أنا واحد من المعجبين ببرنامج الاتجاه المعاكس الذي تقدمه قناة الجزيرة رغم تحفظي على بعض من حلقاته ورغم حيرتي في معرفة توجه معد البرنامج الأستاذ/ فيصل القاسم، فالرجل أحياناً يبدو أصولياً رجعياً، وأحياناً يبدو علمانياً تقدمياً، ومرات يبدو قومياً ومرات أُخر يبدو ليبرالياً، ولكنه يبدو سعيداً دائماً عندما يتعرض أي ضيف ليبرالي لعملية امتهان في برنامجه.
في الأسبوع الماضي استضاف البرنامج لواء شرطي مصري متقاعد وفي المقابل كان هناك معارض تونسي مقيم في باريس وللأسف فانني لا أتذكر أسماءهما وكان سؤال الحلقة هو هل تقوم الشرطة العربية بواجبها في خدمة المواطنين أساساً أم أنها أصبحت أداة قمع تستخدمها الأنظمة العربية لإخضاع شعوبها؟
والإجابة على هذا التساؤل لا تحتاج إلى أي نوع من الفراسة أو عالم صواريخ حتى أن 95% من المشاهدين صوتوا في اتجاه أن الشرطة العربية أصبحت أداة قمع للشعوب بالأساس وحتى نكون منصفين فان درجة القمع والامتهان التي يتعرض لها المواطن من قبل أفراد الشرطة تختلف من بلد عربي لآخر، ومن خلال زيارتي لكل البلاد العربية تقريباً أستطيع أن أقول أن مصر وسوريا يتنازعان على المركز الأول في قائمة الدول العربية التي تشتهر أجهزة الشرطة لديها بالفساد واستغلال النفوذ وانتهاك القوانين والتعذيب وامتهان المواطن البسيط.
وقد كانت حلقة الاتجاه المعاكس التي أشرت إليها برهانا على هذا، فالضيف المصري كان في منتهى العدوانية والشراسة وهو يتجادل مع المعارض التونسي حتى أنه هدده على الهواء مباشرة بقطع لسانه واتهمه بالعمالة وشكك في قواه العقلية وطلب منه أكثر من مرة أن يخرس.
والمؤسف أن المعارض التونسي كان مهادناً أكثر من اللازم وبدا خائفاً إزاء شراسة الضابط المصري، والأكثر أسفاً من كل هذا أن الأخ فيصل القاسم لم يحاول حماية ضيفه أو أن يطلب من الضابط أن يلتزم بآداب الحوار، بل أنه لسبب ما بدا أيضاً خائفاً ولم يحاول أن يستفز الضابط المصري كما هي عادته مع كل ضيوفه بل أنه كان في منتهى الأدب والوداعة، وكان حريصاً دائماً على أن يناديه بسيادة اللواء، بينما كان اللواء يناديه بـ “فيصل” دون ألقاب.
ولك يا عزيزي القاريء أن تتخيل المواقف التالية :
1- إذا كان الضابط المصري بهذه الشراسة والعدوانية وهو على الهواء مباشرة فكيف سيكون سلوكه وهو يتعامل مع معارض بعيداً عن الأضواء؟
2- إذا كان الضابط يتحدث بهذه الطريقة الفوقية وهذه اللغة وهو ضابط متقاعد فكيف كان حاله وهو ضابط عامل؟
3- إذا كان الضابط يدافع عن كل الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة بكل هذا الحماس بعد أن ترك الخدمة ولم تعد له مصلحة مباشرة في الدفاع عن نظام الحكم الحالي في مصر فكيف كان حاله وهو بعد في الخدمة وله مصالح شخصية مباشرة؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة سوف توضح لنا حال جهاز الشرطة في بلادنا هذه الأيام. وعودة إلى البرنامج فقد فشل المعارض التونسي في الإجابة على سؤال لماذا أصبحت معظم الشعوب العربية تكره أجهزة الشرطة لديها؟ وإجابتي أنه ليس بسبب قيامها بهذا الدور القمعي لأننا جميعاً نعلم أن أفراد الشرطة لا يمكنهم عصيان أوامر القيادة السياسية لالتزامهم بما يسمى بالانضباط العسكري ونعلم أنه لا حيلة لهم في هذه الوظيفة القمعية ولكن الشعوب تكره جهاز الشرطة بشكل عام بسبب قناعة منتسبيه بأنهم فوق القانون وفوق أي مساءلة وهم يتعاملون مع المواطنين على هذا الأساس، بل أن أغلبية منتسبي هذا الجهاز باتوا يؤمنون أن تطبيق القانون عليهم هو نوع من العار والامتهان لمكانتهم وهذا ليس بغريب في مجتمعات تقاس فيها واجهة الشخص بمدى قدرته على تحدي وتجاوز كل القوانين. وفي الحالات القليلة التي يطبق القانون فيها على شرطي قام بتعذيب أو انتهاك عرض مواطـن نكاد لا نصدق ونشعر أننا أمام ما يشبه المعجزة.
والمفارقة هنا أن هذا الجهاز هو المسئول عن تطبيق واحترام القانون.
وكما أن المعارض التونسي قد فشل في إبراز سبب كراهية المواطن العربي للشرطة، فقد نجح الضابط المصري في المقابل في تكريس كراهية المشاهد لهذا الجهاز من خلال أسلوبه المتعجرف وإنكاره لكل تجاوزاته ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله، حيث نصب نفسه متحدثاً باسم كل أجهزة الشرطة العربية وأظهرها بمظهر الجهاز المثالي الذي لا يخطي أبداً.
وأخيراً فلقد تعرضت لهذا الموضوع لأهميته الكبيرة التي قد تخفى على بعضنا، حيث أصبح أحد مقاييس تقدم الشعوب ورقييها هو مدى احترام أفراد جهاز الشرطة للقوانين وأسلوب تعاملهم مع المواطنين.
إننا نعاني في مجتمعاتنا العربية من ضعف الانتماء للوطن بسبب هذه الظاهرة السلبية حتى أن أغلبية شبابنا أصبح حلمهم الأول هو الفرار من هذه الأوطان حتى ولو أدى هذا إلى موتهم في عرض البحار كما يحدث في مصر. والسبب ضياع الأمن وضياع الأمل وضياع المساواة أمام القانون والأهم من كل هذا ضياع العدل في هذه الدول البوليسية.
mahmoudyoussef@hotmail.com
مستشار اقتصادي مصري
سقطة في الاتجاه المعاكسما نقرة ونسمعه ونشاهد ة في الأنة الأخيرة إن اليمن باتت في طريق إن تحتل مكانة مرموقة في البطش العسكري من قبل أجهزة الأمن , والاستخبارات, ورجال الشرطة , بعد مصر وسوريا , وربما بالدرجة الأولى في بشاعتها ضد المواطنين اليمنيين في المناطق الجنوبية والشرقية داخل اليمن , وبشكل خاص بعد نهاية الحرب الأهلية(1994) التي انتصرت فيها القيادة العسكرية التي تحكم اليمن أكثر من 30 عام بدون انقطاع, لقد قست هده الأجهزة في تعاملها مع الشعب , يهدا فسدت من الداخل حتى النخاع. إن أنظمتنا العربية أنظمة فاشية التركيب الإداري والعسكري , ( إمراض نفسية) هو سبب… قراءة المزيد ..