يقف لبنان هذا الشهر رئيساً للعالم في مجلس الأمن الدولي، لبنان المليء بتناقضاته، من السياسة إلى اللباس وما بينهما من تنوعات، تحوّل خلال شهر واحد إلى صوت التعقل في العالم، وينهي رئاسته للعالم عبر الخطاب الذي يلقيه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في مجلس الأمن الدولي خلال فترة الرئاسة اللبنانية للمجلس، هناك سيمثل اللبنانيين واحداً من شبابهم يحمل في جعبته خوفاً على بلده من الحروب وما تجلبه من بؤس وفقر وآفات اجتماعية، عينه على دول العالم كيف ستمنع الحرب عن بلده، وقلبه في المناطق اللبنانية التي تعيش المعارك الديموقراطية من انتخابات بلدية واختيارية، وتتحضر لصيف واعد سياحياً، بعيداً عن وعود طبول الحرب وقرقعاتها.
هناك في نيويورك يرفع الحريري خطابه واضحاً منبهاً لكثير من القضايا التي تهم اللبنانيين في حياتهم كما العالم أجمع، فيما يطل الأسبوع الرابع والأخير لاستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية متهادياً كمشية الحجل، حيث ينهي هذا ”الويك اند“ انتخابات بلديات واختيارية منطقة الشمال، بعدما أنهى الأسبوع الماضي معركة الجنوب وحواسمها، من مدينة صيدا إلى صور وقضاء النبطية وما بعد بعد صريفا وملكة جمال أميركا ريما فقيه. تميزت معركة الجنوب عن غيرها أن هناك طعمة زائدة فيها غير الزوائد الموجودة في معارك غيرها، ففي صور ارتفع كيلو السمك الطازج في مقاهي منطقة ”الجمل“ إلى النصف زائد واحد ويقال إلى ثلثي الأكثرية في بعض مطاعمها البحرية. أما في صيدا فكثر الحجيج إلى صناديق الاقتراع فارتفع الضجيج من البعض الذي أحس ”بالسخن“، وبدل أن يتحول هذا الضجيج إلى أداة تخويف للناس، انقلب بسرعة إلى دافع أكبر للتصويت بكثافة للائحة التي فازت والتي تمثل في أركانها وجوه المدينة.
النبطية كانت على مواعيد مختلفة من هزّ ”البدن“ أحياناً وهزّ عصا الخليوي في أحيان أخرى، فالمدينة التي حاولت العائلات فيها الاعتراض خلال اليوم الانتخابي على ”بعض“ الأسماء المطروحة في اللائحة التوافقية سمعت صوت ”العين والعقل والفهم“ وانسحب من حاولوا القيام بتظاهرة خوفاً مما سمعته الأذن قبل أن تراه العين.
هذا عدا عن أماكن أخرى شهدت أيضاً تحركات مختلفة قرى مثل أنصار ودير الزهراني وكفررمان والزرارية وطورا وصريفا والكفور وعيترون والكثير غيرها من بلدات استمر أبنائها على ترشحهم رغم أن الضغوط لم تكن تحتمل، فيوم السبت الذي سبق الانتخابات شهد أكبر عملية انسحابات منها لدى المحافظ والقائمقام مع ان المهلة القانونية لسحب الترشيحات كانت انتهت قبل أيام. فالطبيب الذي داوى الناس في منزله والمقاوم لمدة أربعين عاماً في عيترون أحمد مراد استطاع أن يجبر أصحاب لائحة التوافق على استعمال كل ما أمكن من شعارات سياسية وغير سياسية ”لمقاومته“ ومنعه من الفوز مع لائحته، خسر الفوز ”أبو علي“ ولكنه نجح باثبات أن أكثر من ثلث أبناء البلدة رفضوا كل أنواع الشد والرخي والضغوط بكل أشكالها وانتخبوه مع لائحته، رافضين كما في بلدات كثيرة في الجنوب الأوامر التي تنزل من فوق، وممنوع النقاش فيها.
إذاً، معركة البلديات التي كانت إنمائية عائلية في المجتمعات الصغيرة كالقرى والبلدات، أرادت قوى الأمر الواقع تحويلها إلى معارك سياسية لاثبات الولاء، ”أنت معنا أم مع الآخرين“ والآخرين تحولوا في اليومين الأخيرين إلى عدو، لم تدرك هذه القوى أن ظروف المعارك النيابية تختلف عن ظروف المعارك البلدية ولا تشبهها بشيء، فيما تغييب العناصر الشابة عن اللوائح الائتلافية ساهم أيضاً في صعود صوت شبابي جديد رافض للأسماء المسقطة بالمظلات.
انتهت معركة البلديات في الجنوب، ولم تنتهي ريما فقيه من فرحتها بانتخابها كأجمل شابة في أميركا، حملت معها صورتها الجميلة وأفكارها كفتاة مثقفة وطرحت ما تريد قوله، فاستمع لها الأميركيون وانتخبوها أجملهن لهذا العام، هي حاضرة بجسدها الجميل وشعرها الأسود، وابتسامتها اللبنانية بجد، فيما نحن في لبناننا نبعد الشباب عن المشاركة عبر القوانين وعبر أحزاب ترفض الدم الجديد، وتبعده خوفاً من قدراته، وتحوله إلى وقود لمعاركها ان استطاعت.
نتحضر لانتهاء البلديات واختيارييها، ولا تنتهي قرقعة الحروب من حوالينا، صواريخ ”سكود“ و”أس 300“ و ”غراد“، وسفينة ”ساعر“ تدمر في البحر، ومطار بن غوريون وغيرها من تسميات من كثرة ما استعملوها على أذان اللبنانيي تطبعت في ذاكرتهم كأنها تمهّد لتطبيع يصل البحر الأحمر من كثرة الدماء بالبحر الميت بالقصف المدفعي والصاروخي والبحر المتوسط أم المعارك بالبحر الأسود حزناً. قرقعة الحرب فوق رؤوسنا، سلاح وقرارات دولية، و”يونيفيل“ وسواح على أول الصيف يسمعون أخبارنا المليئة بالمفاجآت وما بعد المفاجآت، حضروا أنفسكم لموسم اللحم بعجين مع اللبن إن أردتم أو حضروا مهرجاناتكم الصيفية لموسم الكبة حيث تثبت البلديات الجديدة أنها قادرة على تغيير الكثير من حياة اللبنانيين.
في ضجيج الحروب، نسمع صوت مفاوضات تسير في مكان بعيد، وحق السؤال غير ممنوع كما أظن، لأن الممنوعات تزيد مع الوقت وتتراكم لتصير أكثر من المسموحات، هنا لا نريد أن نزعج فلان، وهناك لا نريد أن نخدش موقف علان، فيما هنالك يقف أحد ما ينتظر أوامر الإرادات العليا. يأتي السؤال منطقياً، هل هذه قرقعة المفاوضات أم قرقعة السلاح الحديث الذي سيجرب فينا؟ أم أن الأمر لا يعدو سوى زيادة الضغوط على زيارة من هنا ولقاء من هناك؟. هنا لا أحد يدري مثل الجار الذي يظن أن الكرة الأرضية حصرت اهتماماتها في الوقت الحالي بمخططات السيطرة على ”المونديال“ الكروي، فبالنسبة إلى هذا الجار ”الفهيم“، إن المفاوضات التي قادتها البرازيل مع إيران حول ملفها النووي كان المقصود فيها إجبار دول العالم على القبول بانتصارها بنهائي كأس العالم، نجحت البرازيل في ادخال إيران بالتفاوض، ولكن دول الخمس زائد واحد لا تريد اعطاء الكأس للبرازيل، ولذلك كما يقول الجار، تحاول هذه الدول فرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإيرانية لإفشال المخطط البرازيلي…
إذاً لننتظر نتائج المونديال، علنا نستطيع أن نجزم صحة توقعات وتحليلات الجار، حول الكرة التي تطير من قدم إلى قدم.
oharkous@gmail.com
(الصورة من “السفير)