المقال التالي هو في الواقع مداخلة “محي الدين قصّار” في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي. ولا بد من إبراز أن “منتدى جمال الأتاسي”، الذي كان آخر واحة للنقاش في دمشق، قد حلّ ضيفاً على “الفيسبوك” بعد أن منعته السلطات السورية واضطهدت المشرفة عليه، “سهير الأتاسي”. “الشفاف” يشجع قراءه على متابعة نشاطات “المنتدى” الغنية، وعلى المشاركة فيها بإبداء آرائهم أو تعليقاتهم. وهو أقل ما يمكن القيام به لدعم السوريين الشجعان الذين يناضلون حتى لا تصبح سوريا بلاد الصمت المطلق.
*
ملاحظة في المنهج خلال هذه الندوة الحوارية: أحب أن أبين أولا أنني هنا سأحاول جهدي أن أصيغ معضلات نتشارك في حلها. فأشجع السادة المشاركين أن يكونوا مشاركين أكثر من أن يكونوا متلقين. فالوسيط الحواري الذي بين أيدينا يفتح المجال للجميع بالتدخل دون أن يقاطع أحدنا الآخر كما هي الحال في النقاش الصوتي، أما في النقاش الكتابي هنا فالمقاطعة لا تتم إلا عندما تأخذ بعض التدخلات فرعا صغيرا أو فكرة جانبية وتشط به عن الغرض الأصلي للنقاش فبالتالي لا يتم مقاطعة الصوت المتكلم بل يتم مقاطعة الفكرة. لذلك قد يشعر البعض أنني أملك أجوبة على بعض هذه الأسئلة، ولكن أهمية الاجوبة تنبع من أن نصل لها معا لا أن تلقى عليكم مني. فالجواب الذي نصل له معا أهم بكثير من الجواب الذي قد نتلقاه من المحاضر. وهذا لا يتم ما لم يكن لدينا نقاشا تتصاعد في الأفكار إلى مراحل أعلى.
لوضع الصورة المبسطة اولا دعونا نتساءل: ما الذي يجعلك سوريا، أو ما الذي تعنيه بأنك سوري؟ ما الذي يعرّف وجودك ووجود جارك معك كوحدة سياسية؟ قد يبدو هذا السؤال للبعض أسخف من أن يحتمل الإجابة عليه، فهو يأت للبعض وكأنك تسأله أن يعرف الشمس أو الهواء وكأنها بديهية من البديهيات، ولكن تظهر صعوبة المشكلة بمجرد أن تننظر الإجابة عليه.
ومن أبسط الأجوبة التي تسمعها: السوري هو المولود في سورية، فهو ينقلنا مباشرة إلى مصطلح أكثر هلامية؛ فعن أي سورية نتكلم؟ هل نتكلم عن سورية التي تضم درعا والقامشلي واللاذقية؟ هل لواء اسكندرونة والجولان جزء منها؟ هل ما يجمعني بماردين يختلف عما يجمعني بانطاكية؟ هل مصلحة أهل درعا تعلو عندي عن مصلحة أهل أربد؟ وهل سكان الزبداني يختلفون عن سكان شتورا؟
ففكرة “الجامع السياسي” هي التي تتوقف عليها الإجابة على كثير من هذه الأسئلة. وهي لا تعني أن يُجاب عليها فقط عند المفكر والمثقف، بل تعني أيضا قدرتها على القبول في الشارع العادي وعلى توظيف هذا القبول نحو بناء مجتمع سليم متوازن. كنت قد أعددت بحثا حول الجامع السياسي ولكنني أعتقد أنه سيكون طويلا جدا لعرضه هنا في هذا المنتدى لذلك سأقوم باختزال بعض النقاط التي أراها مناسبة، والوسيط الذي بين أيدينا يسمح لنا باتباع طريقة جديدة في الحوار نوعا ما تساعدنا على ان ينخرط الجميع بمثل هذا الموضوع.
فأهمية فكرة “الجامع السياسي” تقع في الشرخ الكبير بين ما يجب أن يكون وما هو كائن، والتقريب بينهما عملية شائكة ومعقدة، فهناك الكثير من الأمنيات التي نحملها لا تمت إلى القدرات بصلة.
لذلك دعونا نسأل أولا:
ما هو “الجامع السياسي” في سورية؟
ولندع كل مشارك منا يقدم فقرة أو فقرتين حول ما هو برأيه هذا الجامع وكيف يعرفه؟
ولكن قبل كل شئ دعوني أبين لكم نقطة خطيرة ستعيننا جميعا على صياغة السؤال والإجابة في المستقبل؛ “فالديمقراطية” ليست هي ولن تكون هي الجامع السياسي. فإذا استثنينا “الديمقراطية” من عملية الإجابة على مثل هذا السؤال تبيّن لنا صعوبته. ولا سيما للمنخرطين في صفوف المعارضة الديمقراطية. فبإمكانكم تبني الديمقراطية على أنها “الجامع السياسي” وعليكم أن تبينوا كيف تكون الديمقراطية.
طيب، أعتقد أنكم تشعرون بأنني نصبت لكم كمينا فكريا، وهذا ليس بالقضية السيئة؛ إذ أننا الآن أمام معضلة وحلها سيكون نتيجته إيجابية على الجميع، ولكن لا تتوقعوا أن أعطيكم إياها مطبوخة خالصة، (تبسم) فطبيعة هذا المفهوم توجب علينا أن نبنيه أكثر من أن نشتريه، وقد يكون أوضح في ذهن البعض منا من ذهن الآخر ولكن مقاربة تعميمه هي المشكلة. لذلك اتباع مثل هذه المقاربة بالنقاش وطرح الموضوع قد يكون جزءاً من تسهيل الحل.
دعونا الآن نعود إلى الديمقراطية، (وكلامنا هنا لا يحمل أي اشارة سلبية عنها) فخلافا لكثير من الفكر الشائع لا تعتبر الديمقراطية فكرة ولا تنتمي لفلسفة من الفلسفات، كما أنها ليست ولم تكن في يوم من الأيام وفي أي بلد من البلدان فكر “سياسي جامع”، فالديمقراطية هي وسيلة او بمعنى الأداة لمعالجة إدارة البلاد وتنظيمها، فنحن نقول بأن الغرب متطور جدا بالمعلوماتية، فالمعلوماتية فكرة ولكن شراء حاسوب أمريكي لا يعني أبدا حيازتنا على المعلوماتية. فالحاسوب هو أداة خلقتها المعلوماتية. وبامكاننا القول بأن العرب متقدمون جدا في الهندسة المثلثية واللوغاريثمات، وهذه فكرة ولا يمكن بناء حاسوب دونها، فهل أدت عند العرب لإنشاء الحاسوب كوسيلة!
ونحن بامكاننا أن نعتمد الديمقراطية كوسيلة لإدارة البلاد، (وقد يكون علينا أن نعتمدها في ذلك) ولكنها لن تتمكن من أن تصبح فكرة “سياسية جامعة” لأنها بطبيعتها كأداة لا يمكن أن تصفو إلى هذه المرتبة، ومن يحاول أن يحملها كل هذه الهموم فإنه في الواقع يظلمها، ولكي أبيّن نقطتي هنا، ما علينا إلا النظر إلى بلدان أوربا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، لقد تبنّت معظمها الديمقراطية بكل حذافيرها، فهل استطاعت هذه الديمقراطية ان تمنح أو تشكل “فكرة سياسية جامعة”؟ أم أن هذه البلدان تجزأت إلى وحدات صغيرة كما حدث في يوغوسلافيا وأن بعضها اختفى كما حصل في ألمانيا الشرقية. فإذا كانت الديمقراطية أداة الحكم فهل يكفي لنا أن نملك أداة الحكم لتشكيل مجتمع او أمة؟
فـ”الجامع السياسي” يفهمه السياسي بشكل يختلف عن المثقف ويختلف عن الإنسان العادي فالسياسي أكثر ميلا لربطه بآليات الحكم، وبالتالي نجد أغلب الذين يجيبون على السؤال ب”الديمقراطية” هم من السياسيين. أما بالنسبة للمثقف (أو المفكر) فالجامع السياسي هو الفكرة الجامعة التي يمكنها أن تولد كيانا سياسيا واحدا يستقطب المجتمع حوله داخليا ويسمح بقيام تعريف لحدود هذا الكيان وتشكيل امتداداته مع الجوار خارجيا. وبذلك يميل المثقف في تعريفه الى عالم الفكر والعقدية (لكي لا نقول العقيدة) في مقاربته للجامع السياسي. أما المواطن العادي فهو لا يمكنه أن يرى الجامع السياسي كما يراه الآخران، فالجامع السياسي يعيش في ضمير المواطن أكثر من عيشته الواعيه، فقد يجهل ما هو ولكنه يستشعره في اللاشعور، وقد لا يراه بعينيه ولكنه مستعد للموت في سبيله، وقد لا يلامسه بأصابعه ولكنه يدور في داخل هذا الجامع كما يدور السمك في مائه ينمو ويكبر وقد يسره من وقت لآخر ملامسة حدوده والقفز في الهواء فوقه ولكن سرعان ما يعود إليه.
فلو عدنا إلى الأبعاد الثلاثية الماضية لوجدنا أن الجذر الأصلي لهذه الأبعاد قائما في البعد الفكري أو ما يولده المفكر أو المثقف، فنحن في بحثنا عن جامع سياسي نحتاج لبعد فكري فلسفي يستطيع أن يُكَوّن الأمة وراءه، هذا البعد هو شرط ضروري لأي جامع سياسي ناجح، فعليه:
أولا: أن يكون من البساطة ما يسهل الإجماع حوله ويمكن من رؤيته من دون عناء،
ثانبا: أن يحمل من العمق والشمولية ما يجعله في حالة خصوبة مستمرة قادرا على التوليد من خلال حركة المجتمع عبر الزمان والمكان فلا تستنفذ خصوبته الولادات المتعاقبة التي تتطلبها نهضة المجموعة الإنسانية المعنية (لم أشأ أن أقول الامة هنا لما تحمله من أرث لم نتفق عليه بعد).
ثالثا: أن يكون قادرا على تعريف الفرد وجمهور الأفراد وأن يجعل غير الجمهور من الأفراد لا يقلون انتماءً عن الجمهور منهم.
رابعا: في الوقت الذي يحمل تعريفاً للذات فإنه لا يقطع مع محيطه الدولي ويسمح للمجموعة بالتمايز دون صدام وبالتعارف مع الآخر دون ذوبان.
فسادتي الكرام: هل تمكنت من إثارة حفيظتكم كفاية لتفكروا في هذه الأبعاد الثلاثية للجامع السياسي. فإن فعلت، فهل منكم من يستطيع أن يقل لنا ما هو الجامع السياسي الذي يفكر به وكيف ينطبق على هذه الأبعاد الثلاثية التي نتكلم عنها. وأين يقع المصدر الفلسفي لهذا الجامع السياسي من شروطه الأربعة؟
فهناك جامع سياسي يطالب به كل منا انطلاقا من خلفيته الحزبية والسياسية وبغض النظر عن صلاحيته، وهناك جامع سياسي قائم، وهناك جامع سياسي ممكن، وهناك جامع سياسي مطلوب لأنه الحل الأنجع لمشاكل ولادة مجتمع جديد، وأرجو أن نتمكن على الأقل من الوصول معا لتصنيف هذه الجوامع السياسية التي ستطرحونها للوصول لما هو الأقرب للمطلوب.
للنقاش حول الموضوع:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=12836&uid=396445105531
سوريا: الجامع السياسي بين المطلوب والممكن (مداخلة في “منتدى جمال الأتاسي”) ياليت قومي يتعلمون ويعقلون نعم ياليت قومي يتعلمون ويعقلون. ان حتمية تطور الامم او البلدان تعتمد على مدى تطبيق العدل اي علم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان اي الى الضمانات الاجتماعية والمادية التي يعطيها المجتمع لكل فرد وهذه كنتيجة حتمية لتطبيق العدل. ان مشكلة النظام السوري انه يؤمن بالصياح والعنف والنفاق لكي يعمي البصر والبصيرة اين تحرير الجولان التي انسحب الجيش منها بدون قتال ان تاريخ النظام السوري هو دعم الميليشيات الارهابية والمافيات المخابراتية كما لوحظ في سوريا ولبنان والعراق من اجل قتل الشعوب المسكينة التي هي ضحايا هذة الاحزاب… قراءة المزيد ..