قوته وعياله ويتلاشى رصيده بنهاية كل شهر. وسيكون إلى جانبه شهود كثيرون يقرّون بأنه يعاني كما يعانون ويشتكي مثل غيره من قلة المال وصعوبة المعاش!
بالمناسبة، “الدبيبة” و”على الصلابي” و”الصديق الكبير” شركاء فى شركة بريطانية إسمها “إسناد”، وإضغط على الرابط التالى لتأكيد ما أقول.
http://companycheck.co.uk/company/07656370 ا
لذا لدى إقتراحات محددة قد تفيد.
أولها إنشاء جهاز محاسبى مستقل يتبع “المؤتمر الوطني العام” أو السلطة العليا فى الدولة تكون له سلطة التحقيق والضبط القضائي ولا يُحتج أمامه بالحصانة ولا تسقط التهم التى يحقق فيها بالتقادم مهما انقضى عليها من الزمان، مهمته إعادة التحقيق فى جميع قضايا الفساد والسلاح وسرقة المال العام التى تمت فى خلال العهد الماضى إبتداءا من 1-9-1969 حتى اليوم ،وفتح التحقيق في أي قضية من قضايا التهريب الضريبي والجمركي التى تكون الدولة طرفا فيها حتى وإن صدرت فيها أحكام سابقة.
الثاني، يتولى الجهاز الجديد للمباحث العامة إعادة التحقيق فى قضايا التعذيب وسوء استخدام السلطة. وبطبيعتها، فهذه جرائم لا تسقط بالتقادم فى كل دول العالم، وتستطيع الدولة أن تستجلب معظم الفارين من عدالتها إذا أثبتت على أي منهم الاشتراك في التعذيب أو الحض على العنف أو أعمال الإبادة الجماعية.
الثالث، إعطاء سلطات موسعة لـ”هيئة النزاهة” يمنع الطعن على قراراتها أمام القضاء مع إمكانية تكوين لجنة إستئنافية تعيد النظر في قراراتها لمن يشاء وتكون قراراتها نهائية. ولان إختصاص اللجنة يتعلق بصلاحية المتقدمين لشغل وظائف فى الدولة سيادية أو تمثيلية، كالعمل بالخارج أو تولي الوظائف الحساسة كقيادات الامن والجيش أو المناصب الادارية وتولي إداارة المرافق التعليمية، وفقا لشروط محددة تضعها الدولة، فستنحصر مهمتها فى تقديم النصح أو الاستشارة للدولة بأن شخصا تنطبق عليه المعايير التى وضعتها لشغل وظيفة أو لا تنطبق وتطرح أسماء المرشحين أمام الكافة ويطعن من يشاء فى من يشاء، ويحق لمن يملك معلومات أو مستندات تدين شخصا ما أن يتقدم بها إلى اللجنة أو إلى الحكومة.
وليس فى هذا عدوان على سلطة القضاء لانها ستعمل كهيئة إستشارية للدولة مهمتها قياس مدى صلاحية الشخص للوظيفة التى ترشحه الدولة لها. والدولة، بصفتها رب عمل من حقها أن تحدد شروط التعيين، ومن حقها أن تقبل بمن تشاء، وتطرد من تشاء دون إبداء الاسباب، اللهم إلا لمن أراد لنفسه الفضيحة فتم النشر بناء على موافقته.
وإن كنت أتمنى أن يمتثل المسؤولون السابقون وكل من أفاد من النظام السابق بطريقة أو بأخرى لما سبق أن اقترحه الدكتور عبد القادر قدورة بأن يمتنع المستفيدون من النظام السابق من تلقاء أنفسهم عن محاولة التغلغل من جديد فى نظام الدولة الجديد وأن ينأى بنفسه عن المزاحمة على الوظائف أو طلب إمتيازات فى خلال هذ الفترة الحساسة القادمة والتى قدرها بخمس سنوات، والحر يفهم بالاشارة والعبد تقرعه العصا!
أما فيما يتعلق بالانتخابات والترشح لها فإننى أعتقد أن “لجنة النزاهة” الحالية أو القادمة، أو “جهاز المباحث العامة” لن يكون لهما شأن بإختيار المرشحين أو فحص ملفاتهم. لانهم يتقدمون إلى الشعب ويتم إختيارهم عن طريق الصندوق، لان الشعب هو الذى يختار ومن يملك السيادة وهو مصدر السلطات وهو كاتب الدستور من حقه تعديله أو تغييره، وبذلك تكون وقراراته سابقة فى حجيتها على مواد الدستور. لذلك فتدخلها فى اختيار الشعب لمن يمثله سيكون تجاوزا لسلطاتها ولسلطة النظام القضائى كذلك.
ونسوق من تاريخ المملكة المتحدة مثلا يؤيد ما نقول: فى عام 1981، وأثناء حرب المقاومة الايرلندية ضد الاحتلال البريطاني، قبضت السلطات البريطانية على شاب إسمة “بوبى ساند” بتهمة اشتراكه فى أعمال تفجيرات وقتل ضد الجيش البريطانى وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ومن زنزانته تقدم “بوبي” لترشيح نفسه عضوا بمجلس العموم وفاز فيها وعين عضوا بمجلس العموم. لكن ذلك لم يشفع له بالخروح، ثم بدأ إضرابا عن الطعام مع عشرين سجينا احتجاجا على سؤ معاملتهم فى السجن، ومات فى شهر مايو من نفس العام. وهذه ليست رواية لقصة، ولكنه دليل على أن الاختيار الشعبي لا رقابة عليه، ومن يشأء تفصيلا يمكنه الضغط هنا:
http://en.wikipedia.org/wiki/Bobby_Sands
أخيرا تقبلوا تحياتى
magedswehli@gmail.com
شؤون ليبيّة: حول قانون العزل
نعم ! الحر يفهم بالاشارة والعبد تقرعه العصا! مع الشكر الجزيل لكاتب هذا المقال التحليلي والصريح حول الظلم والفساد في ليبياوضرورة اقصاء كل خائن عميل ناهب لثروات بلاده. لقد وصل كل خبيث وجاهل الى مراكز السلطة والقرار في عهد الطاغية الأكبر وربما كان هذا هو السبب الرئيسي في حالة التخلف الرهيب التي تعاني منها الدولة حاليا. لاحل بغير الحزم والحسم في كل الأمور.