«لا يخجل حاضره من ماضيه». كلام سيد الصرح سيد بكركي التي تحمل هموم وحضارة طائفة نحتت صخور لبنان مدى أكثر من خمسة عشر قرناً، ونحت حجر الصوان في عقولهم صلابة صقلتها الإرساليات وانفتاح الموارنة على ثقافة الغرب التي مزجوها مع ثقافة المنطقة، فكانوا روّاد عصر النهضة العربية التي كان لهم فضل كبير في انطلاقتها إلى مثقّفي لبنان من كلّ الطوائف. إنّ الشخصية المارونية ربّما تمثّل التفاعل الأفقي والعمودي بين الإنسان والأرض، والأهم حرية التفكير التي أتت بالموارنة أصلاً الى جبل لبنان فتحصّنوا في هذا الجبل وحاولوا مدى الأجيال الحفاظ على حريتهم واستقلالهم.
التناحر الطائفي في عصرنا الذي سبقه التناحر المناطقي قبل المسيح على هذه الأرض واضح في تاريخنا، فمن أليسار التي تركت صور متوجهة إلى إفريقيا الشمالية، والتناحر بين صور وصيدا وبيروت وكل الإمارات الفينيقيّة بعضها مع بعض.
تاريخنا يُظهر أنّنا كنّا دائمي الخلاف والتقاتل على مصالح ومكتسبات باسم الآلهة، والكلّ يريد حصرية لزعمائه. والحصرية داء حاولت عدّة حركات عالمية وإقليمية تخطّيها باسم الجماعة والقومية والاشتراكية والأممية وكلّها فشلت وعدنا الآن إلى الحصريات لا الطائفية فقط، بل المذهبية أيضاً، وهذه الحصريات عادت وسيطرت على المنطقة كلّها بعكس الاتجاهات العالمية المتعلقة بالانفتاح والعولمة.
ومن الأوصاف التي يتمنّاها سيّد بكركي أيضاً هي الخبرة السياسية. وكم كنّا نتمنّى على سيدنا أن يزيد على هذه الأوصاف الخبرة الاقتصادية التي ربما هي الأهم للمحافظة على اللبنانيين وعلى أرض لبنان.
ولكن نعود لنسأل ما هو المقصود من أن لا يخجل حاضره من ماضيه، وما هي الأسس التي سيتم بناءً عليها الحكم على ماضي المرشحين، سأحاول هنا وضع المعايير المتعارف عليها في الديموقراطيات العريقة التي يحكم على أساسها الشعب على رجل السياسة. سأسردها كما أعرفها وأترك للقارئ أن يفهم كلام سيدنا كما يشاء. إن المعايير المطلوبة في رجل السياسة والمتّبعة في المجتمعات الديموقراطية الحرّة والتي أعتقد أنه يجب أن تنطبق على مرشّح رئاسة جمهورية لبنان هي:
ـــــ نظافة الكف، وضوح وشفافية مطلقة في ما يختص بمصدر ثروات رجل السياسة وموجوداته، وأي تمويل يأتيه يجب أن يكون مصدره معروفاً للملأ.
ـــــ ألا يكون محكوماً بجناية أو بجرائم حرب أو بالفساد.
ـــــ أن يكون صاحب أخلاق حميدة، مهذباً، متواضعاً وخلوقاً.
ـــــ أن تكون مواقفه السياسية والوطنية متّزنة.
ـــــ أن لا يكون متّهماً بالتعامل مع أعداء الوطن أو المحتل تحت أية ظروف (احتلال فرنسا وإيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية تشهد على نبذ الشعوب للمتعاملين مع الاحتلال).
ـــــ أن يكون صاحب مواقف وطنية وسياسية فوق الشكوك.
ـــــ أن يكون صاحب رؤية واضحة وأفكار سياسية واضحة لم تتغيّر مع الظروف وألا يحوّل الأبيض إلى أسود حسب الأجواء السياسية الموجودة.
ـــــ أن يكون صاحب تاريخ في الإنجازات الواقعية على الأرض لا فقط صاحب طروحات وأفكار لم ينفذ منها شيئاً خلال مسيرته المهنية أو السياسية، وأن تكون صفاته القيادية واضحة وإمكانياته الإدارية واضحة أيضاً.
ـــــ ألا يكون مخالفاً للقوانين المرعية الإجراء من الناحية الضريبية وأن يكون مسدداً لكل الضرائب والرسوم المفروضة في البلد.
ـــــ ألا تحوم حوله شبهات السمسرة والصفقات ومد اليد على المال العام أو الاستفادة من موقعه السياسي لمصالحه الخاصة.
ـــــ أن يكون له تاريخ في أعمال الخير العام من خلال مؤسسات خيرية، والعادة المتعارف عليها في الغرب أن تكون زوجة السياسي أو زوج السياسية مشهوداً لها أو له بالأعمال الخيرية على ألا تقتصر على صبحيات وحفلات السفسطة.
ـــــ أن يكون إنساناً ناجحاً في ما قام به على أساس النتائج، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن لبنان ربما يُعتبر البلد الوحيد في العالم الذي هجّر ربعَ سكانه سياسيّون أكثريتهم ما زالوا يمارسون حنكتهم السياسية ويُعتبرون من الناجحين.
هذه بعض المعايير التي يطلبها الشعب في ديموقراطيات الغرب التي تجهد لتساعدنا اليوم في اختيار رئيسنا العتيد. تُرى هل هذه هي معايير ومقاييس سيد بكركي، هل هذه هي الأوصاف التي لا تجعل الإنسان يخجل من ماضيه؟ لبنان والعالم ينتظران سيد بكركي ونتائج اجتماعات الموارنة. ولا بدّ من أن نذكّرهم بتاريخهم على هذه الأرض ومجد لبنان وقول السيد المسيح: «ماذا ينفع المرء لو ربح العالم وخسر نفسه» .
نعم، سيدنا نريد رئيساً لا يخجل من ماضيه ونريد صاحب إنجازات واضحة للعيان، نؤيّده قائداً للعقول لا قائداً للغرائز، نؤيده مارونياً يفتخر بماضيه وحاضره ولا نؤيّده في ذمّة أحد غير ذمة لبنان، نؤيّده صاحب فكر مؤسّساتي قادراً على إدارة فريق عمل ومقتنعاً بأن الرئيس قبل الطائف وبعده ليس مدير تشريفات بل قائد لنهضة جديدة تعيد بناء وطن لكل أبنائه من كل الطوائف، وماضيه يجب أن يكون مثبّتاً بالوقائع والأرقام والعلم المجرد وإنجازات واضحة للعيان.
إن معايير رجل الدولة هي التي ذكرنا بعضها آنفاً والميزان بيدك يا صاحب الغبطة، نرجوك ألّا تحافظ على الوزنة خوفاً من الخسارة، بل نرجوك على استثمار وزنات الموارنة من أجل أن نبقى على أرضنا أحراراً في ذمة
الحرية.
* رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين