سياسات آخر الزمان” في إيران(4): المهدوية في الجمهورية الإسلامية

2

**

**

تقبيل سجّادة نائب الإمام.. و”تدمير إٍسرائيل”

تتطرّق هذه الحلقة الرابعة من دراسة “مهدي خلجي” بعنوان “سياسات آخر الزمان” في إيران: حول عقلانية السياسة الإيرانية” إلى الممارسات الدينية الغيبية (إستحضار الأرواح، والرجم بالغيب، والتنبّؤ، والسحر، وفتح البخت بالكتب) التي انتشرت في إيران في السنوات الأخيرة. وقد اخترنا لها الصورة المرفقة التي وردتنا من قارئ “شيعي” عراقي عاد من إيران مستهجناً بعض الممارسات المقزّزة التي نشأت في ظل “الجمهورية الإسلامية”.

الصورة لمجموعة من الشباب الايراني يقومون بتقبيل السجادة التي وقعت عليها اقدام المرشد الاعلى للثورة الاسلامية ونائب الامام المهدي ولي الفقيه السيد علي خامنئي. وهي تكشف مدى ومستوى تلقين هؤلاء الشباب بقدسية هذا الرجل وانه معيّن من الله في هذا المنصب، وهي تكشف ايضا أن هذا الرجل قادر بالاجهزة التي تعمل له على السيطرة على عقول ليس فقط الشباب بل شريحة كبيرة من الايرانيين وغير الايرانيين الذين يعتقدون بولاية الفقيه!!

هذا المشهد الذي ينتمي إلى عصور “العبودية”، أو إلى عصر “الملوك الكهنة”، هل هو من الإسلام فعلاً؟ نأمل أن لا تردنا من القرّاء تعليقات تتهجّم على الشيعة! فملايين الشيعة العرب والإيرانيون يستهجنون هذه الممارسة التي تخلّ بكرامة البشر. الأهم هو التأمّل في الآليات التي تسمح باستخدام الأديان للسيطرة على البشر، وسلبهم إرادتهم.. ومثل هذه السيطرة وقعت، وتقع، في كل الأديان. وما تتعرّض له المرأة والعمّال الآسيويون في بعض بلدان العرب ليس بعيداً كثيراً عن الإستعباد..

وربما كان المدخل إلى فهم هذه الظاهرة هو التاريخ الإيراني نفسه (يذكر “الإمام الطبري” في تاريخه أن فرقة إيرانية حاولت أن تعبد الخليفة العبّاسي الأول. وحينما عجز الخليفة عن إقناعها بأنه “خليفة الله” (فقط) وليس “الله”، فقد أوعز إلى حرسه أن يبيدوهم “حتى آخر رجل” حتى لا يظنّ العرب أنه زعم الألوهية لنفسه، فيثورون عليه..)!

نقطة أخرى نلفت النظر إليها، وتتعلّق بشعار “تدمير إٍسرائيل”. لقد كتب “مهدي خفجي” دراسته قبل سنة من إغتيال عماد مغنية، وقبل إطلاق زعيم حزب الله شعار “تدمير إسرائيل”. ولكن “مهدي خفجي” يشير إلى نقطة مهمة: “منذ رئاسة أحمدي نجاد، باتت “الإستخارة” طريقة مبجّلة دينياً لاتخاد القرارات بدلاً من إتخاذ القرارات عن طريق البشر العاديين. ومعروف عن أحمدي نجاد أنه يطلب إستخارة في المواقف الصعبة. وباتت هذه الممارسة شعبية إلى درجة أن “رسول جعفريان”، وهو رجل دين أصولي، كتب مقالاً ينتقد فيه قادة إيران لأنهم يستخدمون “الإستخارة”، وغيرها من التقنيات السرّية، كأداة لاتخاذ القرارات. ويشير جعفريان في مقاله صراحةً إلى بيانات حول “تدمير إسرائيل” قائلاً أن مثل هذه البيانات تستند إلى التنبّؤ ولا يمكن أن تكون صحيحة”!!

هل كان “التنبّؤ” هو الأساس الذي استند إليه السيد حسن نصرالله لإطلاق شعار “تدمير إسرائيل”؟ مصيبة..!

في أي حال، سنسعى لترجمة مقال “الأصولي” رسول جعفريان إلى العربية، بعد أن باتت بعض سياساتنا مرهونة بـاستحضار الأرواح، والرجم بالغيب، والتنبّؤ، والسحر، وفتح البخت!

بيار عقل

**

المهدويّة في الجمهورية الإسلامية

كان وَعدُ إيديولوجية الثورة الإسلامية للإيرانيين هو تحقيق السعادة الدنيوية، والخلاص، عبر تطبيق الشريعة الإسلامية. وزعمت هذه الإيديولوجية أنها خير بديل للإيديولوجيات العلمانية، مثل الماركسية والليبرالية التي، بِزَعمٍ الإيديولوجية الإسلامية، أثبتت عجزها عن تحقيق الحاجات الأساسية للبشر. إن ظهور رئيس جمهورية “مهدوي” ليس علامةً على العودة إلى مُثُل الثورة الإٍسلامية وإنّما هو بالأحرى مؤشّر إلى فشلها. لقد كانت الثورة الإيرانية بعيدة كلّ البُعد عن المهدوية لأنها قوّضت فكرة العودة الوشيكة للإمام الغائب واعتمدت فرضية أن إضفاء الشرعية على الفقيه يعني أن على الشيعة أن يدبّروا شؤونهم الدنيوية بأنفسهم.

يبدو إحياء المهدوية الذي استجدّ في السنوات الأخيرة بمثابة ردّ على الفساد الإقتصادي، والقمع الإجتماعي، والإنحدار الثقافي. ومع أن بعض التيار المهدوي في إيران حالياً من نوع سلبي وبعيد عن السياسة- وهذا ما يظهر من خلال إحياء جمعية “الحجّتية”- فإن معظمه هو من نوع المهدويّة الثورية التي ترتبط بالرئيس أحمدي نجاد.

في كلا النوعين غير المسيّس، والمسيّس، من المهدوية، يلعب رجال الدين دوراً صغيراً. على سبيل المثال، كان أعضاء “الحجّتية”، قبل الثورة وبعدها، من غير رجال الدين بمعظمهم. الإستثناء الوحيد في التيار المهدوي الذي يتزعّمه أحمدي نجاد هو “محمد تقي مصباح يزدي”، الذي يتمتّع بالإحترام في حوزة قم على المستوى الفقهي، سوى أنه معزول سياسياً. ويتّخذ كثير من رجال الدين والفقهاء البارزين موقف ارتياب عميق إزاء المهدوية لأن المهدويين يؤمنون بأن الإسلام يعيش حالة أزمة وبأن مؤسسات الإسلام التقليدية قد انحرفت عن “الصراط المستقيم” للإسلام وباتت عاجزة، بالتالي، عن القيام بواجباتها. ويعتقد المهدويون أنهم هم من يمثّل الإسلام الصحيح، في حين أن رجال الدين ليسوا سوى المؤوّلين الشكليين والتقليديين للإسلام. كما يعتبر دعاة “آخر الزمان الوشيك” أن الإٍسلام ليس سوى مسارٍ من الإنحدار والإنحطاط.

يمكن التعبير عن الفارق الرئيسي بين المهدوية غير المسيّسة والتيارات السياسية الجديدة على النحو التالي: أولاً، ينظر أعضاء “الحجّتية” إلى المستقبل برجاء، في حين يعتبر التيار السياسي الجديد أن الماضي هو “اليوطوبيا” ويسعى لإحياء السنن الشيعية؛ ثانياً، يؤمن أعضاء “الحجّتية” بتطوّر المجتمع وتقدّمه (بل إن بعضهم متأثّر بـ”داروين” و”سبنسر”)، في حين يؤكّد المهدويون الجُدُد على الثورة وليس على التطّور؛ ثالثاً، ينتمي أعضاء “الحُجّتية”، عادةً، إلى الطبقات الوسطى الحديثة المتعلّمة وهم ليسوا بالضرورة محافظين إجتماعياً كما هو حال أتباع التيار المهدوي المسيّس الحديث، الذين يستقطبون الشرائح التقليدية في المجتمع؛ أخيراً، إيديولوجية “الحُجّتية” هي إيدلوجية جبرية وتؤمن بأن الإمام سيظهر في آخر الزمان، في حين يعتقد المهدويّون الثوريون الجدد أن القيام بأعمال معيّنة سيعجّل عودته.

الشكل الآخر من المهدوية في إيران هو المهدوية العلمانية التي تبحث عن بطل لإيجاد حلّ عجائبي لكل مشاكل إيران. إن إنتظار المخلّص، سواء كان وليّاً أو دنيويا، قد أصبح العنصر الرئيسي في النزعة البطولية المهدوية. إن هذا النوع من التطلّع المهدوي إلى مخلّص دنيوي يؤدّي إلى اللامبالاة السياسية إزاء الأحداث المثيرة للقلق الجارية على مسرح السياسة والمجتمع.

طقـــس المهـــدي والممارســــات الدينيــــة الغيبيّــــــــة

تقوم رؤيا دعاة آخر الزمان الوشيك على الطقوس الإٍسلامية أكثر منها على الثقافة، والمعرفة، والعقل. وهذا ما يدفعها لرفض الطرق التقليدية لفهم الإسلام كما مارستها الفلسفة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية. فهي تتعامل بالأساطير الدينية أكثر منها مع المفاهيم الفقهية المجرّدة، وتستخدم العادات والطقوس لاستثارة الخيال ولتوليد دينامية إجتماعية مؤيّدة لرؤيا آخر الزمان الوشيك. وفي الخيال الإجتماعي الإيراني، ترتبط مفاهيم مثل التضحية والأمل بالصورة الخيالية لأبطال ما قبل الإسلام الذين يتجسّدون في أئمة الشيعة. ويستخدم دعاة آخر الزمان هذه الصورة الإجتماعية لتعبئة الناس لأغراضهم. لذا، فرؤى آخر الزمان جذّابة للناس العاديين، ويمكن نشرها بسهولة في المجتمع.

يكون المهدويّون في العادة رجال دين لا يملكون الكثير من المعرفة الفقهية أو مدنيين على اطّلاع ضحل على الفقه الإسلامي. ويؤمن معظم المهدويين أن المهدي، حينما يظهر، سيبطل التأويل التقليدي للإسلام ويأتي بتأويل جديد. ويبحث المهدويون طوال الوقت عن تأويلات جديدة للنصوص المقدّسة لدعم معتقداتهم. ولهذا السبب، يتّخذ رجال الدين التقليديون المحافظون موقفاً مناوئاً للمهدوية باعتبار أنهم ملتزمون بالحفاظ على التقاليد الراسخة. ولا يسعى الفقهاء التقليديون إلى تطبيق الأحاديث المتعلقة بالمهدوية على زمنهم هم، إذ هم أكثر إهتماماً بحصر المخاطر منهم بالتغيير الجذري. وليس صدفةً أن أبرز دور النشر التابع للحوزة لا تنشر كتباً مهدوية جديدة.

المنحى الإيديولوجي الغالب لدى دعاة آخر الزمان هو التأويل القريب إلى أذهان الجمهور للنصوص الدينية، والإعتماد على المعنى الحرفي للكلمات. وهم ينبذون إستخدام العقل في تفسير النصوص الدينية أو ردّ الكلمات إلى معناها المَجازي. وهذا ما يدفع كثير من الناس لاتهام دعاة آخر الزمان بالدعوة إلى دينٍ غيبي.

إن أحد الجوانب المهمّة لهذا المنحى هو القيمة المعطاة للتنبّوء وللعلوم السرّية. فـ”المقدَّس” -وهو رجل يحظى بالإحترام وقد لا يكون رجل دين- يتنبّأ بالمستقبل وبمصيرالأفراد. وفي القرن الماضي، وضع “شاه نعمت الله والي“، الذي تُطلق عليه تسمية “نوستراداموس إيران“، نبؤات حول أحداث العالم حتى آخر الزمان. وبين الممارسات الأخرى، الحصول على إذن أحد “المقدّسين” لاستخدام أحد أسماء الله الحسنى. وإذا ما استخدم أحد المُصلّين واحداً من إسماء الله الحسنى بموجب إذن من “مقدَّس”، فإن ذلك الإسم يُحرز قوة روحية خاصة ويخدم نوايا المصلّي بحيث يصبح بوسعه أن يحصل على كل ما يريد بقوّة الإسم. تُطلق على هذه الممارسة تسمية “الذِكر“، ويعتقد بعض المتصوّفين أن بعض أنواع “الذِكر”، وتسمّى “الإسم الأعظم” قادرة حتى على تحريك الجبال. ويؤمن هؤلاء أن “الإسم الأعظم” هو سرّ لا يطّلع عليه سوى المؤمنون الحقيقيون وحدهم لأن “المقدَّسين” لا يعطون إذناً إلا لما كان قلبه مكرّساً كله لله.

إن “محمد تقي بهجت”، أستاذ “محمد تقي مصباح يزدي”، هو إمام مسجد “الفاطمية” في قم، كما أنه “مُقَدَّس” يجتذب كثيرين من كل أنحاء إيران. وجدير بالذكر أن “محمد تقي بهجت” لعب دوراً سياسياً مهمّاً. فلكي يصبح القائد الأعلى، كان على خامنئي أن يحصل على الحد الأدنى من الإعتمادات التي تشهد على أن رجل دين قادر على إصدار “إجتهادات” دينية. وقد واجه خامنئي صعوبةً في الحصول على شهادة “إجتهاد” لأنه لم يكن من طلاب العلوم الدينية المميّزين. ومع أن خامنئي لم يكن قد تتلمذ عليه حتى ليومٍ واحد، فقد أعطى “محمد تقي بهجت” الشهادة التي كانت تنقص خامنئي – حول الصعوبات التي واجهها خامنئي للحصول على شهادة الإجتهاد، يمكن مراجعة مذكرات “منتظري”. وكان “منتظري” أحد أساتذة خامنئي قبل الثورة). ويقول كثير من رجال الدين في “قم” أن خامنئي كان يكثر من التردّد على “بهجت” خلال العقدين الماضيين ليطلب منه “لذِكر”. ويشتهر “بهجت” بأنه لا يعطي أذونات “الذِكر” إلا لـ”الخواصّ“. وهنالك إعتقاد شائع بأن خامنئي يعتبر “بهجت” أصدق “المُقدَّسين” الحاليين. (هذه المعلومات من مقابلة أجراها مهدي خفجي مع “محمد تقي بهجت” في مارس 2007).

ويحبّذ دعاة آخر الزمان، بصورة خاصة، عادة “الإستِخارة“. ويمكن للمتديّن أن يستخدم “الإستخارة” لأي غرضٍ تقريباً، ولكنه غالباً ما يُستخدم لأغراض الزواج. فالعائلة التي يتقدّم منها خاطب بطلب زواج تذهب إلى رجل دين وتطلب منه “إستخارة”. وإذا كانت نتيجة “الإستخارة” حسنة، فإن عائلة الفتاة تقبل الطلب. وتتراوح طرق الإستخارة بين إستحضار الأرواح، والرجم بالغيب، والتنبّؤ، والسحر، وفتح البخت بالكتب. ولكن الطريقة الأكثر رواجاً هي “التسبيح” و”استخارة القرآن”. ويأخذ القائم بالإستخارة القرآن بييه الإثنين ويقرأ بعض الصلوات. ثم يفتح القرآن ويقرأ أول سطرٍ في صفحة اليمين، وعليه أن يعطي إنطباعه عما يوصيه الله بأن يفعل. (يتوفّر على الإنترنيت كتاب
“فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب في الإستخارات” تأليف السيد الجليل أبي القاسم علي بن موسى ابن طاووس الحسني الحلي
).

إن بعض الناس في “قم” و”مشهد” مشهورون بقدرتهم الخاصة على “الإستخارة”، وهم يتلقون طلبات “الإستخارة” من كل أنحاء البلاد بالهاتف، أو بالفاكس، أو بالإيميل. إن إحد أشهر هؤلاء هو “محمد علي قرامي”، وهو آية الله من “قم”. وفي مذكّراته، يعتبر قرامي نفسه أستاذا روحياً أثّر في مصائر العديد من تلامذته. وهو يقول: “هنالك أشخاص حرصت شخصياً على تدريبهم الروحي وباتوا الآن في أعلى حالة روحية وباتوا قادرين على السفر من قم إلى كربلاء والنجف خلال ثانية واحدة”. (في الهامش: ربما كان كتاب “أصول الكافي“الذي ألّفه “الكليني“، وهو أحد أربع كتب حديث نبوي شيعية، أول كتاب يذكر “طي الأرض“. وجاء في هذا الكتاب أن إئمة الشيعة كانوا أول من مارس هذه المعجزة. ومع مرور الزمن، كان صوفيون وفلاسفة مسلمون يعتقدون أن بوسعهم القيام بها. ومن وجهة نظر شيعية، فإن الإمام الثاني عشر، أي “المهدي”، يمارس “طي الأرض” ويجول العالم كله بلمحة بصر. كما أن 301 من رفاق المهدي البالغ عددهم 313 يملكون معرفة “طي الأرض”. ولهذا السبب، فإذا ما مارس شخص ما، أو زعم، ممارسة “طي الأرض”، فإن الناس يأملون أن يكون من رفاق المهدي.).

ويقول “قرامي”، في مذكراته، أنه كان يقابل “حضرة المعصومة”، إي إبنة الإمام الشيعي السابع الذي توفّي في السنة 817 ميلادية بصورة منتظمة.

كما يعرض وجهات نظره في “الإستخارة” ويعتبرها إحدى عجائب التشيّع. ويقول: “يطلب من ناس كثيرون إستخارات، حتى في القضايا العامة المهمة. وقد تلقيت مرةً طلب إستخارة بالهاتف من الأهواز، فأجبتهم أنه ليس لدي الوقت. فأجابوا أن الموضوع ليس شخصياً وأن بعض آبار النفط كانت تحترق وتدمّر ثروة البلاد. وقالوا أنه كانت عندهم عدة مخططات لمكافحة الحريق ولكنهم كانوا بحاجة إلى “إستخارة” ليعرفوا أيها يتّبعون. وبالفعل، قمت بالإستخارة المطلوبة ولحسن الحظ كانت عمليتهم ناجحة”. كما جاء في المذكرات أنه حتى القضاة كانوا يطلبون إستخارات قبل إصدار أوامر قضائية.

منذ رئاسة أحمدي نجاد، باتت “الإستخارة” طريقة مبجّلة دينياً لاتخاد القرارات بدلاً من إتخاذ القرارات عن طريق البشر العاديين. ومعروف عن أحمدي نجاد أنه يطلب إستخارة في المواقف الصعبة. وباتت هذه الممارسة شعبية إلى درجة أن “رسول جعفريان”، وهو رجل دين أصولي، كتب مقالاً ينتقد فيه قادة إيران لأنهم يستخدمون “الإستخارة”، وغيرها من التقنيات السرّية، كأداة لاتخاذ القرارات. ويشير جعفريان في مقاله صراحةً إلى بيانات حول “تدمير إسرائيل” قائلاً أن مثل هذه البيانات تستند إلى التنبّؤ ولا يمكن أن تكون صحيحة. وتحدّث جعفريان عن “أحد أعظم ممارسي الإستخارة” الذي يقول أنه مسؤول عى نصف شؤون البلاد لأن السلطات تأتي إليه وتطلب منه إستخارات. (المقال بعنوان “العجب كل العجب بين جمادي ورجب” موجود على الإنترنيت.:

**

موقـــف الجمهوريـــة الإسلاميّــــــــة الملتبــــــــس من المهدويّــــــــــــــــــة

يمكن للحصيف أن يلاحظ أن حكم القائد الأعلى يقوم على غياب “الإمام الغائب”، الذي يحكم هو نيابةً عنه. وأن القائد الأعلى سيفقد وظيفته حينما يظهر “الإمام الغائب”. بالأحرى، إذا كان بوسع أي متعبّد أن يعتقد أنه على صلة مباشرة بـ”الإمام الغائب”، كما يزعم أحمدي نجاد في كثير من الأحيان، فما الحاجة إلى فقيه ليرشد الناس إلى ما ينبغي القيام به في غيبة الإمام الغائب؟ باختصار، المهدوية تطعن في سلطات القائد الأعلى، وفي مركزه.

حيث أن الجمهورية الإسلامية تواجه مشكلة حقيقية في تشجيع الناس على التديّن، فإنها تعتمد موقفاً ملتبساً إزاء المهدوية. فالأزمة السياسية والإقتصادية دفعت الناس إلى التشكيك بكيفية إستخدام الحكومة للإسلام لخدمة أغراضها. في الوقت نفسه، فإن المنحى الإيديولوجية للجمهورية الإسلامية أضعف الثقة نظرياً بالفقه الإسلامي التقليدي.

للتغلّب على أزمة الإيمان في العقد الأخير، تسعى أجهزة الإعلام الحكومية، وسواها من القنوات والمؤسسات، وبينها وزارة الثقافة والتوجيه الديني إلى الدعاية للإسلام عبر ترويج نموذج بسيط للدين يتمثّل في الطقوس. ويقوم مسؤولون حكوميون بحملات لصالح الأيام والمناسبات الدينية، وينفقون نسبة هائلة من ميزانية الدولة على المواقع والمؤسسات الدينية. ونجم عن ذلك كله رواج طقوس “المهدي” في كل أنحاء البلاد على نحو غير مسبوق. على سبيل المثال، فإن جامع “جنكران” الذي يقع على مقربة من “قم”- حيث ظهر الإمام الغائب في حلم لرجل تقي في القرن الحادي عشر- لم يكن يتمتع بأية أهمية دينية في نظر الإيرانيين حتى عقود قليلة ماضية. وقد تمّ، الآن، تحويله من جامع متواضع وصغير جداً إلى ضريح هائل (يشرف عليه “آية الله أبو القاسم وفي”) تقول الإحصاءات الحكومية أنه يجتذب ملايين الحجاج كل عام، ويتمتّع بأنظمة وطقوس وفرائض فريدة من نوعها. ويضمّ الجامع بئراً له مدخلان، واحد للرجال والآخر للنساء، يرمي فيه المحتاجون أو المرضى العرائض والنقود للإمام الغائب لكي يستجيب لطلباتهم. وفي السنوات الأخيرة، جرى استخدام التكنولوجيا لخدمة هذه الطقوس، حيث صار باستطاعة الحجاج الشيعة أن يرسلوا عرائضهم ونقودهم عبر موقع جامع جنكران على الإنترنيت. كذلك، باستطاعة المؤمنين أن يرسلوا عرائضهم وأن يحوّلوا النقود إلى ضريح الإمام الرضا في مشهد.

ولكن الجمهورية الإسلامية لا تشعر دائماً بالرضى إزاء لجوء الناس إلى مثل هذه الطقوس لأن تسيير هذه الطقوس يخرج عن سيطرة الدولة وعن سيطرة رجال الدين التقليديين. وقد ظهرت فئة جديدة من “المدّاحين“. و”المدّاحون” ليسوا من رجال الدين ولم يتلقّوا أي تعليم فقهي، ولكنهم اكتسبوا شعبية واسعة في المجتمع الإيراني وخصوصاً بين الشبّان. وهم يروّجون لإسلامٍ ليس إيديولوجياً، ويستخدمون الموسيقى والأغاني الحديثة، والشعر الشعبي، والتشبيهات الجنسية والرومنطيقية لمدح أئمة الشيعة. كما أن النساء اللواتي يحضرن إحتفالات “المدّاحين” يضعن الماكياج ويرتدين ملابس لا تتّفق مع توجيهات الدولة.

إن ذلك كله يعرّض للخطر سيطرة الدولة على الشؤون الدنية، ويمكن أن يهدّد إستخدام الدولة للإسلام لخدمة أغراضها. ولا يبدي الناس حماساً للتوجّه إلى المساجد والإستماع إلى خطبها، ولكن كثيراً منهم يبدي حماساً للمشاركة في إحتفالٍ يؤمّه “مدّاح”. ولم يقتصر الأمر على سلطات “قم”، بل إن خامنئي وعدداً من أعضاء مكتبه، مثل “أكبر ناطق نوري” (الرئيس السابق للبرلمان، وهو أحد المحافظين البارزين) يحذّرون من الإسلام غير الصحيح الذي يروّج له “المدّاحون” ومن نشر الغيبيات على أيدي أشخاص يزعمون أنهم على اتصال مباشر بالإمام الغائب. إن كثيراً من الذين يروّجون مزاعم الإتصال بالإمام الغائب يخبرون أتباعهم بأن الإمام الغائب غاضب على الجمهورية الإسلامية ورجال الدين فيها.

يذكر “سعيد حجاريان“، وهو منظّر إصلاحي ومسؤول إستخبارات سابق، أنه في عهد الرئيس خاتمي ظهرت في إيران حوالي 20 طائفة مهدوية وأن أعضائهم اعتقلوا في مداهمات واسعة النطاق قامت بها السلطات. وزعمت إحدى هذه الطوائف المسؤولية عن الهجوم الإرهابي ضد “علي رازيني” الذي كان مسؤولاً في الإستخبارات وفي القضاء. وفي السنوات الأخيرة، زعم أكثر من 10 أشخاص أنهم شاهدوا “الإمام الغائب” وتلقّوا تعليمات خاصة منه. وحسب تقليد آخر الزمان الشيعي، ينبغي عدم تصديق كل من يزعم أنه التقى الإمام الغائب. ولكن، بعد تأخّر عودة “الإمام الغائب”، بدأ كثير من الشيعة يشكّكون في وجوده، ولم يعودوا يصدّقون أنه يمكن أن يعيش طوال قرون. ومن سخرية الأمور أن العديد من فقهاء الشيعة، وبينهم “ميرزا حسين نوري“، وضعوا كتباً حول الأشخاص الذين شاهدوا “الإمام الغائب” في مساجد أو في أماكن مقدّسة بغية إثبات أن “الإمام الغائب” موجود وأنه ما يزال حيّاً (كتابه بعنوان: “النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب”). وبناءً عليه، مع أنه محظور دينياً على أي كان أن يزعم أنه التقى “الإمام الغائب”، فإن الكثير من الإيرانيين يقابلون مثل هذه المزاعم بالترحيب.

يتبع

المواضيع السابقة:

سياسات آخر الزمان” في إيران (3): “مشهد” ومتطرّفوها
التفكيكيّون، و”الحجّتية” و”الولايتيّون”-

“سياسات آخر الزمان” في إيران (2): المهدوية التراثية وقبل الثورة الإسلامية-

سياسات “آخر الزمان” في إيران: ملخّص تنفيذي-

2 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
عقيل صالح بن اسحاق -موسكو - فنان تشكيلي
عقيل صالح بن اسحاق -موسكو - فنان تشكيلي
16 سنوات

سياسات آخر الزمان” في إيران(4): المهدوية في الجمهورية الإسلامية مرض الإفراط ملازم للشعوب المتخلفة . في اعتقادي إن الإفراط شيء مضر جدا , و معروف ” البموارانج” الذي ادا تطلقه يعود إليك وهو معروف عند سكان استراليا الأصليين , لا اعرف بالعربية ترجمة محددة للأسف الشديد , المهم هي قطعة من الخشب ذات شكل يشبه المثلث ولكن مفقود احد اضلاعة, يتم استخدامه مند القدم عند هده الشعوب التي لازالت إلى اليوم بقدر الإمكان تحافظ على ثقافتها وعاداتها وان كانت بدائية رغم أنهم أصبحوا أقلية , هم لا يريد إن ينجرف في سيل الحضارة الاستهلاكية الشرسة , فهم كانوا ولازالوا تصطاد… قراءة المزيد ..

عبد الله
عبد الله
16 سنوات

سياسات آخر الزمان” في إيران(4): المهدوية في الجمهورية الإسلامية من المستغرب فعلا أن نجد حتى اليوم اناس يحملون عقليات متخلفة اوجد بنودها الشواذ بين الخرافة والاسطورة! ويتبعونها على انها هي الدين وهي الحق بل هي الله!! تعالى ربي علوا كبيرا مع ان الديانات السماوية في الاصل جاءت بفكرة رئيسية واحدة : ترك تقديس الجماد والحيوان والانسان والنجوم.. والارتباط بخالقهن فقط دون زيادة أو نقصان. من اسباب هذه الكارثة التي نراها يوميا هي مئات الكتب والدراسات والنقاشات والدعوات حول العام تنبئ بنهاية العالم فاليهود والمسيحيون والمسلمون ينتظرون ظهور المسيح عليه الصلاة والسلام ، والشيعة ينتظرون المهدي! وبناء على هذه الفكرة التي… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading