سلطان بال زميل أبحاث في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، وعالم أنثروبولوجيا اجتماعية، أمضى سنوات في العمل الميداني في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. تشمل اهتماماته البحثية الرئيسة الديناميكيات الاجتماعية والسياسية للحركات الإسلامية والمنظمات الخيرية الإسلامية العابرة للحدود الوطنية. في رصيده كتب، ومقالات، ودراسات سياسية حول السلفية في لبنان والكويت، وتطوّر وبنية الشبكات السلفية العابرة للحدود الوطنية في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأوروبا، كما صدر كتابه Salafism in Lebanon: Local and Transnational Movements (السلفية في لبنان: الحركات المحلية والعابرة للحدود الوطنية) في شهر نيسان أبريل من العام 2018 عن منشورات جامعة كامبريدج. أجرت “ديوان” مقابلة معه في بداية شهر حزيران/يونيو الحالي لمناقشة مقال نشره مؤخراً في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بعنوان “هدية الأمير: سلفيو الكويت يدفعون الثمن بعد منحهم دوراً أكبر”.
مايكل يونغ: كتبتم مؤخّراً مقالاً لكارنيغي حول الدور المتغيّر لسلفيي الكويت. ما المحاججة الأساسية فيه؟
سلطان بال: نجح ما يسمّى بالجماعة السلفية (المعروفة أكثر باسم جمعية إحياء التراث الإسلامي)، وهي أكبر مجموعة في المشهد السلفي المتنوّع في الكويت، في اغتنام الفرصة التاريخية بعد ظهور حركة احتجاج كويتية في العام 2011 لتعزيز مكانتها في مؤسسات الدولة. وهي حقّقت هذا من خلال إبراز الولاء للنخبة الحاكمة والوقوف في وجه المعارضة. مع ذلك، وكما أجادل في مقالي، فبسبب منطق النظام السياسي في الكويت، المبني على مفهوم فرّق تسُد، يمكن للجماعة السلفية الاحتفاظ بهذه المواقع مؤقتاً، إلى حين سقوطها من حسابات الحكومة.
يونغ: أين يقف المنافسون الكبار للسلفيين، أي الإخوان المسلمين، اليوم، بعدما كانوا مدعومين سابقاً من عائلة الصباح الحاكمة؟
بال: انهار شبه التحالف بين الحكومة وبين الإخوان المسلمين، غداة حركة المعارضة في الكويت، والتي استُلهمت جزئياً من الانتفاضات العربية. إذ انحاز الإخوان إلى المعارضة، وانضمّوا إلى التظاهرات التي أسقطت حكومة ناصر المحمد الصباح في صيف العام 2011. كما حصدوا عدداً كبيراً من المقاعد في الانتخابات التي تلت ذلك والتي جرت في شباط/فبراير 2012، إلى جانب السلفيين الحركيين وأولئك الذين انفصلوا عن الجماعة السلفية، حيث فازت المعارضة بـ34 مقعداً من أصل 50. ومع ذلك، عندما حلّت المحكمة الدستورية هذا البرلمان بعد أربعة أشهر وفرض الأمير ما يُسمّى بقانون “الصوت الواحد”، الذي غيّر النظام الانتخابي ومنح كل كويتي صوتاً واحداً بدلاً من تعدّد الأصوات الذي كان مُعتمداً في السابق، قاطعت جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب غيرها من أحزاب المعارضة، انتخابات كانون الأوّل/ديسمبر 2012. ونتيجةً لذلك، أصبح البرلمان الجديد مؤيّداً للحكومة بشكل شبه كامل.
عاقبت النخبة الحاكمة جماعة الإخوان المسلمين بسبب انضمامها إلى المعارضة، من خلال تجريدها من مواقع سياسية وإدارية عدّة. على سبيل المثال، كانت الجماعة تسيطر على بيت التمويل الكويتي، وهو أوّل مصرف كويتي يعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، منذ تأسيسه في العام 1977. وفي العامين 2013 و2014، استبدلت غالبية كوادر الإخوان بموالين للحكومة. وحدثت ديناميكيات مماثلة في عدد من المؤسسات الأخرى، مثل وزارة الشؤون الدينية، ومؤسسة الأوقاف العامة الكويتية، وبيت الزكاة، حيث خسر الإخوان المسلمون مناصب قيادية عدّة. وعلى الرغم من إنهاء الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، التنظيم السياسي للإخوان المسلمين، مقاطعتها للانتخابات ومشاركتها في انتخابات العام 2017، إلّا أنّ التقارب الكامل مع النخبة الحاكمة لمّا يحدث بعد.
يونغ: تقولون إنّ الجماعة السلفية كانت المستفيد الأكبر من احتجاجات العام 2011. هلّا وصفتم الديناميكيات التي حدثت؟
بال: شهدت الجماعة السلفية تشرذماً داخلياً بسبب تباين الآراء بشأن احتجاجات العام 2011. وفي حين أنّ كثيرين، مثل السياسي السلفي المخضرم خالد سلطان بن عيسى، غادروها وانضموا إلى المعارضة، وقف أولئك الذين بقوا داخلها في صفّ الحكومة. وقد أدان السياسيون والعلماء في الجماعة التظاهرات، مستخدمين منصات عدّة تتراوح بين المساجد والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، لوسمها بالثورة ضدّ الحاكم المسلم الشرعي. فوفقاً للمنطق الديني لهذه الجماعة، تعدّ التظاهرات وحتى الانتقادات العلنية لرئيس الدولة ممنوعة ما لم يكن مرتدّاً بشكل صريح.
وعندما قاطعت المعارضة، بمن فيها الإخوان المسلمون والسلفيون المُلتفّون حول خالد سلطان بن عيسى، انتخابات العامين 2012 و2013، استلحقت النخبة الحاكمة الجماعة السلفية، وكوفئ السلفيون الموالون بتعيينهم في مناصب مرموقة في مؤسسات الدولة. على سبيل المثال، حظي علي العمير، أحد السياسيين السلفيين البارزين، بمناصب وزارية، كما استبعدت الحكومة عدداً كبيراً من أعضاء الإخوان المسلمين من القطاع المؤسّسي الإسلامي في الدولة، مثل وزارة الشؤون الدينية، وبيت الزكاة، والأمانة العامة للأوقاف، قبل أن تملأ مواقعهم بموالين، بمن فيهم أعضاء الجماعة السلفية إلى جانب بعض الأفراد غير المنتسبين إليها.
يونغ: ما مدى اتساع علاقات الجماعة السلفية خارج الحدود الوطنية؟
بال: أقول إنّها واسعة جدّاً. فقد مكّنت ثروة الكويت المادية الجماعة السلفية من تأسيس منظمة خيرية كبيرة لديها مشاريع إنسانية ودعوية في أكثر من 50 دولة حول العالم. شيّدت هذه المؤسّسة، التي أُطلق عليها اسم جمعية إحياء التراث الإسلامي، آلاف المساجد والمدارس والعيادات والمستشفيات في الشرق الأوسط وآسيا. علاوةً على ذلك، فإنّ العلماء الذين ينتمون إلى الجماعة نشروا الدعوة في مروحة واسعة من البلدان، من هولندا إلى إندونيسيا.
كذلك، أدّى اكتساب المناصب في مؤسسات الدولة إلى زيادة قدرة السلفيين على إقامة شبكات عابرة للحدود الوطنية بسبب ازدياد منافذهم إلى الموارد المالية. على سبيل المثال، دُعي العديد من السلفيين في الخارج إلى المشاركة في المؤتمرات التي ينظّمها بيت الزكاة، والتي تجمع الزكاة وتستثمرها في مشاريع خيرية داخل الكويت وخارجها. وفي الوقت نفسه، كان يمكن للسلفيين إطلاق المزيد من المشاريع الإنسانية والدعوية في الخارج. مثلاً، لاحظتُ أن جمعية إحياء التراث الإسلامي وسّعت شبكات مدارسها في أوساط الأقلية المسلمة في كمبوديا، وأنشأت مستشفى لهم في السنوات القليلة الماضية. وقد تم تمويل هذا المشروع من قبل الدولة الكويتية والعديد من المنظمات الخيرية، لكن الجمعية تولّت تنفيذه.
يونغ: في نهاية المطاف، ما الذي يحمله المستقبل لسلفيي الكويت؟
بال: إنّ حقيقة بقاء الجماعة السلفية وثيقة الصلة بالحكومة دفعت العديد من الكويتيين إلى اتهامها بتركيز اهتمامها على مصالحها السياسية الخاصة على حساب النقاء الديني. وفي انتخابات تشرين الثاني نوفمبر 2016، لم ينجح التجمّع الإسلامي السلفي، وهو الذراع السياسية للجماعة السلفية، في الفوز بمقعد واحد حتى للمرّة الأولى منذ تأسيسه، ما سلّط الضوء على فقدانه شعبيته. في الوقت نفسه، لاتدوم التحالفات في الحياة السياسة الكويتية عادةً إلى الأبد. فقد يفكّ السلفيون تحالفهم مع عائلة الصباح الحاكمة يوماً ما، بينما يتقرّب الإخوان المسلمون مجدّداً من الحكومة، ما يؤدي إلى تهميش الجماعة السلفية سياسياً.
ربّما تكون النتيجة الإيجابية لاستلحاق السلفيين إضفاء الطابع المهني على أنشطتهم الإنسانية. فالتقرّب من الحكومة يعني أيضاً الخضوع إلى المزيد من الرقابة. وبما أنّ جمعية إحياء التراث تتلقّى موارد مالية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من النخبة الحاكمة، فمن المؤكد أنّ المتبرّعين سيواصلون متابعة سير الأمور لضمان استخدام أموالهم بشكل فعّال. ففي مشاريع جمعية إحياء التراث الإسلامي في كمبوديا على سبيل المثال، يتم التركيز بشكل متزايد على استحداث نظام تعليمي نوعي للأقلية المسلمة. كما تستخدم مدارس الجمعية معلّمين مهرة، يدرّسون مناهج الدولة الكمبودية إلى جانب التعليم الديني، مايخلق فرصاً للشباب الكمبودي المُسلم لإكمال دراستهم في أفضل جامعات البلاد، أو في الخارج ويصبحون مهنيين من الطبقة المتوسّطة.