يبدو أن أكثرية أهل السنة من المسلمين العرب وغيرهم، مع الشعب السوري وانتفاضته، في مقابل أقلية منهم مع النظام، ولا تبخل (الأقلية) بما يدل على تضامنها مع شعب البحرين مثلاً. وهذه مفارقة، كما هي مفارقة أن هناك أكثرية شيعية مع النظام السوري، وضد الانتفاضة (الإرهابية) ومع شعب البحرين، أما لماذا؟ فلأن النظام السوري ممانع وداعم للمقاومة. وهنا يرى البعض أنه إذا كانت المقاومة (كما هي فعلاً) مشروع مواجهة (غير حصرية طبعاً) مع الصهيونية وجرائمها ومخاطرها ومطامعها، التي تشتغل في فلسطين، وتعبر حدودها في كل الاتجاهات، فإن ذلك يلزمها (أي المقاومة) بالانحياز إلى حرية الشعوب، أينما كانت، وخاصة إذا ما كانت هذه الشعوب قد ضحت بلقمتها من أجل تحرير فلسطين وحريتها هي وخابت! لأن حرية الشعوب هي شرط لاستدامة المقاومة، حتى التحرير الكامل.. ومن دون ضرورة للوقوع في التناقض.
وهناك أقلية شيعية، تتعاطف مع الشعب السوري، ولا تتوقع أن يؤثر تعاطفها كثيراً على المشهد الشيعي الغالب، والحاني والخائف على النظام، وتعلم أن قلة التأثير تأتي من كونها مخالفة للسائد الشيعي القوي (بالمقاومة)… هذه الأقلية الشيعية تنطلق من حرصها على مستقبل الشيعة وسلامتهم، التي لا ضمانة لها إلا في الاندماج والانسجام مع المجتمع الأهلي قبل الأنظمة أو من دونها إذا اقتضى الأمر، ويتذكرون ويذكّرون الجميع، بأن الشيعة في البلاد العربية، أو الشيعة العرب، لا يختزل حضورهم وحجمهم بأعدادهم، بل يتعداها إلى معناهم في المجموع، وإلى شراكتهم الحميدة في المتحولات الخصبة من تاريخ المنطقة، وصبرهم وتحملهم وعنائهم في المتحولات الصعبة.
ليس هناك أقلية مخالفة شيعية للتعاطف مع شعب البحرين، وإن كان هناك من يلح على التسوية. من دون افتئات على مطالب الشعب البحريني وحقوقه الإنسانية. هذا مع ملاحظة ما يبدو من ركوب أو إركاب شخصيات عربية شيعية ملتبسة و(مدعومة) لموجة مناصرة شعب البحرين في شقه الشيعي (فقط)..
ومن المفارقات ما يلاحظ من أن قوى سنية فاعلة، تجمع بشكل مثير للدهشة، بين تأييدها للشعب السوري، وصمتها عن البحرين بسنتها وشيعتها معاً! وإذا تورطت الأنظمة بدم شعوبها فهل بإمكان العقلاء ان يميزوا بين نظام ونظام، وهل هناك أسباب وجيهة تسوّغ هذا التمييز… أو تسوّغه كلياً أو دائماً.. وهل وحدة الدين أو المذهب ظاهراً كافية للتمييز، أو أنها الزبائنية السياسية ليس إلا!!!
أمام هذه المفارقات، كان أهل الاعتدال والإنصاف، ينتظرون صوتاً بعيد المدى عميق الصدى، يمنح الاعتدال والمعتدلين والمنصفين، فرصة لإثبات ان اعتدالهم الحكيم، قوي ومستقبلي وضروري، خاصة في جو الفتن الجارية أو الآتية.. وأتى الصوت من الأزهر، مسبوقاً بمواقف دالة وحاسمة، حول كثير مما يجري في البلاد العربية، ولصالح شعوبها دائماً. وكان الموقف الصريح والشجاع المحذر لحكومات دول الخليج من تغاضيها عما يدور في أوساط شعوبها من اعتراض وما يرفع من مطالب، ويفتح شهية المغرضين على الاستغلال المذهبي أو العنصري، لتكتمل الفاجعة، عندما تستحكم المذهبية بردود فعل الحكومات على حراك الشعوب… محذراً وناصحاً بالعلاج والوقاية وتفادي المخاطر.. مصرحاً بتألمه لما يجري في البحرين، داعياً حكومتها إلى الخروج من هذا النفق، بالكف عن استخدام العنف وبالإصغاء لمطالب الناس، وسد الذرائع. من دون تضخيم ولا تهوين للعوامل الخارجية التي لا يحسن إنكارها، ولكن فاعليتها تبقى مرهونة دائماً بالعوامل الداخلية.
إن أهل الاعتدال يستبشرون بهذا المسلك المتوقع من مؤسسة بحجم الأزهر وتاريخه، ومن إمام استطاع بعلمه وشعوره بالمسؤولية أن يعيد المشيخة إلى ما كانت عليه، عندما كان الأزهر يقود المنعطفات في مصر، ويمد آثاره إلى محيطها وأعماقها. مستفيداً من الحيوية التي بعثها الربيع العربي في الشعوب العربية، مطلاً على ميدان التحرير، مقترباً من أحلام الشباب المتقاطرين عليه منذ أشهر، يرسمون صورة مصر العتيدة والسعيدة بحرياتها ومؤسساتها. ويرون ـ أهل الاعتدال ـ ان هذا المسلك هو الأقرب إلى طبيعة مصر ودورها وموقعها، واحتضانها للأزهر الشريف، جامعاً لأهل العلم والحوار والتقريب، ويعتبرون ذلك خطوة متقدمة، على طريق تجسيد ما يعد به الأزهر من ورشة علمية وعملية، تستشرف الغد المصري والعربي والإسلامي، في هذا المنعطف الواعد، وبرعاية إمامها الرائد، المهموم بتوسيع وتحرير الجوامع وإلغاء وتضييق الموانع، بين شركاء الإيمان والأوطان، وتحويل الاختلاف، كما كان، إلى مصدر حيوية وفضاء للتكامل، كما يرسم القرآن الكريم، رافعاً الاختلاف إلى مصاف الدال على عظمة المدبر وحسن التدبير.
لقد لمسنا عن كثب لدى شيخها الطيب وكبار معاونيه تصميماً واعياً ومدروساً، على حماية حقوق الشعوب العربية والإسلامية، في المعرفة والحوار والاستقرار والعدالة والاندماج والاستقلال والتضامن والحرية.. ومن هنا قرأنا موقف الأزهر الوازن، من أوضاع الخليج… ومن هـــنا ندعو إلــــى الإصغاء لهذا النبض القوي، على حنان ورأفة ومسؤولية، يدعونا… أو يجدد دعوة القرآن لنا، بدخول مصر إن شاء الله آمنين.
شكراً للأزهر وإمامه، فقد شرع في وضع حدٍ لتطييف أو مذهبة حركات الشعوب العربية، عدواناً عليها لا يخدم إلى أهدافاً لا تصب في طاحونة الشعب ولا تضر بالسلطات التي استقالت من دورها الجامع، ولا تنفعها أيضاً… بل الذي ينفع هو ان تطمح إلى القوة بالعدالة والمساواة، ومن دون تلكؤ، لأن غضب الشعوب أسرع من كسل ومكابرة الحكام.