نشرت مجلة “نيوزويك” (15 ايار 2007) حواراً مع المعارض السوري رياض سيف، احد قادة “ربيع دمشق” الذين انطلقوا عام 2001، مطالبين بالغاء حالة الطوارئ والاحكام العرفية، واطلاق سراح السجناء السياسيين، وافساح المجال لحرية الرأي والتعبير وغيرها من الاصلاحات، لكنهم اعتقلوا جميعاً، ونال “سيف” الحظ الأوفر من الضربات: فقد حصانته البرلمانية كنائب في مجلس الشعب السوري لفترتين، الأولى من عام 1994 وحتى 1998، والثانية لم يتمها، حوكم بتهمة “محاولة تغيير الدستور (السوري) بطرق غير مشروعة” وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وفقد ابنه (اياد 21 سنة) الذي توفي في ظروف غامضة وملتبسة، وأفلس وتراجعت مصانع الملابس والمنسوجات الخاصة به التي كانت تحمل علامة تجارية عالمية معروفة. وفود الكونغرس الاميركي التي زارت دمشق في ابريل/نيسان التقت قادة “ربيع دمشق” وعددا من رموز المعارضة السورية، فيما اصرت رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي على لقاء سيف بشكل منفرد والاستماع اليه بعيداً عن الجميع.
المجلة التقت رجل الأعمال والناشط السوري المعارض، المستقل رياض سيف في دمشق، ومن الحوار نقطتف:
ماذا عن علاقتك بالنظام الآن؟
ـ فكرت بتشكيل حزب بعد خروجي من السجن اوائل عام 2006، لكن رد فعل السلطات كان عنيفا جدا، أنا محاصر تماما. عناصر الامن تلاحقني اينما ذهبت. كل من يتصل بي تتم مساءلته وتخويفه بشكل ما. محاولة منظمة لعزلي عن المجتمع السوري. النظام استطاع افلاسي تماماً.
اصدرت بشكل سري كتيباً تحكي فيه تجربتك البرلمانية، لماذا الآن؟
ـ كل المطابع في سوريا لديها أوامر بعدم التعامل معي، فلجأت الى طباعة هذا الكتيب في الخارج. طبعته الان كي يواكب انتخابات مجلس الشعب السوري الاخيرة (التي جرت الشهر الماضي)، والتي شارك فيها 7 بالمائة فقط من الناخبين السوريين، كي أوضح ان الانتخابات عندنا عملية فولكلورية تجميلية شكلية يسعى النظام من خلالها الى تجميل صورته فقط. مجلس الشعب السوري، كالمؤسسات الأخري، لا علاقة به بالتشريع ومراقبة السلطة التنفيذية كما هو حال برلمانات العالم المتحضر. لا يمكن ان تجري انتخابات حرة في ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ 44 سنة، وضمن دستور 1973 الذي يعطي لرئيس الجمهورية حق التشريع في كل الأوقات. قانون الانتخابات والتعليمات المباشرة تتيح لحزب البعث والجبهة المتحالفة معه. الاحتفاظ بأكثر من ثلثي مقاعد المجلس، وما تبقى من مقاعد مخصصة للمستقلين، الموالين للنظام.
ما تفسيرك لطلب وفود الكونغرس الاميركي ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لقاءك بشكل خاص ومنفرد؟
ـ الدعوة جاءت من الجانب الاميركي بصفتي عضوا سابقا في مجلس الشعب. وأحد أعضاء المعارضة الديموقراطية في سوريا، يندرج هذا ضمن التقاليد الديموقراطية التي تؤكد على معرفة الرأي الآخر الذي امثله كمعارض. كانوا يريدون التعرف على اوضاع المعتقلين السياسيين. وقضايا الحريات. وحقوق الانسان، بكل اسف، فان بعض قوى المعارضة ما زالت تعزل نفسها عن العالم الخارجي، خشية ان توصم باللاوطنية، علما بأن المعارضة في سوريا وطنية بامتياز. لم تكن هناك اي اسرار.
ـ هل طلبتم المساعدة؟ ، وهل عرضت الوفود الاميركية عليكم ذلك؟
ـ لم نطلب ولم يعرضوا، لسنا بحاجة الى مساعدات مادية أو مالية، وعدونا فقط بأن اي تقارب مع النظام لن يكون على حساب حقوق ومصالح الشعب السوري، قلت لهم ايضا ان اي محاولة لاسقاط النظام بالقوة العسكرية او الحصار الاقتصادي مرفوضة، لان الشعب السوري سيكون هو المتضرر الوحيد. علمتنا تجربة العراق، قبل سقوط صدام حسين، ان السلطة المستبدة يمكن ان تتعايش مع الحصار وتستثمره.
ثمة اصلاحات اقتصادية حسنت من اداء الاقتصاد السوري، لكنك تعارضها بشكل دائم لماذا؟
ـ التغيرات الاقتصادية التي حدثت في السنوات الأخيرة، حركت بعض الركود، تم اصدار عدد من القوانين التي تتيح التحول الى اقتصاد السوق، لكن مع غياب الاصلاح السياسي، فان كل هذه القوانين لم تترك اي اثر ايجابي. الاقتصاد السوري كالسياسة، يقوم على احتكار مجموعة أو فئة للنشاطات الاقتصادية الأساسية، وترك المجالات الهامشية لبقية الناس. الهاتف الخلوي، والانترنت والبنوك الخاصة وشركات التأمين والتجارة محصورة في عدد محدود، اما من السلطة، أو شركاء في السلطة. يفرض هذا بالطبع بعدا عن الشفافية، ويمنع اصدار قوانين تؤمن تكافؤ الفرص والمنافسة الحرة الشريفة. ترتب على ذلك ان الطبقة المحتكرة تزداد غنى، والشرائح الشعبية الواسعة تزداد فقراً. الاسعار ارتفعت بشكل فاحش، والهوة ما بين الدخل ومتطلبات المعيشة فيما يخص فئات عريضة من المجتمع السوري تتسع. هذا الخلل أدى الى زيادة نسبة البطالة، والى خلل حقيقي في المجتمع السوري، واستشراء اقتصاد السوق السوداء الذي يشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد السوري.
(المستقبل)