إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الهلاكُ الذي لحق بحزب الله على يد إسرائيل، بدءاً من الهجوم التكتيكي بـ”البيجر “،مروراً باغتيال حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وكل القيادات العليا والوسطى والدنيا في الجهاز العسكري للحزب، زعزعَ هذا الأخير! بل زعزع أيضاً التسميات السياسية والاجتماعية التي كانت تتجاذب حوله طوال السنوات الـ15 الماضية على الأقل: بِرّي، وجنبلاط، وعون، وميقاتي، ،وفرنجية، وغيرهم الكثير. إلى جانب المُمَوّلين، والصحفيين ومحطات التلفزة والإذاعات، وشبكات الاتجار بالمخدرات والمهربين، وكل العصابة الشائنة العميلة لإيران في لبنان.
مع ذلك، فإن سقوط نظام الأسد هو القَشّة التي قَصمَت ظهرَ البعير.
فسوريا ليست فقط معزولة الآن جغرافيًا عن لبنان، من حيث طرق التهريب إلى حزب الله (سواء في السلاح أو المخدرات)، بل وأصبحت دولةً معادية لإيران، ناهيك عن كل وكلائها في لبنان والعراق واليمن، وكل مكان. كما أن نهاية نظام الأسد دشنت عهدًا جديدًا لإعادة بناء الدولتين، أي لبنان وسوريا، اللتين كان مصيرهما متشابكًا بشكل وثيق منذ بداية الانتداب الفرنسي في عام 1920.
هذا التطور الحاسم يفتح البابَ لترشيحات جديدة لرئاسة الجمهورية!
من يمكن أن يكون هؤلاء المرشحون؟
نحن نفترض أنهم قد يكونون من قيادات حزبية، مثل سمير جعجع وسامي الجميّل، أو مستقلين مثل فارس سعيد.
قبل الخوض في صفات ونقائص كل واحد منهم بشكل موضوعي، لا بد أن نقول ونكرر ونعيد ونؤكد أنه إذا تم انتخاب أي من هؤلاء الثلاثة، يجب أن يعتبر الآخرون أنفسهم منتصرين بمن فيهم القائد العام للجيش! فهم ليسوا خصوماً أو منافسين، بل عاملين من أجل هدف سيادي مشترك!
سمير جعجع هو المرشح الأكثر بروزاً في اللائحة، لأنه يترأس حزباً يمثل المشاعر العميقة للمسيحيين في لبنان، ومواقف تيار 14 آذار، ولأنه دفع ثمناً شخصياً بسجنه 11 عاماً وحقق نجاحاً سياسياً كبيراً بما في ذلك إحدى أكبر الكتل النيابية. كما أن قُربَهُ من السعوديين، ومن السياسات الأمريكية في ظل إدارة ترامب، إضافة إلى أن أداء وزرائه في الحكومات السابقة يبعث على الأمل في النزاهة واحترام سيادة القانون. غير أن جعجع ارتكبَ خطأ فادحاً في دعمهِ لرئاسة عون، وفي تأييده لما يسمى القانون الانتخابي، وفي كونه متحمساً جداً لتولي رئاسة الجمهورية إلى درجة إلغاء الآخرين ولو كلاميا، واستعداده ربما للقيام بتسوية مع خصوم حركة 14 آذار السابقين للقبول به!
سامي الجميّل هو المرشح الأكثر انتعاشاً بسبب شبابه وطاقته وحيويته ولأنه، بعد انزلاقه في خطاب الاحتجاجات ضد الفساد في 2019-2020، أعاد توجيه اهتمامه وتركيزه على معارضته لحزب الله ولسيطرته على المؤسسات الحكومية في لبنان. وهو أقل خبرة من المرشحين الآخرين، ولكن ربما تكون هذه سمة إيجابية لأنه لا يملك الكثير من المشاكل والسوابق السياسية. أن خطابه الوطني ينقصه الكثير. فهو يخاطب الطوائف الأخرى في لبنان، لكنه لا يتمتع بالكاريزما التي كان يتمتع بها عمُّهُ الراحل “بشير” الذي، رغم أنه كان مكروهاً من معظم النخب السياسية المسلمة آنذاك، إلا أنه استطاع أن يستميلها ويعيدها إلى مشروع الدولة اللبنانية.
فارس سعيد هو الخيار الأكثر حكمة، لأنه يمثّل وعيَ حركة 14 آذار، وبفضل موقفه الصَلب من انتخاب عون (الذي كلَّفَهُ خلافَه مع سعد الحريري وسمير جعجع)، ومعارضته الشرسة لحزب الله والهيمنة الإيرانية على لبنان (التي كلفتهُ تهديدات مستمرة لحياته). وكذلك، دفاعُه الدائم والمستمر عن اتفاق الطائف الذي كلفه عزلته عن الجماهير المسيحية التي خاب أملها في شركاء حركة 14 آذار السابقين من المسلمين والدروز، الأمر الذي دفع قسماً منها لتفضيل الفيدرالية المنفردة إن لم يكن الانفصال عن بقية البلاد. إن خطابه الوطني والعروبي الذي يفتقده معظم السياسيين المسيحيين، وموقفه الثابت من القرار 1701 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي واتفاق الطائف، هو ما يتطلبه الوضع الجديد. فخبرته السياسية ومزاجه الهادئ واختياره الحكيم لكلماته ومواقفه هو ما تتطلبه الظروف الراهنة.
وقد تكون معارضته الشرسة لحزب الله، وأحياناً لبِرّي، قد كلفته علاقاته مع الطائفة الشيعية التي كانت ترى في مرحلة ما أن أي هجوم على حزب الله وبِرّي هو هجوم على الطائفة نفسها. لكن بعد خَلعِ هذه الطائفة الرايةَ الصفراء لصالحِ العلمِ البناني ، بات ممكناً لهذه الطائفة أن تحتضن مرشحاً لم يكن يعارض إلا الموقف السياسي للأحزاب الشيعية وليس الشيعة.
كل هؤلاء المرشحين، بمن فيهم قائد القوات المسلحة، يشكلون قفزة إلى الأمام، وتغييراً نوعياً عن المؤسسة القائمة. وبعضهم يبُشر بالأمل والتفاؤل بمستقبل لبنان أكثر من غيرهم، لكنهم جميعاً يسيرون في نفس اتجاه قوس الديمقراطية.
فارس سعيد