بيروت الشفاف – خاص – وجدي ضاهر
تتمحور الحركة السياسية في بيروت حول المحكمة الدولية والتداعيات التي يمكن ان يسفر عنها القرار الظني المرتقب صدوره قبل نهاية العام الجاري، حسب ما قال اكثر من مصدر.
وربطت مصادر مطلعة في حديث لـ”الشفاف” بين الحملة المسعورة على المحكمة التي ظهرت من اللامكان وبدأت عبر صحيفة “الأخبار” الممولة من حزب الله، والتي عنونت صفحتها الاولى منذ ايام بأن سوريا اعدت العدة في مجلس الامن لمواجهة قرارات المحكمة وتقارير لجنة التحقيق الدولية، منذ ديتليف ميليس حتى دانيال بلمار. ثم توالت الحملة لبنانيا مع النائب السابق ناصر قنديل الذي ابتدع مناسبة صدور قرار استدعائه للمثول امام المحكمة ليعقد مؤتمرا صحفيا خصّصه لتبرئة سوريا من دم الحريري. ثم اعقبه نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي الذي هاجم المحكمة بدوره من دون اي مبرر، وقال انها “مسيّسة” وان حزب الله لن يعترف باي قرار يصدر عن المحكمة. ثم اطل اللواء جميل السيد ليتهم زعيم الاغلبية باغتيال والده، وفي احسن الاحوال ان يكون رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري قد دبر عملية اغتياله، وتاليا تبرئة سوريا. وهذا ما امن لوزير الخارجية السوري وليد المعلم الاسانيد المنطقية والقانونية ليستند على ما اورده اللواء السيد في مؤتمره الصحفي من اجل اعلان براءة سوريا من دماء الحريري.
المصادر المطلعة في بيروت استغربت في حديثها للشفاف توقيت هذه الحملة خصوصا وان لا شيء مرتقب حاليا من المحكمة في ظل تأكيدات المتحدثة باسم المدعي العام راضية عاشوري ان لا شيء قد حسم وان لا توقيت محدداً لصدور قرار ظني.
وازاء ذلك، ربطت المصادر بين تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية والحملة المسعورة على المحكمة. واشارت الى ان محاولات النظام السوري للإفلات من القرار الظني والمساومة على المحكمة قد انتهت الى الفشل. إضافة الى ان نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية اعادت الاكثرية النيابية الى الحكم وفرضت تسمية زعيم الاغلبية النائب سعد الحريري لتشكيل الحكومة الاولى لما بعد الانتخابات، الامر الذي فوت على قوى “شكرا سوريا”، من حزب الله وقوى الثامن من آذار، فرصة الانقضاض قانونا على المحكمة في ما لو قيّض لهذه القوى ان تستلم الحكم بعد الانتخابات. وهذا ما كان أشاعه وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي في اوروبا وخصوصا من فرنسا حيث ابلغ الاتحاد الاوروبي وباريس ان قوى 8 آذار سوف تفوز في الانتخابات وان على الغرب عموما ان يجهز نفسه للتعاطي مع حكومة يشرف عليها حزب الله، لكي لا تتكرر تجربة حكومة حماس في الاراضي الفلسطينية.
وإزاء فشل المعارضة في تحقيق الفوز في الانتخابات النيابية سعت هذه القوى الى إفراغ نتائج الانتخابات من من مضمونها والعمل على تكريس صيغة ما يسمى بـ”الثلث المعطل” او في افضل الاحوال دفع العماد عون الى تبني عملية التعطيل من خلال شروطه التعجيزية والتي لا تتناسب لا مع الأعراف ولا مع مندرجات الدستور اللبناني.
وتخلص المصادر الى القول ان تشكيل الحكومة سيبقى متعثرا في ضوء فشل محاولات المقايضة بين سوريا والمجتمع الدولي على المحكمة، وسعي دمشق الى زعزعة الاستقرار في لبنان من اجل اعادة طرح موضوع المحكمة على بساط البحث من جديد ومساومة سوريا عليه على غرار ما حصل في مرحلة ما قبل الانتخابات. ففي حينه، أوحت دمشق للمجتمع الدولي، وللمملكة العربية السعودية، بانها سهلت حصول الانتخابات وانها لا تريد التدخل في الشؤون اللبنانية. الا ان اعلان النوايا السوري كان يستند الى معطى “الفوز المضمون” لقوى “شكرا سوريا” في الانتخابات النيابية اللبنانية، أي أنه لم يكن بادرة حسن نوايا سورية تجاه اللبنانيين والمجتمع الدولي.
وتضيف المصادر ان سوريا وحزب الله هما المتضرران الرئيسان من اي قرار ظني يصدر عن المحكمة الدولية. والا ما معنى هذه الحملة وتوقيتها، خارج هذا السياق؟ وتضيف ان أحداثاً أمنية يرتقب ان تنطلق من شمال لبنان هذه المرة، ومن العاصمة طرابلس تحديدا، في استعادة لسيناريو دخول الجيش السوري الى لبنان عام 1975 حيث دخل الجنود السوريون الى عكار في شمال لبنان بلباس منظمة الصاعقة وجيش التحرير الفلسطيني. وهذا المرة سوف تكون طرابلس، وليس عكار، بوابة الدخول، حيث العمل جار على تسليح العلويين وتدريبهم تحت ستار الحزب العربي الديمقراطي.
ومن طرابلس سوف تبدا التوترات الأمنية، التي لم تهدأ اصلا، حيث تشهد المدينة تفجيرات بعبوات متنقلة يوميا على طول الخط الفاصل بين جبهات الحرب القديمة في “جبل محسن” و”شارع سوريا” في “باب التبانة” و”القبة”. وحسب السيناريو المرسوم، فان المسلحين العلويين سوف يسيطرون على المدينة بمساعدة التنظيمات التي خلفتها سوريا وراءها مثل “حركة التوحيد الإسلامي” وجماعة “هاشم منقارة” في الميناء، وسيتم اعلان طرابلس “امارة اسلامية”. وتشير المعلومات الى ان هذا السيناريو قابل للتحقق في ظل عدم وجود سلاح مع اي طرف لبناني في طرابلس لا “تيار المستقبل” ولا سواه. كما ان “الإمارة الاسلامية” في طرابلس ستتخذ من جماعة سليمان فرنجية في زغرتا، والحزب القومي في الكورة، خلفية داعمة وغير معادية تحت المظلة السورية. مما يؤمن للحزب الالهي وسوريا مجموعة منافع، اولها قطع العمق السني في عكار الموالي لتيار المستقبل عن العاصمة بيروت وعزله ومحاصرته بين البقاع الشيعي غربا وسوريا شرقا والبحر. اضافة الى إبعاد الشبهات عن حزب الله وسلاحه بعد تجربة بيروت التي فشل فيها الحزب الالهي في استثمار نتائج غزوة العاصمة في السابع من ايار ووضعت سلاحه في مرتبة الشبهات الداخلية وافقدته مبرر وجوده.
وتشير المعلومات الى ان الجيش اللبناني سيقف موقف المتفرج على ما سيجري في عاصمة الشمال على غرار ما جرى في السابع من ايار انطلاقا من نفس المبررات، وفي مقدمها عدم قدرة الجيش على التدخل في حرب اهلية خوفا على وحدته وعدم تعريضه للانقسام.
ولكن مصادر عسكرية لبنانية اعربت عن تخوفها من ان يكون موقف الجيش اللبناني هذه المرة خارج السياق المعهود، وان ينقسم فعلا انطلاقا من ان اقضية عكار والشمال عموما تضم الكثير من العسكريين خصوصا عكار. وان يرفض هؤلاء ان تُمتهن كرامتهم وتنتهك حرمات منازلهم واقربائهم، وتقطع الطرقات امام حرية تنقلهم، مما يجعل مصير المؤسسة العسكرية على المحك فعلا لا قولا. وهذا ما يؤخر نسبيا العمل بالسيناريو السابق.
وتشير المعلومات الى ان تكثيف التحقيقات في الآونة الاخيرة، وانطلاقا من طبيعة اسئلة المحققين الدوليين والاشخاص الجدد الذين يتم استدعاءهم، توحي بان الحقيقة اصبحت في يد المدعي العام وان القرار الظني ينتظر التوقيت المناسب واستكمال بعض التحقيقات. ومن هذا المنطلق تستعر الحملة على المحكمة. ومن هذا المنطلق ايضا، لن تتشكل حكومة لبنانية. وعلى الاكيد ان عون ليس هو من يعطل تشكيلها، بل ان عون لا يعدو كونه واجهة تعطيلية على غرار ما سيتم استخدامه شمالا من علويين و”توحيد” وسواهم لزعزعة الاستقرار الامني في لبنان من اجل ايجاد مخارج جديدة للتسوية على قرارات المحكمة.
وتقول المصادر ان خير رد على الحملة واهدافها التي لم تعد خافية على احد هو ما اعلن عنه زعيم الاغلبية النيابية سعد الحريري من ان “المحكمة في لاهاي ومن له طلب من المحكمة فليدق بابها في لاهاي”، الأمر الذي قطع احتمال اي مساومة او تسييس لاي قرار سيصدر عن المحكمة.