سعيد حجاريان، محسن ميردامادي، بهزاد نبوي، احمد زيد آبادي، مصطفى تاجزاده، محسن امين زاده، عبدالله رمضان زاده، محسن صفائي فرهاني، محمد قوتشاني، محمد عطريانفر، محمد علي ابطحي، محمد رضا جلائي بور، فيض الله عرب سرخي،…. اسماء لا تتداعى فقط في الذاكرة، بل تستدعيها بقوة تلك الصور التي تنشرها الوكالات الايرانية للمتهمين بالثورة المخملية الذين تجري محاكمتهم هذه الايام في العاصمة الايرانية طهران.
من الذاكرة، عندما كانت الثورة الاسلامية الايرانية في اوج عنفوانها، وفي المرحلة التي كانت تواجه كما كبيرا من الرفض الدولي ومحاولات الاطاحة بها، كنا وكان الجميع في العالم الثالث المسكون بحلم الثورة والتغيير الثوري والمقاومة ومحاربة الامبريالية، يقبل من دون تردد او نقاش كل الاعمال التي تحدث في الداخل الايراني من اجل الحفاظ على الثورة وقيمها واهدافها، وكان الجميع يقبل من دون نقاش كل التهم التي توجه لاي معتقل والاحكام التي تصدر بحقه من قبل المحكمة الثورية الايرانية الاسلامية.
وقد وصلت الامور الى حد ادانة آية الله الشيخ حسين علي منتظري، نائب قائد الثورة وخليفته المفترض في قيادة الثورة بسبب اعتراضاته على بعض المحاكمات والاحكام الصادرة على بعض المعتقلين في سجون الثورة والتي انتهت باعدامهم جميعا، وقد تقبل معظم الذين يقفون الى جانب ايران في العالم، خصوصا في العالم العربي الموقف السلبي من منتظري والذي انتهى بعزله ولاحقا فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله ومنع اقرب المقربين له من رؤيته.
واذا كان التنظير الثوري ومنطقه على مدى التاريخ يحاول ترسيخ مفهوم “الثورة تأكل ابناءها”، الا اننا ما نشهده في ايران هو محاولة لأسلمة هذا المفهوم الذي كرسته التجربة الماركسية الستالينية في الاتحاد السوفياتي وكذلك التجربة الكوبية في التعامل مع تشه غيفارا، من خلال الحديث عن مفهوم جديد هو “تساقط الثوريين الاوائل وصعود ثوريين جدد”.
وينطوي هذا المسار الجديد على اشكاليات كثيرة والتباسات اكثر تعقيدا، حيث ان الثوريين الاوائل، ومن منطلق الحفاظ على تراث الثورة ومبادئها واصولها، يحاولون اليوم في ايران العودة الى الشعارات الاولى التي رفعت قبل الانتصار في العام 1979 وما فيها من ابعاد ديمقراطية وانسانية وحريات وتأكيد على دور الشعب في تحديد مسارات الثورة والدولة. وما تحاول ان تؤسس له هذه الشعارات من الخروج من منطق الثورة الى منطق الدولة الديمقراطية بكل مؤسساتها الدستورية والمدنية. في حين ان الثوريين الجدد، يحاولون التخلص من الارث الديمقراطي الذي تأسس مع قائد الثورة الراحل الامام الخميني والكتلة الاولى التي حملت المشروع معه، والاتجاه به نحو تحويل كل مظاهر العملية الديمقراطية الى مظاهر شكلية لخدمة هدف واحد يصب في اطار تعزيز الحكومة الدينية.
وعلى الرغم من كل الاعترافات التي ادلى ويدلي بها المتهمون في قضية التدبير للثورة المخملية ضد نظام الجمهورية الاسلامية والاقرار بالتهم التي توجه لهم في قاعات المحكمة هذه الايام، الا ان الهدف الاساس الذي يحاكمون من اجله يمكن في مكان اخر مختلف عما يدور الحديث عنه.
فسعيد حجاريان يعرف الكثير من التفاصيل عن قادة المرحلة الحالية من عمر الثورة وايران والنظام، فهو الذي قاد الحرب النفسية وعبأ الداخل الايراني خلال الحرب العراقية الايرانية، وهو الذي وضع الاسس الاولى لجهاز المخابرات الذي كان تابعا حينها لرئاسة مجلس الوزراء “نخست وزيري” وهو الذي اوصى بعدم تعيين (سعيد امامي) خلفا له بعد خروجه من وزارة الامن وبدء التنظير للمشروع الاصلاحي. وسعيد امامي هو الذي قاد عمليات الاغتيال للمثقفين والسياسيين بداية عهد محمد خاتمي في رئاسة الجمهورية والتي انتهت باعتقاله وانتحاره المدبر في سجن ايفين الشهير لطمس معالم الجهات التي كانت تقف وراءه.
لهذا السبب يحاكم سعيد حجاريان، اضافة لكونه كان من اول المنضمين للخلية التي قامت باحتلال السفارة الامريكية بعد ان اعلن الامام الخميني دعمه لعمل الطلاب وايد توجهاتهم السياسية. الى جانب انه تحول لاحقا وفي المرحلة الاصلاحية الى المنظر لهذه الحركة ومؤثرا في توجهاتها ما حدا بقوة التيار المتشدد الى تدبير اغتياله على درج مقر بلدية طهران عندما كان يشغل منصب نائب رئيس البلدية بداية عام 2000.
اما محسن ميردامادي، فانه يحاكم على مساهمته في قطع العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والقيام باحتلال السفارة الامريكية، وليس غريبا ان تسكت كل الاصوات المدافعة عن الديمقراطية والحريات وكل جمعيات المجتمع المدني في الولايات المتحدة الامريكية امام هذه المحاكمة، لان ميردامادي يعتبر رمزا ارهابيا لا بد من مجازاته على فعلته، وهذه المحاكمة قد تعتبر محاكمة غير مباشرة لمرحلة وجود الامام الخميني على رأس الثورة وقيادتها وتبنيه للتحرك الذي قام به هؤلاء الطلاب واطلق عليه اسم “الثورة الثانية”.
ويحاكم ميردامادي لانه اعاد النظر في بعض التصرفات التي حدثت في المرحلة الثورية الاولى واسلوب التعاطي مع المسائل الداخلية والخارجية، فرفض التضييق والحضر المفروض على حركة تحرير ايران، فذهب الى التحالف معها بعد توليه منصب الامين العام لحزب المشاركة، وقدم مراجعة موضوعية لما قام به من احتلال للسفارة الامريكية في طهران مع رفاقه السبعة الذي شاركوه في العملية والذين قدموا المراجعة ذاتها وانضموا الى التيار الاصلاحي وحزب المشاركة الى جانبه.
ويحاكم ميردامادي لانه قدم قراءة ديمقراطية لمفاهيم الثورة الاسلامية انطلاقا من الاسس التي وضعها الامام الخميني. وسعى لاعادة ترسيخها بعد ان شاهد محاولات جر الثورة والجمهورية الاسلامية بعيدا عن هذه المفاهيم.
ومن بين الوجوه التي تطل من داخل قاعة المحكمة تعلو فمها ابتسامة تحمل الكثير من المعاني والابعاد، وجه يحمل كل تجاعيد الثورة على محياه، انه بهزاد نبوي، القيادي في منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية، هذه المنظمة التي كان عناصرها ينشطون قبل الثورة في مقارعة النظام الملكي تحت اسم ” منصورون ” والذين تولوا المهمة الاولى في الدفاع عن الثورة بعد انتصارها امام مؤامرات ضربها، وشكلوا النواة الاولى لما بات يعرف لاحقا باسم “حرس الثورة الاسلامية” والتي تولت قيادة عمليات المواجهة في الحرب العراقية الايرانية وقدمت خيرة شبابها وقادتها.
ويحاكم بهزاد نبوي لانه آمن بموقف الخميني بعدم السماح “للعسكر والحرس بالتدخل في الشؤون السياسية” وحتى يكون مع زملائه مثل مصطفى تاجزاده وفيض الله عرب سرخي الذين يحاكمون الى جانبه، بعيدين عن هذه الشبهة قرروا الاستقالة او الخروج من حرس الثورة وتشكيل “منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية” التي كانت تعتبر الاكثر تشددا في ثوريتها ومواقفها، لتكون الشكل الذي ينظم عملهم السياسي والبقاء اوفياء لمن احبهم واحترمهم قائدهم الخميني.
ويحاكم محمد جلائي بور لان جده قدم ثلاثة من ابنائه شهداء في الدفاع عن الثورة، ولانه كان الطالب المميز والمتفوق في دراسته الجامعية ورفض الانضمام الى التعبئة الطلابية الجامعية ” البسيج ” وفضل ان يكمل دراسته العملية في بريطانيا على نفقة والده الذي يعتبر ابنا لاحد كبار تجار بازار طهران، واحد نشطاء التيار الاصلاحي وحزب المشاركة.
ويحاكم محمد قوتشاني، لانه شاب عصامي تحول الى محط انظار الحصافة في ايران والداخل، ولانه استطاع ان يكون محور النشاط الصحفي الاصلاحي وهو في سن الشباب.
يحاكم قوتشاني لانه تخرج من “نازي اباد” احد الاحياء الفقيرة في طهران، حيث كان يشاهد شبابا ثوريين يحملون هم الثورة والدولة على عاتقهم مثل سعيد حجاريان واكبر كنجي وعماد الدين باقي وكتب عنهم وعن تجربتهم ورافق كل التحولات الثورية والسياسية التي عايشوها ومروا فيها.
القائمة تطول، لكن الخوف من ان يقول هؤلاء كل ما يعلمونه وما يعرفونه، وان يسمع الناس ما يقولونه، فقد تحولت المحكمة الى محكمة غير علنية، لان القائمين عليها يدركون بان كل ما يقوله هؤلاء وما سيعترفون به لن يصدقه الناس، وان الاعترافات لا تمت للحقيقة بصلة، حتى وان وصلت الاعترافات حد ادانة انفسهم، وهذا ليس غريبا على الجمهور الايراني الذي عايش وعرف مثل هذه الاعترافات والمحاكمات في عمر الثورة وبات يدرك انه اخطأ في تصديق المحاكمات التي جرت في الماضي. وليس عجيبا ان تزداد شعبية الاشخاص الذين قدموا اعترافات امام المحكمة مثل محمد علي ابطحي ومحمد عطريانفر بدل ان تتراجع على الرغم من كل التهم التي توجه لهم.
في المقابل، وعلى الرغم من جميع محاولات تلميع صورهم، فان الجهات التي تقف وراء الاحداث الاخيرة والمحاكمات لم تستطع كسب ثقة الشارع الشعبي المؤيد لها باستثناء الجماعات المستفيدة , وتعرض موقع الحرس الثوري الذي كان ينظر له بين كل اوساط وتنوعات الشعب الايراني بنظرة احترام كونه يشكل ذراع ايران القوية والخط الاول للدفاع عن بلدهم.
وقد انتجت الاحداث الاخيرة ازمة لم تكن في حسابات الجهات التي وقفت وراء عملية اعادة محمود احمدي نجاد الى السلطة، وفضحت مشروعها الرامي الى الغاء الجمهورية الاسلامية بما تمثله من بعد ديمقراطي ومؤسساتي لصالح عملية تحويل ايران الى دولة خلافة اسلامية – ثيوقراطية تقوم على البعد الالهي والغيبي في اختيار قادتها، وتنزيل المشاركة الشعبية في هذا الاختيار الى الحد الادني والشكلي بحيث يكون دورها فقط الاستفتاء على هذا التعيين، واذا ما كان رأيها مطابقا لما يراه المختار يقبل به، اما اذا كان اختيارها غير مطابق فان المختار له حق التدخل وتصويب المسار باعادة اختيار الانسب حتى ولو كان على حساب رأي الشعب وانتخابه.
hassanfahs@hotmail.com
سلام… أصدقائي الخونة: بمناسبة محاكمة المتأمرين للقيام بثورة مخملية في ايران
بعض التأخر لا يقبل الغفران