النفي الذي نشرته جريدة “الفيغارو” أمس الأربعاء على لسان الوسيط اللبناني زياد تقي الدين حول دوره في صفقة غوّاصات باكستان يبدو وكأنه يتجاهل أنه كان للمملكة العربية السعودية دور في الصفقة الباكستانية، كما تقول بعض المصادر. أما بالنسبة لقرار الرئيس شيراك، فور تسلّمه الرئاسة في العام 1995، بوقف دفع “العمولات” في عقد “صواري 2” السعودي، فلأن جاك شيراك كان “يعرف” أن قسماً من تلك العمولات (أي من عمولات العقد السعودي “النظيف”، بتعبير زياد تقي الدين) كان يذهب لجماعة إدوار بالادور. خصوصاً أن عدة دول عربية، وبينها السعودية، كانت تعتقد أن بالادور سيفوز على شيراك، مما قد يعني أنها سهّلت حصول جماعة بالادور على عمولات، حتى من عقد “صواري 2″، لتمويل حملة بالادور الإنتخابية.
في ما يلي تصريحات زياد تقي الدين كما أوردتها “الفيغارو” الفرنسية في عدد أمس الأربعاء.
في أي حال، نفي زياد تقي الدين يقتصر على دوره الشخصي، ولا يتعلق بالوسطاء العرب الآخرين الذين يتم تداول أسمائهم في قضية العمولات، واحدهم هو عبد الرحمن الأسير. كما أن زياد تقي الدين لا ينفي (ولا يؤكد) أنه كانت هنالك عمولات فوق العمولات في قضية غواصات أغوستا الباكستانية!!
*
تطوّر جديد في التحقيق بعملية كراتشي الإرهابية التي أسفرت عن سقوط 11 فرنسياً و3 باكستانيين في العام 2002، والتي يحقّق فيها القضاء الفرنسي الآن من زاوية علاقتها بالعمولات التي تم دفعها عن صفقة الغواصات التي باعتها فرنسا لباكستان في العام 1994. فقد قرّر أحد الرجال الرئيسيين الذين تم ذكرهم بالعلاقة مع “عقد الغوّاصات” أن يشن هجوماً قضائياً مضاداً. والمقصود، طبعاً، هو اللبناني “زياد تقي الدين” الذي قدّم شكوى قضائية مفادها أن الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم أمام القضاة المختصين بقضايا الإرهاب قدّموا شهادات كاذبة.
إن “زياد تقي الدين” هو من مواليد لبنان، ويعيش حالياً بين باريس وبيروت ولندن، وهو رجل عقود دولية كبيرة و”رجل ظلّ” مع أنه لا يحب ذلك التعبير.. ويعتبر “زياد تقي الدين” أنه، اليوم، ضحية عملية تشهير. ويقدّم “تقي الدين” نفسه كـ”مستشار”، ويشير إلى أنه عمل بصورة خاصة كمستشار للسعودية في عقد الفرقاطات الفرنسية التي اشترتها السعودية في العام 1994.
بالمقابل، يؤكّد زياد تقي الدين أنه “لا صلة له” بعقد غوّاصات “أغوستا” التي باعتها فرنسا لباكستان. وقد أدلى بإفادته أمام القاضي الفرنسي “تريفيديك” في 15 أبريلحيث أكد أنه لم تكن له أية علاقة مع شركة “ميركور فينانس”، وهي شركة “أوف شور” يُعتَقَد أنها استخدمت كواجهة لتمرير عمولات كبيرة. ويقول زياد تقي الدين: “سأقاضي كل من يزعم أنه كان لي أي دور في ذلك الملف”!
إن الهجمة القضائية المضادة التي يقوم بها “زياد تقي الدين” ليست نقطة صغيرة في هذا الملف الذي يسعى فيه قضاة التحقيق إلى تسليط الضوء على مسببات عملية 8 مايو 2002 الإرهابية في كراتشي التي أسفرت عن سقوط 14 شخصاً بينهم 11 فرنسياً يعملون في شركة “دي سي إن” الفرنسية. وبعد أن كانوا قد فضّلوا “فرضية القاعدة”، فإن القضاة الفرنسيون يميلون اليوم لاعتماد الفرضية “المنطقية رغم قسوتها” والتي تقيم رابطاً بين العملية الإرهابية (والتوقّف عن) دفع عمولات في عقد الغواصات مع باكستان. فقد أصبح ثابتاً أن عقد الغوّاصات نص على دفع عمولات فرنسية لوسطاء باكستانيين. وتم إيقاف دفع العمولات في العام 1995 بأمر من جاك شيراك. وكان قد تمّ توقيع العقد قبل ذلك بعام واحد (في 1994) في وقت كان “فرنسوا ليوتار” وزيراً للدفاع في حكومة (المرشّح الخاسر للرئاسة) “إدوار بالادور”.
وقد أكّد عدد من الشهد أن الوسيطين زياد تقي الدين وعبد الرحمن الأسير “اللذين فرضتهما السلطة السياسية على شركة دي سي إن” كانا قد أضافا، في اللحظة الأخيرة، عمولة 4 بالمئة فوق العمولة التي كان مقرّراً دفعها أصلاً.
ولكن التصريحات التي أدلى بها “زياد تقي الدين” تطعن بالرواية المتداولة. وبناءً عليه، فالسؤال الآن هو أين ذهبت العمولات الإضافية (أي عمولة 4 بالمئة التي أضيفت إلى عمولة 6 بالمئة الأصلية)؟
خلط بين العقد الباكستاني وعقد “صواري 2” السعودي؟
لقد رفع “زياد تقي الدين” شكوى ضد مسؤولي شركة “دي سي إن الدولية” الذين ذكروا إسمه، وضد “فردريك باوير”، وهو ضابط شرطة سابق أكّد في مقابلة مع موقع “ميديا بار” أنه اجتمع مع زياد تقي الدين في العام 1995 لإبلاغه قرارَ فرنسا بالتوقّف عن دفع العمولات.
ورداً على سؤال من “الفيغارو”، أصرّ تقي الدين على أنه “لم يعمل أبداً” في ملف غواصات “أغوستا” التي بيعت لباكستان. ولكنه ذكر أن ضابط الشرطة السابق التقى به “زاعماً أن جاك شيراك هو من أرسله” لإيقاف دفع العمولات المرتبطة بعقد “صواري 2″، وهو عقد بيع 3 فرقاطات نوع “لافاييت” للسعودية في العام 2004. ويضيف زياد تقي الدين “قلت له أن الصفقة يمكن أن تتعرقل إذا ما انسحبت أنا منها. وفي النهاية رفعت دعوى تحكيم أجبرت فرنسا على الدفع. لقد انتهت تلك القضية (أي عقد “صواري 2″) بصورة محترمة”!
وإذ يندّد تقي الدين بالخلط بين العقد الباكستاني والعقد السعودي، فإنه يجيب ردّاً على سؤال من “الفيغارو” بأن الفارق بين العقدين هو أن “الأول كان قذراً، والثاني كان نظيفاً”!
إقرأ أيضاً: