ونحن نتابع تضحيات الشعب الليبي ضد عميد الطُغاة العرب، معمّر القذافي، لا يُخالجنا شك أن نهايته قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وهو ما يعني أن المغرب العربي مع مصر، يجعل الكتلة الديمقراطية هي الأغلبية في الوطن العربي.
ولكن يبقى المشرق العربي والخليج، يتأرجحان بين الاستبداد والحُرية. صحيح، أن لبنان في المشرق، والكويت في الخليج، هما أقدم ديمقراطيتان عربيتان. فالأولى، ولدت واستمرت ديمقراطية، منذ استقلالها في أوائل أربعينيات القرن العشرين. والثانية، ولدت واستمرت ديمقراطية منذ استقلالها في أوائل سبعينات نفس القرن، ربما باستثناء سنتين، خلال حرب الخليج الأولى (بين إيران والعراق) في الثمانينات.
أما العراق، فرغم عدة سنوات من الملكية الدستورية، في عهد الملك فيصل (الهاشمي)، فقد أجهضت تلك الديمقراطية، منذ ثورة 1958، التي قادها عبد الكريم قاسم، وظل العسكريون يتبادلون السُلطة، حتى الغزو الأمريكي في مارس عام 2003، واستحدثت “ديمقراطية برلمانية توافقية”، في ظل الاحتلال.
ونفس الشيء يُصدّق على الأردن، الذي يقول المسئولون فيه، أن نظامهم هو ملكية دستورية، ولو أن المُعارضة الأردنية، تتحدى هذا الادعاء.
ولكن الدولة المركزية الأهم في المشرق العربي، هي سورية، فهي الأكبر مساحة وسكاناً وموقعاً. فلها حدود مع خمس بُلدان هامة في المنطقة: تركيا، والعراق، ولبنان، والأردن، والسعودية. وكانت المصدر الأيديولوجي لأهم الحركات السياسية، التي شكّلت أهم أحداث المنطقة، خلال العقود الستة الأخير، حتى عندما قاد آخرون، مثل عبد الناصر، وصدام حسين، وجورج حبش، وياسر عرفات، حركات تحرير كُبرى.
ولكن سورية، مثل مصر والعراق وليبيا والجزائر وتونس، وقعت تحت سطوة نظام مُستبد، استخدم كل الوسائل للاستيلاء على السُلطة، والانفراد بها. بل ويُعتبر النظام السوري في ذلك هو الرائد والنموذج.
فقد استخدم أيديولوجية قومية عربية وحدوية، كمُبرر للوصول إلى السُلطة. ولكنه لم ينجح في إنجاز أي وحدة عربية، مع أي من جيرانه، حتى حينما يحكم بعضها نُخبة تدين بنفس الأيديولوجية “البعثية”، رغم أنه يحكم سورية منذ أواخر الستينات.
ثم لجأ نظام آل الأسد، الأب حافظ، ثم ابنه بشار، إلى تبرير الانفراد والاستمرار في السُلطة، بأنه يقود جبهة “الرفض” لإسرائيل، و”المُمانعة” للهيمنة الأمريكية في المنطقة. هذا في الوقت الذي لم يُطلق فيه النظام طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل منذ عام 1973.
فالنظام السوري لم ينهج نفس النهج المصري أو الأردني في إقفال الملف الإسرائيلي، بتوقيع مُعاهدة سلام. ولم ينهج النهج الفلسطيني في الاستمرار في الكفاح المُسلح. فهو يستفيد من حالة اللا حرب واللا سلم، وابتدع مُصطلحاً لها، وهو “المُمانعة”، التي هي اسم مصدر للفعل “يمتنع”. فنظام بشّار الأسد، “يمتنع” عن الكفاح المُسلح، لتحرير بقية أراضي سورية المُحتلة من إسرائيل منذ عام 1967، وهي هضبة الجولان. و”يمتنع” عن التفاوض مع إسرائيل لتحرير الجولان سلمياً ـ مثلما فعلت مصر لتحرير سيناء، ومثلما فعلت الأردن لتحرير وادي الأردن.
والذي لا يقوله النظام صراحة هو أنه أيضاً “يُمانع” في ترك السُلطة سلمياً، و”يُمانع” من إشراك قوى سياسية أخرى في هذه السُلطة، ويُمانع في إطلاق حُرية تكوين الأحزاب والجمعيات، ويُمانع في إطلاق سراح آلاف المُعتقلين السياسيين، والذين مضى على بعضهم خلف القضبان أكثر من رُبع قرن.
وحقيقة نظام آل الأسد، هو أنه حُكم عائلي طائفي. فعائلة الأسد، تنتمي إلى طائفة دينية، مُنشقة من أحد فرق الشيعة، وهي العلويين النصيرية. ولطول اضطهادها، ظلّت محرومة من التمتع بالمُساواة في الفرص في الالتحاق بمواقع في مؤسسات الدولة، إلى أن حصلت سوريا على الاستقلال في أربعينات القرن العشرين. وكانت أحد هذه المؤسسات هي الكُليات العسكرية. فأقبل عليها شباب العلويين، وكان منهم صلاح حديد، وحافظ الأسد. وحينما لاحت لكل منهما كضباط فرصة الالتحاق بحزب البعث، وكان أحد المؤسسات المدنية القليلة، هو والحزب الشيوعي والحزب القومي السوري، التي رحّبت بأبناء الأقليات. وحينما لاحت الفرصة لصلاح حديد، بصفته كضابط في الجيش السوري وكناشط في حزب البعث، فإنه قام بانقلاب عسكري. وكان أول علوي يصبح رئيساً للجمهورية.
وقد أعزت تلك السابقة، ضابط آخر في سلاح الطيران السوري، وهو حافظ الأسد، لتدبير انقلاب ثان، وأيضاً باسم حزب البعث، وذلك عام 1970. وتحالف حافظ الأسد مع الرئيس المصري أنور السادات، في شن حرب أكتوبر 1973، والتي حررت جزءاً، وليس كل الأراضي السورية المُحتلة (منذ 1967).
واثبت حافظ الأسد أنه داهية سياسي لا يُشن له غُبار، فقد جنّب سوريا مُمارسة الانقلابات العسكرية، والتي كانت تحدث كل 18 شهراً في المتوسط، منذ أول انقلاب لحسني الزعيم، في أعقاب هزيمة فلسطين، في إبريل 1949. فاستمر حافظ الأسد في الحُكم ثلاثين عاماً (1970-2000) متواصلة.
وكانت وسيلته في تأمين نفسه في الُحكم، هي بتوليه أفراد عائلته، وعائلة زوجته (آل مخلوف) كل المناصب الحساسة ـ في القوات المُسلحة، والمُخابرات، والأمن العام والمكتب الثاني (مباحث أمن الدولة).
من ذلك أن شقيقه، رفعت الأسد، ظل الرجل الثاني في النظام عشرين عاماً، إلى أن أقصاه لصالح أحد أبنائه وهو باسل حافظ الأسد. وحينما قُتل باسل في حادث سيارة، غير معلوم تفاصيله الحقيقية، استدعت الأسرة الابن الثاني، وهو بشّار، الذي كان يدرس في لندن، للحصول على الدكتوراه في طب الأسنان. وادخله أبوه الكلية الحربية، حتى حصل على رُتبة عسكرية، أهّلته لأن يصبح ضابطاً، ثم رُقي بسرعة، إلى أن وصل إلى رتبة “فريق”!
وبالتالي حينما رحل الأب في أول يوليو 2000، اجتمع حزب البعث الحاكم بعد أسبوع، وضم بشار الأسد إلى الحزب، ثم عيّنه أميناً للحزب، ثم مُرشحاً عن الحزب لرئاسة الجمهورية. وهكذا أصبح الأمر “جملوكياً” ـ أي “جمهورية” اسماً، و”ملكية” وراثية فعلاً. ووقتها لم أجد اسماً مُناسباً لتلك الظاهرة الجديدة إلا مُصطلح “الجملوكية”. ولأنني رأيت أن تلك المُمارسة المُبكرة يمكن أن تتكرر في عراق صدام حسين (لابنه عُديّ) وفي ليبيا مُعمّر القذافي (لابنه سيف الإسلام)، وفي يمن علي عبد الله صالح (لابنه أحمد)، وفي مصر حسني مُبارك (لابنه جمال). فقد سارعت بنشر مقالين حول هذا الأمر ـ أحدهما في صحيفة “الحياة” اللبنانية، والآخر في مجلة “المجلة” اللندنية. وفي اليوم الذي ظهرت فيه هذه الأخيرة، ووصلت إلى الأسواق المصرية، كان هو نفس اليوم (الجمعة 30/6/2000) الذي صدر فيه أمرين من رئاسة الجمهورية. الأول، لجمع كل نسخ مجلة “المجلة” من الأسواق المصرية. والأمر الثاني، هو إلقاء القبض عليّ، وإيداعي الحبس، ثم مُحاكمتي وسجني لسبع سنوات، بعدة تُهم، ثبت بعد ذلك في محكمة النقض، أنها كانت مُلفقة، فحكمت ببراءتي في (مارس 2003) من كل التهم، بل وأدانت المحكمة النظام لتلفيقه تُهماً هي التي أساءت لسُمعة مصر في الخارج.
لذلك فقد أحسست أن ربيع الديمقراطية العربية الذي بدأت نسماته في تونس، ورياحه في مصر، لتنتقل إلى البحرين واليمن والأردن، لن يكتمل هذا الربيع إلا مع تغيير الأوضاع في سوريا. فمنها بدأت أول الانقلابات العسكرية على الحكومة المدنية المُنتخبة، ولا بد أن نودّع في سوريا آخر هذه الحكومات المُغتصبة للسُلطة. ومن هنا وجبت التحية للثوار في مدينة “دِرما” بجنوب سوريا. فكما بدأت انتفاضة تونس في الأطراف بالجنوب (بوعزيز)، فكذلك انتفاضة سوريا.
وإذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.
وعلى الله قصد السبيل
semibrahim@gmail.com
سوريا: لكي يكتمل ربيع الديمقراطية العربية
اقول لهذا المثقف الذي لن نسمع به ابدا بان سورية لم يرفرف العلم الاسرئيلي فيها مثل باقي الدول العربي وسوريا لم تركع لامريكا واسرائيل ولم تمسح الاحذية لهم سوريا دائما صاحبة موقف حر مشرف لكل الدول العربية ونحن نفتخر بها اينما كن في العالم يكفي ان اوبا يجلس على الانترنيت ويتفرج على شعب سوريا وهويقف الى جانب قائده لان مسيرات التايد للرئيس السوري هي التي اكدت للعالم كله مدى محبة الشعب السوري للقائد العظيم الدكتور بشار الاسد وكفاكم بعبعا
سوريا: لكي يكتمل ربيع الديمقراطية العربية
6- لم تطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل منذ العام 1974 وليس 1973. 7- لم يكن حافظ مجرد ضابط في سلاح الجو عند قيامه بانقلاب 1970 بل كان وزيراً للدفاع. 8- أصبح حافظ رئيساً لسوريا في العام 1971 وليس 1970، فبعد انقلابه في 1970 وضع أحمد الخطيب رئيساً شكلياً لبضعة أشهر. 9- انتفاضة سوريا بدأت في مدينة “درعا” وليس “درما”. شكراً للأستاذ سعد الدين ابراهيم على تضامنه مع الشعب السوري ولا يعتبرن تصحيحه نوعاً من التقليل من شأنه.
سوريا: لكي يكتمل ربيع الديمقراطية العربية
جميعكم مثل النعام.
لسوريا حدود مع إسرائيل.
حتى هذه الحقيقة تخافون من كتابتها؟
تبا لكم!
سوريا: لكي يكتمل ربيع الديمقراطية العربية مع إحترامي الشديد للسيد سعد الدين إبراهيم وإحترامي لمكانته بين المثقفين العرب إلا أنني أعجب لإرتكابه بعض الأخطاء التاريخية والجغرافية التي لا يجدر لواحدٍ مثله أن يقولها. 1- لبنان لم يستقل في أوائل الأربعينات بل في أواسط الأربعينات 2- الكويت لم تنل إستقلالها في أوائل السبعينات بل إستقلت في 1960 3- ليس لسوريا حدود مع السعودية 4- نظام البعث يحكم سوريا منذ أوائل الستينات وليس السبعينات إلا إذا أراد أن يتحدث عن نظام الأسد 5- صلاح جديد قام بإنقلاب في 1966 لكنه لم يصبح رئيساً للجمهورية والذي أصبح رئيساً هو نور الدين الأتاسي وشكراً… قراءة المزيد ..