حاوره: محمد الشامي
ما رأيك في التسوية التي جرت في الدوحة وهل تشكل حلا جديا للأزمة اللبنانية؟
إتفاق الدوحة نقل لبنان من أزمة إلى مرحلة إنتقالية وليس حلا بالمعنى الحقيقي. إذ أنه لأول مرة منذ سنتين أو ثلاثة، منذ خروج الجيش السوري، خرج البلد من الأزمة لكن من دون بلوغ مرحلة الحل النهائي، وبالتالي يمكن اعتبارها خطوة إيجابية ومهمة لأنها طرحت المشاكل وعلى رأسها سلاح حزب الله.إتفاق الدوحة كرّس أو أنهى أسطورة سلاح المقاومة. القرار 1701 حظر استخدام هذا السلاح في الجنوب وهذا الإتفاق حظر استعماله في الداخل، هذا جانب مهم ويطوي صفحة كان يجب أن تنطوي في العام 2000 مع تحرير الجنوب.إذ استخدم السلاح بين العام 2000 والعام 2005 للإبقاء على قدرة سورية على ممارسة سياستها الشرق أوسطية عبر لبنان، ومنذ العام 2005 حتى العام 2008 استخدم السلاح في محاولة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الاستقلال، هذا انتهى اليوم.
هناك جانب آخر هو اعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية. ليس الإتفاق إنهاء للأزمة لكنه نقل البلد إلى مرحلة انتقالية، والمعركة مستمرة اليوم لكن في أطر المؤسسات الدستورية.
كيف ستتعاملون مع السلاح في المرحلة القادمة، لأن السلاح مازال مع حزب الله؟
المبدأ واضح وهو استيعاب السلاح ضمن المؤسسة العسكرية. كان حزب الله يعتبر السلاح مقدسا، واليوم طرحت طريقة استيعاب هذا السلاح في المؤسسة العسكرية وسنتعامل معه على اساس انه سلاح مؤقت وعلى أنه لم يعد له من مبرر وأصبح عبئا على حامليه. بكل حال من الأحوال، الهجوم على بيروت جريمة بحق البلد لأنه أقفل مئة سنة من الصراع المسيحي الاسلامي وأسس لصراع اسلامي اسلامي. هذا الانجاز الفظيع في حاجة إلى علاج سريع لأنه لم يعد هناك أحد خارج اطار حزب الله مقتنع بالسلاح. هناك إجماع لبناني على انه سلاح ميليشياوي استخدم خارج اطار المقاومة والحكمة تقتضي من حزب الله ان يعطي الاولية اليوم لمنع تفاقم الصراع المذهبي الذي ساهم في تأسيسه، لان لبنان عاش مئة سنة في صراع لا نريد أن نؤسس لمرحلة شبيهة به. أولوية العلاج ليست في السياسة بل أولا على مستوى أخلاقي، والمدخل إليها هو الاعتذار من الناس في أي مكان وأي موقع، واصلاح الإساءة يكون بقول ما قاله الفلسطينيون والكتائبيون في المرحلة الأخيرة، أي الإعتذار المتبادل. هكذا نمنع تفاقم الفتنة، وهذه مسؤولية حزب الله وكل المرجعيات في المجتمع: إنهاء هذا الموضوع. وحزب الله استفاق في الفترة الأخيرة على حجم الاساءة التي سببها لنفسه في وضع كل اللبنانيين وكل العالم العربي ضده، بعدما كان الطرفان معه في عدوان تموز من العام 2006، وهذا على مستوى الناس وليس على مستوى الأنظمة. هناك شيء فظيع قام به الحزب بقرار غير مدروس ما يدل على ان الحزب لا علاقة له بالبلد ولا يعرف تركيبته. يجب طي هذه الصفحة في جانبها المعنوي والأخلاقي.
هل هناك معطى أو متغير دولي سهل اتفاق الدوحة، وما هو هذا المعطى الدولي الاقليمي؟
السؤال هو التالي: ما هو المعطى الذي دفع حزب الله للقيام بالانقلاب؟ كأنه كان يستبق حدوث أمر ما، لأن المحاولة إنقلابية بالمعنى الدقيق للكلمة، من السرعة واحتلال العاصمة وإسكات وسائل الإعلام. في ساعات معدودة، حاصر السراي وأسقط بيروت وحاصر وليد جنبلاط في منزله وسعد الحريري في منزله، وأقفل طريق المطار والمطار وكان يريد إسقاط الجبل بسهولة من دون معارك، ومن ثم كان يريد من وراء ذلك إسقاط لبنان كله، وهذا الأمر لم يحصل لأكثر من اعتبار منها صمود الجبل، الذي دفع الحزب إلى الوقوف أمام خيارين إما الدخول في حرب أهلية أو إيقاف الإنقلاب. هذا جانب يرتبط عند الحزب بكل الأزمة التي يعاني منها منذ اغتيال عماد مغنية، لأنه بعد أشهر من اغتياله لا تحقيق ولا من يحزنون في سورية، والرئيس السوري برّأ الأنظمة العربية. وبالتالي من يمكن أن يغتاله إما سورية وإما إسرائيل والطرفان يتفاوضان. أذكر هنا أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اضطر للتراجع عن كلامه في خطابه قبيل الإنقلاب، بعد أسبوع. إضافة الى التركيز على المطار منذ اليوم الأول، إذ اعتبر حزب الله، في ظل شكوك فيما يتعلق بعلاقته مع سورية، ان المطار يبقى شريانه الوحيد إلى الخارج، وإقالة وفيق شقير يمكن أن يقطع هذا الشريان. السؤال الكبير هو: ماذا حدث لكي يكون في الامكان إجراء ما جرى في الدوحة؟ الأمر المهم هو ان القطريين تحركوا كأنهم الناطقين باسم كل العرب والمجتمع الدولي. تحركت قطر باسم النظام الاقليمي العربي بدعم خارجي بالتأكيد، وبحكم علاقتها السابقة فاوض المحور السوري الإيراني باسم هذا النظام. المفاجأة ان الفريق المعارض ترك بيروت وفي ذهنه أنها جولة إضافية من جولات الجامعة العربية الفاشلة، وفوجىء هناك بالمقترح القطري وبمضمونه الذي طرح السلاح للنقاش لا بل صار موضوع السلاح طاغيا. الفارق بين ورقتي بيروت والدوحة هو السلاح. إما إنجاز الثلث المعطل فليس انجازا في ظل عدم القدرة على الاستقالة وفي ظل التعطيل على الارض من دون الثلث المعطل. يبقى مسألة قانون الإنتخاب، وهذا ليس مطلب المعارضة فقط، إذ طرح الموضوع من باب التعطيل، لأن المعارضة لا تريده فعلا، وإلا لأنجزته في العام 2005 حين طرح، وقال يومها الرئيس نبيه بري انه اذا كان قانون الالفين مريضا فإن قانون الستين هو الموت. ويومها اتخذ المجلس الاسلامي الشيعي الاعلي موقفا ضده. إعتراضي على قانون القضاء هو انه لا يسمح ببروز قوى جديدة، الأمر الذي كان يسمح به قانون فؤاد بطرس من باب وإن ضيق. ما حصل ليس إنجازا لأحد. حين خاضت المعارضة المعركة فهي خاضتها لتعطيل الحوار ولإعطاء العماد ميشال عون مادة لاستنفار العصبية المسيحية. القانون لم يحسم حتى اليوم، ويمكن القول اننا ربحنا ربحا سلبيا في إفشال المشروع الآخر وليس في تثبيت مشروع وطني. المهمة طويلة. وهناك شيء آخر هو اننا شهدنا في اليومين الأخيرين حيوية لافتة للمجتمع اللبانني وهذه الحيوية تشكل الفارق، لانها غير موجودة عند المعارضة، والأخيرة نتيجة ما جرى انتهت من الطوائف الأخرى غير الشيعية. وظاهرة ميشال عون انتهت وفي الطائفة الشيعية هناك نقاش جدي حول اسباب هذه المعركة وأين وضعت الطائفة. هناك مرحلة جديدة بدأت في لبنان، ولا شك ان التطورات الحاصلة في المنطقة قد تسرعها أو تبطّئها، لاننا صرنا مسرحا فعليا لما يجري في المنطقة، سلبا وإيجابا.
أين سمير فرنجية في انتخابات العام 2009 وكيف تتوقع التحالفات في الشمال؟
المعركة في كل لبنان مرتبطة ببند واحد: هل يمكن توحيد المعركة تحت شعار سياسي واضح؟ هذه المعركة لا تخاض بالمنطق القديم، منطق الزبائنية السياسية. في السياسة أتصور أن وضعنا جيد في كل مكان، ومن اليوم حتى الانتخابات يمكن احداث تغيير جدي على مستوى القاعدة الشعبية في المناطق كلها.
هل ترى امكانية حلف رباعي جديد يقطع الطريق على قوى جديدة في الطوائف طالما أن قوى من خارج الطوائف لن تبرز؟
التحالف الرباعي أعطى مبررا لميشال عون ليكون ضحية ويربح حيث ربح. لا أرى تحالفا رباعيا جديدا، يومها أعطى حزب الله مؤشرات إلى استعداده للدخول في الدولة، وقوى الرابع عشر من آذار اعتبرت انها تقوم بمهمة وطنية في هذا التحالف، يومها كنا نتجنب ذكر القرار 1559 لنبقي على العلاقة مع الحزب بعد خروج السوريين، وقلنا ان الصفحة انطوت، لكن المشكلة بدأت حين طرحت المحكمة الدولية في مجلس الوزراء في أواخر العام 2005. اليوم بعد ما جرى لا مجال لقيام حلف رباعي جديد بل ستخاض المعركة الإنتخاببية على اساس تحالف سياسي واضح، ولن نسمع بعد اليوم بأننا سننجز الإنتخابات ثم نتواجه لاحقا. هذا كان أحد أخطاء قوى الرابع عشر من آذار ونتيجة هذا التحالف كانت كارثية، ومثلها إعطاء الوزارات الشيعية كلها لحزب الله وحركة أمل وكذلك إعادة انتخاب الرئيس بري رئيسا لمجلس النواب من دون اتفاق على طريقة إدارته المجلس. المشكلة أن قوى الرابع عشر من آذار ظنت أن المعركة انتهت، وكان سمير قصير يطالب بانتفاضة داخل الانتفاضة لأن قوى الرابع عشر من آذار لم تكن ترى ان المعركة طويلة وان مطلب جماهير الرابع عشر من آذار ليس الخروج السوري فقط بل أيضا أمور أخرى لم تنجز بعد.
نقلاً عن “اليسار الديمقراطي“