هو: نيقولا ساركوزي. شخصية محورية في الواقع، في الحياة. هي: سيسيليا ألبنيز، ولاحقا ساركوزي، شخصية محورية في الرواية. فرنسية، من أب روسي وأم اسبانية؛ من عائلة ذات تقاليد بورجوازية، نعم بورجوازية. هو ايضا خليط: هنغاري-فرنسي. التقت به لأول مرة يوم اقترانها بأشهر مقدم برنامج تلفزيوني في فرنسا، وكان يكبرها بعشرين سنة.
هو، نيكولا ساركوزي، كان مدير المقاطعة المتولي شأن زواجها المدني. كان متزوجا وله ابنان. لكنه وقع في غرامها في هذا اليوم بالذات. وقرر انها «امرأة حياته». امضت مع الاول ثلاث سنوات، وما لبثت، بعد ولادة ابنتها الثانية، ان طلبت الانفصال وذهبت اليه. ولدى نيلهما الطلاق، اي منذ 11 سنة، تزوجا وانجبا صبيا. من حاكم ولاية، الى وزير ثم وزير مرة اخرى… واتّضاح طموحه الى الرئاسة: مسار دؤوب نحو القمة، هو وهي. يقود هو، وهي تنظم شؤونه، تشاركه الأمل، تسانده. وهو، ككل سياسي تقليدي، يخونها. ويكرر الخيانات. وهي تبتلع الثعابين، المرة تلو الاخرى… فهي تحلم بما يحلم، ولا تقيس مدى تهافت هذا الحالم إلا لاحقا. لا تكتشف نفسها إلا لاحقا… فتُسكِت غضبها منه، وتهمس لأصدقائها، وربما لنفسها ، فتقول: «انا وهو في قصر الاليزيه (الرئاسي) سوف نلعب سوياً لعبة آل كينيدي». (جون كينيدي الرئيس الاميركي الذي تمأسست في عهده رسميا وضعية زوجة الرئيس او «السيدة الأولى»).
تحاول هي في هذه السنوات ان تمارس عملا حقيقيا؛ تترشح لوظائف وادوار. لكنه ينسف مبادرتها كل مرة: هو لا يحتاج غير ان تكون هي الى جانبه. فتتبرّم بين الحين والآخر من ان لا تكون صاحبة حياة قائمة بذاتها، حياة حقيقية، لا حياة ملتحقة. لكنها تتابع…
وفجأة يحصل ما يعرقل مسيرته هو نحو الرئاسة: تختفي مع رجل آخر أحبته. وتبعث برسالة تعلن الرغبة بالانفصال. فيهبّ هو لإسترجاعها… يلاحقها بالهاتف، يغمرها بالهدايا والوعود… ويلحّ. فتعود بعد بضعة اشهر، لتسوية واتفاق: بأن تبقى معه حتى بلوغه هدفه الأعلى. اي الرئاسة. كان مراهنا ربما على ان تغريها الوضعية الرئاسية الجديدة، فتبقى. والمؤكد ان في ذهنه تلك الشهية المعروفة في نساء من حوله ممن يهمن بالأبهة والفخامة والاضواء والامتيازات والسلطة… التي تنضح بها اسوار الرئاسات.
عادت هي. وخلال العامين ونصف العام اللذين تليا الاتفاق وسبقا الانتخابات، بذلت كل الممكن من اجل الغرض الاعلى. وكلما بدا هذا الغرض قريباً، انتابها قلقٌ: هل تكمل معه وتخضع لواجبات السيدة الاولى وتضحي بحبها للرجل الذي اختفت من اجله عن النظر؟ ام تطلب الطلاق وتنفصل؟
ثم شيئا فشيئا، يصبح القلق تمزقاً. تعبّر عنه بطريقتها: في الدورة الثانية من التصويت على الانتخابات الرئاسية، اي الهدف المشترك الأسمى، تغيب. صديقتها فسّرت امتناعها بالقول: «كانت غير قادرة على ان تواجه جسديا الحياة الجديدة التي تبدو لها مثل الكابوس».
ومع ذلك حاولت. قبلت بوظيفة «رئيسة مكتب الرئيس» التي منحها اياها هو، وذهبت الى ليبيا: خاضت هناك مفاوضات معقدة وطويلة مع المسؤولين الليبيين للافراج عن سبع ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني من الأسر. نجحت ونالوا حريتهم. لكن لدى عودتها، شُنّت عليها حملة تسأل عن الطبيعة المؤسساتية والدستورية للمهة التي قادتها الى ليبيا… حملة ذكّرتها ايضا بطبيعة دورها كسيدة أولى وحدوده.
في هذه الاثناء يبدأ ميزانها يميل ضد قرار البقاء: تخرق البروتوكول وتختفي… فيُشاع خبر الطلاق. من انها هي المصرّة على الطلاق، بعد ستة اشهر من تقلّد زوجها اعلى المناصب في الدولة. وبعد شائعات واخذ وردّ، يتم تأكيد الطلاق رسميا من قبل الناطق الرسمي باسم قصر الاليزيه. هنا تنتهي القصة، او بالاحرى فصل من قصة سيسيليا، التي تقرر من بعدها: «ان آخذ ريشتي لرسم قصة اخرى».
وهذه رواية جديدة، غير مكررة. يرتسم في متنها نمطٌ آخر من العلاقة الغرامية بين امرأة ورجل سياسي قوي… او حتى ضعيف: تصوّر آخر لعلاقة النساء بالرجال وبالسلطة. قد تكون حصلت «حوادث» مشابهة… ولكن في سلّم ادنى من اهل الشهرة والسلطة. والأغلب الأعم في حالات كهذه ان تلتحق الزوجة بمنصب زوجها الزعيم بلهفة غير محدودة، بشوق وتشبّث. تبتلع كل عيوبه؛ بل يصل بها الامر، مع تراكم السنوات، ان تتماهى معه الى حيث يصبح هو أناها الأخرى.
صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية قارنت بين سيسيليا وبين سيدات أوليات سبقنها الى الاليزيه: فكانت سيسيليا على نقيضهن في كل شيء. لكن تجدر ايضا مقارنة سيسيليا بهيلاري كلينتون زوجة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون والمرشحة الحالية للرئاسة. فأثناء التحقيق العلني الذي خضع له هذا الاخير حول علاقته الغرامية باحدى بالمتدرّبات، مونيكا لوينسكي، اتجهت الانظار نحو زوجته، هيلاري، وانتظر العديدون انفجارها او طلبها الطلاق، بعد هذا الاذلال العلني لكرامتها الانثوية. لكن هيلاري أعدّت للاعلام صورة عن حالتها كانت هي النقيض تماماً: مكسورة قليلا، ولكن مكابرة على جرحها، تؤكد حبها له، وعفوها عنه… صورة بطولية لم تقنع احد المعلقين الذي تساءل وقتها: «هل هي سلطة الحب ام هو حب السلطة الذي يضفي على هيلاري كل هذه الملائكية؟».
مع سيسيليا لا سلطات. شهيتها للسطلة ليست كبيرة. ليست كافية الى حد ينسيها الضجر. «لا ارى نفسي فيرست لايدي (سيدة اولى)… فهذا يحطمني!». لا تحتمل الملَل ولا التعب ولا الجروح مما ترى انها سوف تغزوها، لو كانت استمرت كسيدة اولى. لذلك ربما تكره ان يكون شريكها مطلق السلطات. ليست «بوليتكلي كوريكت» («صائبة سياسياً») كما تقول. لأنها ليست مطواعة. ليست متحررة، بل حرة. والفرق ان حريتها ليست جديدة، انها حرية معتادة عليها، منذ الصغر. حرية فرديتها. حرية الإنصات لنفسها. محاولة التسوية طبعا ولكن الاعتراف ايضا بفشلها، عندما يقع. ما يُعتبر إغراءً شديداً بالنسبة للعديد من النساء، هو مجرّد قيد لها. تقول عنها صحيفة «ليبراسيون»: «انها صاحبة وجهها؛ وبالتالي هي صاحبة مستقبلها… لا نحن اصحابهما».
ومع ذلك تقول، تواضعاً، أو بحثا عن ظل، ان قصتها مثل قصة ملايين من النساء. زواج ثم طلاق او زواج ثم زواج. اليس كذلك؟
بعد الاعلان الرسمي عن طلاقها تعترف سيسيليا لصحيفة «لاست باريزيان» بقصة حبها، وتدافع عن نفسها قائلة: «حاولت التصرف بطريقة صائبة سياسياً، والعودة (الى نيكولا) من اجل بناء شيء ما». وتتابع انها صمتت في عامي المحاولة هذه. ولكنها تعرف ايضا:»ان هذه الحياة لا تناسبني، لا تناسب ما انا عليه في اعمق اعماقي. فانا شخص يحب الظل والسكينة والهدؤ. و(قصر) الاليزيه ليس مكاني، لم يعُد مكاني»…
تطول الاستشهادات، ويُطرح سؤال: هل كان بامكان سيسيليا ان تكون نفسها بهذا الاصرار لو لم تكن فرنسية؟ في استطلاع للرأي عشية الانتخابات الرئاسية، قال 94 في المئة من الفرنسيين انهم لا يهمهم ان كان المرشح او المرشحة «عازبا». فالشعار المتداول بينهم انهم «ينتخبون رئيسا… لا كوبلا» (زوجين). بل المضربون من عمال القطارات وقد باشروا تحركهم يوم الاعلان الرسمي عن الطلاق، كانوا
يصرخون: «سيسيليا! نحن معك! نحن ايضا مللْنا نيكولا (ساركوزي)!». هذه ثقافة شعب بأكمله، بيمينه ويساره، بفقرائه واغنيائه. يحب الاخلاق لا المواعظ ولا اطلاق الاحكام. يمنح للفرد حقوقه الأكثر جدية. عنده العلاقة بين الجنسين مفتوحة على كل الآفاق؛ وقادرة بالتالي على اختراع شخصيات جديدة تضيف الى الخيال الفني والسياسي المزيد من المجالات. انها حقا رواية تعلم اكثر من مئة كتاب… شكرا فرنسا.
الحياة
dalal.elbizri@gmail.com
سيسيليا ساركوزي: رواية تعلّم اكثر من مئة كتاب…
what can I say that
she is ZEBALAH