هل يطمح الرئيس التركي السابق عبدالله غول لترؤس “حكومة إئتلافية” بعد فشل حزبه السابق في الحصول على أغلبية برلمانية، وبعد إخفاق رجب طيب إردوغان في تأمين الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور وتحول تركيا إلى جمهورية رئاسية؟ خصوصاً أن شخصيته الوسطية والمهادنة يمكن أن تقنع أحزاب المعارضة بالمشاركة في حكومة تترأسها شخصية من حزب العدالة والتنمية؟
وخصوصاً أنه يصرّ، مثل أحزاب المعارضة، على وجوب أن يلتزم رجب طيب إردوغان “حدّه الدستوري” فلا يتدخّل في شؤون الحكم اليومي التي تمارسها الحكومة وحدها!
إردوغان وداووأوغلو اعتقدا انهما رئيس حكومة مصر وسوريا ووزير خارجيتها!
ففي أول كتاب “من الداخل” حول سنوات حكم حزب “العدالة والتنمية” التركي(صدر اليوم)، يكشف المستشار الصحفي السابق للرئيس عبدالله غول أن غول اعترض على سياسات تركيا إزاء مصر وسوريا، وأنه اعتبر أن رئيس الحكومة أنذاك رجب طيّب إردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو بالغا في ردود الفعل وتصرّفا وكأنهما رئيس حكومة مصر وسوريا ووزير خارجيتهما- الأمر الذي يتعارض مع مصالح تركيا. ويضيف الكاتب “أحمد سيفير” أن عبدالله غول قال وجهة نظره لأحمد أوغلو مواجهة عدة مرات.
“إنتفاضة” زوجة عبدالله غول
ويلفت النظر أن كتاب مستشار غول السابق “أحمد سيفير”، يتضمّن مقطعاً من مقابلة كان رئيس تحرير جريدة “حرّية دايلي نيوز”، مراد يتكين، قد أجراها مع زوجة الرئيس عبدالله غول قبل أسبوع من مغادرته الرئاسة في العام الماضي. وجاء في المقطع: “إنهم (أي إردوغان وأوغلو) يظنّون أننا لا نقرأ شيئاً، وأننا لا نسمع شيئاً، وأننا لا ندرك ما يحدث. لقد ظللت صامتة حتى الآن، ولكن صمتي لن يدوم طويلاً. فسأعود للكلام، وربما سأكون أنا من سيشعل الإنتفاضة!” وجاء تصريحها العنيف هذا لجريدة معروفة بمناوأتها لإردوغان بعد تعرّض الرئيس غول لانتقادات وسائل الإعلام المؤيدة لحزب الحرية والعدالة.
”سأعيد تركيا إلى الأيام التي كانت فيها تشعّ كنجم”
ماذا سيكون برنامج عبدالله غول إذا عاد إلى رئاسة حكومة تركيا؟ يقول غول: إذا تسلّمت رئاسة الحكومة فسأعيد تركيا على الفور إلى الأيام التي كانت فيها تشعّ كنجم. سأعيد إحياء مسار انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي. وسأصحح الأخطاء التي تم ارتكابها في السياسة الخارحية.” ويضيف أن “البلاد تعاني من كثرة الإستقطابات، وسأتخذ الخطوات الضرورية لإزالة تلك الإستقطابات الواحدة بعد الأخرى. وسأعطي أهمية كبرى لتعزيز الديمقراطية. كما سأقوم على الفور بإحالة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى المحكمة العليا”.
جدير بالذكر أن “أحمد سيفير” كان عمل مستشاراً صحفياُ لعبدالله غول لمدة ١٢ سنة تغطي فترة ٢٠٠٠-٢٠١٤ عمل غول أثناءها كرئيس للحكومة، ثم كوزير للخارجية، وأخيراً كرئيس للجمهورية. ويقول “سيفير” أن عبدالله غول قرأ كتابه قبل صدوره، ولكنه طلب منه تأجيل نشره إلى ما بعد الإنتخابات التي جرت قبل أسبوع حتى لا يتم تحميله مسؤولية أي نكسة يتعرض لها الحزب الحاكم (كما حصل فعلا). وسيعرض الكتاب للبيع ابتداءً من اليوم ١٥ يونيو.
برقية غول للسيسي
ويظهر المقطع المتعلق بسوريا ومصر مدى عمق التناقضات في قمة الدولة التركية أثناء ترؤس إردوغان للحكومة قبل انتخابه رئيساً في أغسطس ٢٠١٤، حينما اختار أحمد داوود أوغلو خلفاً له لرئاسة حزب العدالة والتنمية ولترؤس الحكومة. ويتطرق “سيفير” إلى البرقية التي وجّهها الرئيس عبدالله غول إلى الفريق السيسي عند انتخابه رئيساً لمصر في ١١ يونيو ٢٠١٤ والتي احتجّ عليها رجب طيب إردوغان لأن السيسي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي. ويقول عبدالله غول أنه أرسل للسيسي “برقية حسن نية وليس برقية تهنئة”.
احتجاجات ”حديقة غيزي”
ويكشف المستشار السابق لعبدالله غول أن غول اختلف مع إردوغان حول احتجاجات الشباب التي اندلعت في أنحاء تركيا في يونيو ٢٠١٣. ويكشف لأول مرة أن “محمد”، إبن عبدالله غول، اصطحب ١٠ من أصدقائه إلى القصر لينقلوا لغول وجهة نظره في عنف الشرطة المبالغ ضد المتظاهرين، وأن ذلك دفع غول لاتخاذ موقف معتدل في حين اعتبر إردوغان أن المظاهرات كانت تمثل محاولة للإطاحة بحكومته.
لماذا عارض غول، وأيّد إردوغان، فتح قواعد تركيا لغزو العراق؟
يكشف الكتاب أيضاً سبب معارضة عبدالله غول لطلب أميركي باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق في مارس ٢٠٠٣. ويقول أن سبب اعتراضه كان تقريراً رفعه رئيس الأركان التركي “حلمي أوزكوك” جاء فيه أن السماح للقوات الأميركية بعبور تركيا يستوجب فرض “حالة الطوارئ” في مناطق تحرك القوات الأميركية حفاظاً على الأمن.
ويقول “سيفير” أن غول اعتبر أن إعلان “حالة الطوارئ” سوف يمثل خطوة إلى الوراء في مسار تعزيز الديمقراطية في تركيا. ويكشف أن إردوغان ظل مؤيدا لمشاركة تركيا عسكرياً في احتلال العراق، الأمر الذي رفضه البرلمان التركي.
حزب ”الطاشناق” أجهض عملية نقل أرمن ”حلب” إلى تركيا
ويروي الكتاب أسباب فشل عملية نقل أرمن سوريا إلى تركيا. فبناء على اقتراح من أرمن تركيا، تشاور غول مع إردوغان وأعطيت تعليمات لوزارة الخارجية ولجهاز الإستخبارات القومي بنقل الأرمن من ”حلب” إلى تركيا. كما تقرّر أن ترحّب تركيا بأرمن ”حلب” الذين هاجروا إلى جمهورية أرمينيا ولم يرتاحوا إلى المعيشة فيها، وأن يتم إعطاؤهم بطاقات إقامة وتراخيص عمل. ولكن حزب ”الطاشناق” عرقل العملية التي اعتبر أنها تخدم ”الدعاية التركية”، وفي النهاية لم يستفد من الخطة التركية سوى ٣٠ أرمني سوري.
شروط غول للعودة إلى رئاسة الحكومة
وقد انتشرت شائعات في تركيا، في الأيام الأخيرة، حول إمكانية عودة ”غول” إلى الحزب الحاكم، ولكن “سيفير” يقول أن غول ليس متحمّساً للعودة وأنه شجّع حزبه السابق على تشكيل “حكومة إئتلافية”، مما يعني أنه ضد “الإنتخابات المبكرة” التي هدد بها إرودغان يوم أمس.
وينقل عن غول قوله: ”لا نعرف ماذا ستحمل لنا التطورات المقبلة، ولكن إذا كانوا بحاجة إلي، فسأفكر في الموضوع. ومن المؤكد أنني سأضع شروطي المسبقة قبل الموافقة”.
ما هي شروط غول المسبقة؟ يقول “سيفير” أن “غول ضد وجود رئيسين للدولة”! مما يعني أنه سيكون على كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يقوم بواجباته بصورة تنسجم مع أحكام الدستور وبدون أن يتدخّل أحدهما في مجال عمل الآخر”، كما فعل إردوغان مع أحمد داوود أوغلو.
يبقى السؤال: هل سيقبل إردوغان بشروط عبدالله غول فيضحي بأحمد داوود أوغلو ويتناسى ”حلمه” بتبوء منصب “سوبر رئيس” في تركيا- على غرار ما كان خصمه التاريخي مصطفى كمال أتاتورك في حقبة تأسيس الجمهورية وإسقاط “الخلافة الإسلامية”؟
ذلك ليس مؤكداً!