أفادت جريدة “لوموند ” يوم أمس الخميس أن إمارة قطر قرّرت إقامة صندوق بقيمة ٥٠ مليون أورو لدعم رجال الأعمال من اصل عربي الذين يرغبون في إقامة مشاريع في “ضواحي المدن الفرنسية” (التي كانت شهدت إضطرابات في السنوات الأخيرة). ولهذه المناسبة، كتب مراسل الجريدة “جيل باريس” التحليل التالي للعلاقات الفرنسية – القطرية المميزة.
ويضيف “الشفاف” إلى معلومات “لوموند” ما تسرّب في الأيام الأخيرة حول السلاح الذي قيل أن قطر ورّدته للثورة القطرية، وتسعى الآن لـ”استرداده”. فقد أكّدت أوساط فرنسية مطلعة أن الواقع هو أن قطر
“دفعت” لفرنسا ثمن السلاح القطري للثوار الليبيين، وأن فرنسا قامت بإرسال السلاح مباشرة من مخازنها إلى ليبيا مباشرةً، بدون المرور بقطر!
في أي حال، فالعلاقة الخاصة يمكن أن تتأثّر، وقبلها سياسات قطر نفسها، إذا صحّت التكهّنات بأن الشيخ حمد يمكن أن يتنازل عن الإمارة لإبنه “تميم” خلال سنة أو سنتين لأسباب صحية.
*
حسب رجل أعمال فرنسي يعرف منطقة الخليج جيداً، فإن “القطريين لم ينخرطوا في تمويل مشروعات في ضواحي المدن الفرنسية إلا بعد الحصول على الضوء الأخضر من قصر الإليزيه”. ومع أن الإمارة الخليجية الأكثر شغفاً بالإعلام تستثمر أموالها في كل الإتجاهات (العقارات، والمصارف، والصناعة) في بلدان أوروبا الرئيسية، وفي الولايات المتحدة وآسيا، فليس هنالك ما يعادل العلاقة الخاصة بين الشيخ حمد آل خليفة آل ثاني والرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي.
والواقع أن الشيخ حمد، الذي كان أول مسؤول عربي يزور قصر الإليزيه في مايو ٢٠٠٧، وجد شريكاً مثالياً في الرئيس الفرنسي الجديد رغم أن هذا الأخير كان، قبل وصوله للرئاسة، قد ثابر على التنديد بـ”سياسة فرنسا العربية” الموروثة من الحقبة الديغولية. وقد ورث الشيخ حمد الإعجاب بفرنسا من والده الذي أطاح به بسهولة في العام ١٩٩٥. وحتى الآن، فما تزال ٨٠ بالمئة من المعدات العسكرية القطرية فرنسية الصنع. ولكن المحرّك الاساسي للعلاقة كان التكامل بين رئيسٍ طموح لدولة كبرى تملك نفوذا دولياً واسعاً ومعه “حق النقض” في مجلس الأمن الدولي، وأمير دولة صغيرة جداً تطمح للعب أدوار من الدرجة الأولى بالإستناد إلى مواردها المالية غير المحدودة تقريباً. ولم يكن بوسع الشيخ حمد أن يأمل في مثل هذه العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة التي تقيم في قطر أكبر قواعدها العسكرية في المنطقة.
النزعة الإرادوية
وقد تعاون الرجلان، اللذان يتمتعان بنفس النزعة للنشاط ولمَركزة السلطة بدون المرور بأي نوع من الوسطاء، لتحرير الرهائن البلغار والطبيب الفلسطيني في العام ٢٠٠٧. ثم، مرة أخرى، في المصالحة بين فرنسا وسوريا، بعد إتفاق الدوحة بين اللبنانيين. وبرز الثنائي الفرنسي-القطري مجدداً في ليبيا مع الدعم العسكري للثورة ضد القذافي، مع أن نزوع القطريين لتسليح ميليشيات ليبية معينة أثار قلق
الديبلوماسية الفرنسية وانزعاجها.
مع ذلك، فالشراكة بين البلدين ليست كاملة، كما يتبين من ملف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، الذي بدأ الرئيس ساركوزي يهتمّ به في العام ٢٠٠٧ من غير أن ينجح أبداً في إقناع الشيخ حمد باعتماد نفس السياسة.
إن النزعة الإرادوية لقطر، حيث سيفتتح “الطالبان” مكتباً تمثيلياً في الأيام المقبلة، ظهرت في الوساطات العديدة التي قامت بها في اليمن أو في السودان مثلاً. ولكن مساعيها لم تصادف النجاح دائماً لأن سلاحها الأساسي، وهو المال، لا يستطيع دائماً أن يحقّق النتائج المرجوة.
ولا تقل قطر نشاطاً في الأعمال التجارية. ويقول رجل الأعمال الفرنسي: “حينما يدخل الكويتيون أو الإماراتيون في رأس مال شركة، فإنهم
يظلون متكتّمين ويكتفون بالمراقبة بدون التدخّل. أما القطريون، فإنهم يتدخّلون، كما أن أهداف استثماراتهم تخلط دائماً بين الإقتصادي والسياسي””.
جدير بالذكر أن العلاقات الإقتصادية الفرنسية-القطرية تظل متواضعة (احتلت قطر المرتبة ١٠٠ بين المورّدين إلى فرنسا، والمرتبة ٤٥ بين المستوردين منها، في العام ٢٠٠٩).
بالمقابل، حينما تعرّضت كبريات الشركات الفرنسية للمتاعب من جراء الأزمة المالية الدولية في العام ٢٠٠٨، فقد سارعت قطر لتقديم عونٍ مالي مقابل زيادة نفوذها في فرنسا. وكان أحد مظاهر زيادة النفوذ القطري أن البرلمان الفرنسي أقرّ، في العام ٢٠٠٩، معاهدة ضريبية يستفيد منها بصورة مميزة القطريون الذين يستثمرون في فرنسا أو الذين يقيمون فيها.