تصريح وزير النفط الإيراني، مسعود ميركاظمي، أمس الثلاثاء، حول إمكانية خفض إنتاج النفط في بلاده ليس “إنذاراً” وليس “تحذيراً” للغرب.
بالأحرى، فتصريح الوزير الإيراني إقرار بأن إنتاج النفط الإيراني يمكن أن يشهد إنخفاضاً حاداً، بحيث تتوقّف معظم الصادرات، أو كلّها، ربما في فترة لا تتجاوز العام 2014 أو 2015، إذا لم تجد إيران الإستثمارات الأجنبية الضرورية لتأهيل مرافق الإنتاج فيها. وهذا الكلام ليس “مفاجأة”، فقد نشرت عدة دراسات حول الموضوع خلال السنوات الأربع الماضية. وليس من الصعب تصوّر نتائج هذا السيناريو الكارثي على الميزانية الإيرانية، التي يمثل النفط ما لا يقلّ عن 60 بالمئة من وارداتها، أو على النظام الإيراني.
وحسب دراسة وضعها “روجير ستيرن” ونشرتها “الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة” (في العام 2006)، بعنوان “أزمة البترول الإيرانية والأمن القومي الأميركي” (لقراءة الدراسة الكاملة بالإنكليزية، إضغط هنا):
“.. يتوقّع عدد من المحلّلين في صناعة النفط مرحلة تراجع في صادرات النفط الإيرانية.. وحيث أن حكومة إيران تعتمد على إحتكارها لعائدات تصدير النفط (أكثر من64 بالمئة من مداخيل ميزانيتها في العام 2004)، فإنها يمكن أن تصبح في مهدّدة سياسياً إذا ما استمرّ انخفاض الصادرات. .. أن إنخفاض معدّل الصادرات الإيرانية من النفط يعادل معدلات نضوب الإحتياطات زائداً نموّ الطلب الداخلي على المنتجات النفطية. وهذا الإنخفاض يصل إلى 10-12 بالمئة سنوياً… إن الإستثمارات الضرورية لمجرّد إبقاء معدلات التصدير “على حالها” لم تكن كافية خلال السنوات الماضية. وحتى لو اعتمدنا تصوّراً متفائلاً نسبياً لزيادات الإنتاج المستقبلية، فإن معدّل الصادرات الإيرانية سيكون، خلال فترة 2011-2016، ما لا يزيد على 40،0 – 52،0 من الصادرات الحالية.
“ولكنن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه، إذا لم يحدث تغيير في السياسات الإيرانية العامة، فإن معدّل الصادرات الحقيقي خلال الفترة المذكورة سيكون 33،0-46،0 وأن قدرة إيران على التصدير ستصل إلى الصفر بحلول العام 2014-2015. إن دعم أسعار مشتقات النفط (في السوق الداخلي الإيراني، وقد بدأت حكومة نجاد بخفض الدعم رغم المعارضة الشعبية- “الشفاف”)، والعداء للإستثمارات الأجنبية، وعدم كفاءة النظام الإقتصادي الإيراني الخاضع للتخطيط الحكومة هي المسؤولة عن الوضع الصعب الذي تواجهه إيران..”.
وتتوصّل هذه الدراسة إلى أن إصرار إيران على الطابع السلمي لبرنامجها النووي قد لا يكون كاذباً بناءً على ما سبق. فالطاقة النووية يمكن أن تكون بديلاً للنفط الذي يُستخدم الآن لتوليد الطاقة في إيران، ولو أنها لن تعدّل كثيراً في الصورة العامة لانخفاض الإنتاج والصادرات.
أي أن الوزير الإيراني يعترف بأن “ساعة الحقيقة” للسياسة الإيرانية قد آذنت، وأن بلاده قد تخرج من سوق صادرات النفط “مرغمة”، لأسباب “تقنية”، إذا استمر المجتمع الدولي في فرض عقوبات سياسية على بلاده، أو إذا تم فرض عقوبات جديددة على إيران. ومن هذه الزاوية، فإن كلام وزير النفط الإيراني يمكن أن يُعتَبَر تحذيراً لقادة النظام الإيراني من مغبّة إستمرار سياسة المواجهة مع الغرب، أو إعلاناً مبطّناً بأن إيران ترغب فعلاً في وضع حدّ للمواجهة حول الملف النووي لأسباب نفطية.
ميركاظمي: المطلوب 35 مليار دولار سنوياً من الغرب لمدة 5 سنوات
فحسب وكالة “مهر” الإيرانية، حذّر وزير النفط مسعود ميركاظمي الدول الكبرى من أن إيران يمكن أن تتوقّف عن تصدير النفط الخام إذا ما استمرّت العقوبات الإقتصادية ضد بلاده.
وقال ميركاظمي في مؤتمر صحفي عقده أمس الثلاثاء في طهران أن “إيران هي إحدى الدول الرئيسية المنتجة للنفط وأي خفض في مبيعات إيران من النفط سيتسبّب، بالتأكيد، في حدوث إرتفاع حاد في الأسعار”.
وقال ميركاظمي أن إيران بحاجة خلال السنوات الخمس المقبلة إلى إستثمارات، من مصادر أجنبية ومحلية، بقيمة 35 بليون دولار سنوياً على الأقل في مرافق إنتاج النفط والغاز فيها.
وقال أن الهدف المحدّد لخطة التنمية الإقتصادية-الإجتماعية للسنوات الخمس المقبلة (2010-2015) هو 35 بليون دولار على الأقل كل سنة، من الإستثمارات الأجنبية والمحلية معاً، وذلك لقطاعات إنتاج النفط والغاز”.
وأضاف وزير النفط الإيراني أن هذا القطاع نجح في الحصول على استثمارات أجنبية بقيمة تقارب 10 بليون دولار سنوياً خلال السنوات الأربع الماضية، واعتبر أن هذا الرقم كان “مرتفعاً جداً” لأسباب بينها إرتفاع أسعار النفط.
وتضيف وكالة “مهر” الحكومية أن إيران، وهي خامس مصدّر للنفط في العالم، بحاجة لاجتذاب رساميل وخبرات ومعارف أجنبية من أجل تطوير مواردها النفطية الكبيرة جداً. “ولكن الشركات الغربية تبدي تحفّظاً متزايداً إزاء فكرة الإستثمار في إيران بسبب النزاع حول برنامج إيران النووي. بالمقابل، ما تزال إيران تحظى باهتمام الشركات الهندية والصينية وشركات آسيوية أخرى، حيث أنها أقل تأثّراً بالضغوط الغربية”.
أخيراً، قال وزير النفط الإيراني أنه “نظراً للظروف الراهنة، فلن تأخذ أوبيك قراراً بزيادة إنتاجها من النفط ولن تسمح لأعضائها بزيادة إنتاجهم”.
ومع أن وزير النفط الإيراني يبدو محقّاً في الإعتراض على زيادة إنتاج أوبيك نظراً لمستوى الأسعار المتقلّب، فقد يكون بين الأسباب أن إيران قد تكون عاجزة عن زيادة الإنتاج للإستفادة من “الكوتا” الأعلى التي ستُعطى لها.
تدهور قدرة إيران على تصدير النفط، مترافقة مع الإنهيار السياسي للنظام، هل تعني أن إيران تتّجه نحو “مصالحة كبرى” مع الغرب، أي مع “الشيطان الأكبر” تحديداً، تضع حدّاً لفترة النزاع المديد؟
*
(الصورة: وزير النفط مسعود ميركاظمي وممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثناء قمة أوبيك في فيينا في سبتمبر 2009)