قبل سنة بالضبط: عشرات الآلاف من اللبنانيين المغتربين يلتئم شملهم في وطنهم الأم. بيروت محمومة. بالكاد تلتقط أنفاسها. العيون برّاقة تلتمع فرحا وقلقاً.
معقول؟ معقول اننا نجونا، بعد كل هذا الاستشهاد؟ نعم… كلا. بيروت عشية «الوعد الصادق» كانت غير مصدّقة عيونها: كانت موعودة بصيف جمع الأهل. وفي حدْسها ما يستشعر هشاشة بريق الوعود.
وإذا بـ «الوعد الصادق» يحقق توجساتها. ثلّةٌ من «رجال الله»، حسب تعبير «حزب الله»، يتجاوزون الخط الازرق، يقتلون ثمانية جنود اسرائيليين ويخطفون اثنين. ثم يصرخون «مقاومة… مقاومة….». فيتحول لبنان بعيد ذلك الى كتلة من نار وحديد. يحار أهله من المقيمين والمغتربين كيف يلمْلمون انفسهم ويفرّون من جحيمهم المفاجىء… من هذه الموقعة التي بدا فيها «الحزب»، قائدها، وكأنه أعدّ لها منذ دهر.
«الوعد الصادق»؟ خارج المعاني الاستراتيجية والاقليمية لهذه العملية، والتي من المعيب الافصاح عنها، لم يكن هناك من معنى محدّد لها، معنى محلي، يتصل بالأهالي، او بـ»الجماهير». من أجل السجناء؟ او شبعا؟ وبعد ست سنوات على التحرير؟ هذه كلها ليست معاني. وان كانت كذلك فانها تتناقض مع العملية نفسها. بل هي، اي شبعا والسجناء، لا تستأهل نقض «وعد» آخر، قطعه نصر الله، امين عام «حزب الله»، لأطراف الحوار الوطني، بأن «الصيف هذه السنة لن يكون ساخنا»!
لم يكن هناك من معنى للعملية. فوقع الاختيار على «الوعد الصادق». وقد بني هذا المعنى، مثله مثل كل «فعالية» من فعاليات «الحزب»، على اكتافنا نحن اللبنانيين. أي ان «الحزب» صاغ معنى لحربه العبثية هذه، غارفاً من جعبتنا، وليس من جعبته. كيف؟
في «الوعد» أولا. الذين وعدوا بـ»صدق» هذه العملية هم الذين «قرروا» القيام بها. هم الخمسة عشر «خبيراً» الذين قال عنهم نصر الله انهم هم الذين قرروا العملية. (مقابلة مع نيو تي في بعد «الوعد الصادق» بأشهر). خمسة عشر خبيرا لا نعرف لا وجوههم ولا اسماءهم، هم الذين قرروا نيابة عن كل الباقين. (اللهم الا هؤلاء «المسؤولين» وعائلاتهم والمقربين منهم. وقد هُرّبوا من الجنوب والضاحية عشية العملية…). وهؤلاء «الباقون» هم الذين تكبّدوا الدمار والموت والنزوح ثمنا بخساً لـ»وعد» سوف يصدق. ليس هو «الحزب» الذي تكبّد، بالرغم من شهدائه الذين لا يُحسبون. اصلا هؤلاء الشهداء هم من بين «الباقين»، الذين لا يقررون، بل ينفذون، والأحلى لهم في الموت. «الحزب» صار اقوى بعد العملية «الصادقة». صار اقوى لأنه «إنتصر». و»الانتصار» ايضا من صنع الجماهير الغفيرة. كيف تمكّن «الحزب» من هذا «الانتصار»؟ كيف استدخله الى عقول «جماهيره»؟
بالارهاب اولا. الارهاب «المحلي». وهذه عينة عنه عشية «وعده الصادق»: نصر الله يهدد الذين يطالبون «الحزب» بنزع سلاحه… بقطع اللسان والرأس… وقد صفّق له حينها بعض عتاة القوميين واليساريين في مؤتمر لنصرة هذا السلاح تحديداً. ارهاب الميليشيا المسلحة المنظمة أشد تنظيماً. التنظيم الغامض حامل السلاح تحت شعار «حماية لبنان وجنوبه». من دون هذا السلاح نموت، ومعه نموت. وفي كل الحالات يتحقق «الصدق»… بموتنا الحتمي. الموت هنا ايضا مصادَر خدمة لـ»الوعد».
ولا تنسى التلفزيون، صانع الوعد وصانع صدقه. اليوم الثاني لانتهاء الحرب، شاشة «المنار» تغطي عودة الجنوبيين «المظفّرة» الى ديارهم المدمّرة وهم يلوّحون بإشارات النصر. وعشية هذه العودة كانت بيروت خالية تماما من البنزين…
وهنا نبلغ صفة «الصادق». ما الذي يصنع «صدق» الوعد؟ ليس تحقيقه بالطبع. أي: ليس تحقيق الوعد هو الذي يبيّن صدقه. ما الذي يصنع الصدق اذاً؟ تصديق «الجماهير» له. طالما صدّقته بقي الوعد صادقا. بل طالما صدّقت بأن الوعد تحقّق بـ»نصر استراتيجي وتاريخي»، فسوف يخلّد صدق الوعد. اليك نموذجا عما أعني: في الموقع الالكتروني لـ»حزب الله» الآن، هناك تصويت على سؤال محدّد: «الاعتداء على اليونيفيل مخطط أميركي لإسقاط لبنان أمنياً؟». كانت الاجابات: 95.93 في المئة قالوا: نعم. مقابل 4.07 في المئة قالوا: لا. ونسب مماثلة تُستحضر، عن ديكتاتورية صريحة، بوعيها النوعي. فما بالك في ظل في ظل ديكتاتورية غير مفصحة عن نفسها، تتلاعب بالديموقراطية والقوانين والمؤسسات الدستورية! ما «نوع» الوعي الذي تتوسلّه؟ الوعي الذي يصنع صدق الوعد بالنصر، لا معالم الانتصار نفسها. (يجدر بالباحثين إعادة قراءة كل المحاجّة التي اقامها «الحزب» لإثبات «النصر». وسوف تلفتهم رثاثتها، وتخوين كل من لا يصدقها. وتخوين غير المصدّقين بـ»النصر». واما أكثرها مدعاة للتسلية فهي الاستناد الى صحافة العدو و»الاجانب» المساندين لـ»حق الشعوب في تقرير مصيرها»).
«حزب الله» مثله مثل اية قوة من بيننا، مستقوية وصاحبة غلََبة. انه «الحزب الخالد». الحزب القدر. الحزب الذي لا يطاله اي حساب. الحزب الذي ينهب عقول جماهيره بجعلها رهينة قرارات خمسة عشر خبيرا سريا. لا نعرف وحوههم ولا اسماءهم ولا كيفية عملهم. فكيف نحاسبهم؟ اما العلنيون بينهم، فقد تشبعت الارض بقدستيهم، وهم لا يطالهم الا التصفيق والافتداء.
و»الحزب» بذلك عاد فأنشأ التقسيم المعتاد للعمل وللأدوار: اقلية الاقلية؛ خمسة عشر خبيرا، اي ان نسبة 0.0004 في المئة من الشعب اللبناني (اذا حسبنا عدده اربعة ملايين)، تقرر لنا الموت، وهي محمية منه، بصفتها صاحبة الشوكة. وأكثرية، هي الجماهير العريضة لـ»الحزب» تعبَّأ وتنظم وتصفق وتفتدي… فتعطي هي بنفسها صك البراءة للمتسببين لها بهذا الموت. صك البراءة من الكذب. صك الانتصار على العدو من دمها ولحمها وارزاقها ومستقبلها… فضلا عن دماء وارزاق الذين لا يصدقون «الوعد الصادق».
صدق «الوعد الصادق». كل الذي مرّ على لبنان بعد عام على اطلاقه وحتى الآن ما زال يثبت المزيد من «الصدق». وما ساهم بإضفاء المزيد من هذا النوع من «الصدق»، هو خبث بعض جماعة 14 آذار وحساباتهم الضيقة والواسعة. فهم ما زالوا حريصين على التعاطي مع الموضوع الرئيسي، اي سلاح «الحزب»، بالكثير من التردّد والمواربة تحت شعار انه يُبحث في طاولة الحوار الوطني… ما ساهم بظهور «النظير»: سلاح «فتح الاسلام» و»القاعدة».
فما العمل بعدما تولّد عن «الوعد الصادق» كل هذه الاصناف من «الانتصارات»؟ وعلى رأسها إختراق الارهاب لمواطن نفوذ «حزب الله» الامني؟ أم ان «الحزب» متواطىء مع هذا الارهاب؟ ام انه لا حيلة له امام مراكز قراره؟ وفي كل الحالات فهو فاقد للحرية. حرية الأحرار اقصد. لا حرية الانتحاريين. وفاقد الحرية لا يؤتمن على شيء، حتى على نفسه.
الحياة
سنة على «الوعد الصادق»: محكّ التحقّق والإنجاز
لا حرية لا استقرار سياسي واقتصادي الا بزوال حزب الشيطان الارهابي وزعيمه الشيطان حسن لعنة الله الذي دمر لبنان خدمة لملالي قم و…
سنة على «الوعد الصادق»: محكّ التحقّق والإنجاز
في حال غياب القانون هل يجوز لاي مواطن ان ينصب من نفسه مسؤولا
سنة على «الوعد الصادق»: محكّ التحقّق والإنجاز
What is missing in your paper is the fact that the Israelis have actually waged this war…..and they did not achieve the objectives set for their war.