في مقالته الافتتاحية ليوم أمس، كتب مدير القدس العربي، المحلل الفلسطيني المشهور عبد الباري عطوان، حول سوريا: “علّمتنا التجارب السابقة أن هناك مؤشرين أساسيين لاقتراب الحروب في منطقتنا، الأول هو تضخيم الحديث عن أسلحة الدمار الشامل العربية، والثاني اهتمام أمريكي وأوروبي بالسلام العربي ـ الاسرائيلي”. وضع عطوان عنواناً صريحاً لمقاله: “سوريا: التدخل العسكري يقترب”. فهل يقترب حقاً؟ خلال عشرين شهراً، غيرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استراتيجيتيهما وحتى لهجتيهما مرات عدة، لكنهما، على الأرض، أوضحا دائماً إرادتيهما بعدم التدخل العسكري في سوريا. لا المذابح ولا استفزازات بشار الأسـد ولا طلب المجلس الوطني السوري ولا ضغوط حلفائه في المنطقة (كالعربية السعودية وقطر) تمكنت من إقناع أوباما بملاءمة الخيار العسكري المباشر. أكثر من ذلك، حمله الخوف من الجماعات الجهادية (واحدة منها، جبهة النصرة، أدرجت للتو في قائمة المنظمات الإرهابية) على أن يكون شديد الحذر والشح عندما يتعلق الأمر بإيصال الأسلحة إلى القوى التي تقاتل نظام بشار الأسـد الديكتاتوري. في هذا السياق، يبدو التشكيل الأخير للتحالف الوطني للمعارضة، بديلاً عن المجلس الوطني السوري، يبدو سعياً إلى الجمع بين معارضي المنفى، قليلي الحجم التمثيلي، والثوريين على الأرض، وذلك تهيئةً لحل سياسي متفارض عليه وفي الوقت نفسه تفادياً للتهديدين الأكثر إخافة للجميع وخاصةً لإسرائيل: التهديد بسوريا ديموقراطية والتهديد بسوريا سلفية.
هل تغيَّر شيء ما؟ بخلاف صدام حسين، يمتلك نظام الأسـد فعلاً الأسلحة التي تُنسَب إليه، لكن من الصعب جداً الاعتقاد بأنه سيستخدمها ضد الشعب السوري، ليس لأنه عاجز عن ذلك من الناحية الأخلاقية ولكن لأن من المستحيل، كما يقول المعارض منذر خدام، السيطرة على تأثيرات غاز السارين والمواد الكيميائية القاتلة الأخرى التي، وفق قناة ان بي سي، قد تكون أصبحت محمَّلة في طائرات القوى الجوية السورية. وكذلك من الصعب الاعتقاد بأن الولايات المتحدة والناتو يقلقهما مصير الشعب السوري أكثر مما يقلق بشار الأسـد. لكنها أيضاً ليست مقنعةً تماماً، من وجهة نظري، أطروحة عبد الباري عطوان، والتي بموجبها يتم الاستعداد للتدخل العسكري أمام احتمال أن يستعمل النظام السوري هذه الأسلحة ضد إسرائيل. بموجب هذا التحليل، فإن تدخل الناتو سيسعى لتحييد هذه الأسلحة دفاعاً عن الدولة الصهيونية وكخطوة أولى في إطار تصعيد عسكري سيكون هدفه إيران.
المؤشرات، في كل الأحوال، ماثلة أمامنا الآن. نشر صواريخ الباتريوت في تركيا، وتصريحات ملك الأردن، و خاصةَ التحذير الدعائي حول الاستخدام الوشيك للأسلحة الكيميائية من قبل النظام، يجب أن تقلقنا جميعاً. بعض القراءات الساذجة في داخل المعسكر المناهض للامبريالية تدعي أن الولايات المتحدة لديها دائماً خطة واحدة فقط –وكان لديها دائماً الخطة نفسها- التي ستنفذها بطريقة ملتوية أو مباشرة، نوعاً ما، في وقت ما. لكن المؤكد هو أن الامبريالية لديها في كل لحظة خطتان أو ثلاث أو أربع أو خمس خطط مختلفة، وهي ملزمة بضبط ساعة العالم باستمرار، في حدود صراعاتها الداخلية الخاصة، وبعضها أيديولوجية جداً، وبما يتناسب مع علاقة القوى على الأرض. بعض هذه الخطط يمكنها علاوة على ذلك أن تقوم بعدة وظائف متزامنة، مثل المُدية السويسرية، فلديها، إذا جاز التعبير، حد سياسي وآخر عسكري. المشهد في الشرق الأوسط هو بطبيعة الحال مشهد حربي ويسعى ربما، قبل كل شيء، للضغط على الأسد بالضغط على حلفائه في إيران وروسيا (التي انتهت هيلاري كلينتون من الاجتماع مع وزير خارجيتها في دبلن). لكننا لا نستطيع أن نستبعد أن يؤدي مشهد تدخلي مسرحي إلى تدخل حقيقي.
ما الذي تغيَّر؟ الأمر بسيط جداً: لا تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً أبداً من أجل منع هزيمة أولئك الذين يُزعَم أنها تساندهم ولكن من أجل منع انتصارهم بوسائلهم الخاصة. حتى أشهر قليلة خلت كان الجيش السوري الحر ولجان التنسيق المحلية يطلبون تدخلاً خارجياً، اليوم لا يريدونه. حتى أشهر قليلة خلت، كان الانتصار العسكري للجيش السوري الحر يبدو بعيداً أو مستحيلاً، اليوم يبدو قريباً جداً. خبران سيئان للناتو. الأحداث تجري بسرعة كبيرة. كيف تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يكونا متأكدين من أن تحالف المعارضة المشكل حديثاً هو من سيدير المرحلة الانتقالية ما بعد الأسـد؟ الاحتواء والإغواء يغذيان توازناً دقيقاً جداً يمكن أن ينهار في أية لحظة.
ترجمة: الحدرامي الأميني
موقع: ريبليون
http://www.rebelion.org/noticia.php?id=160416&titular=armas-qu%EDmicas-e-intervenci%F3n-de-la-otan-