جيمي كارتر هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي أعطى نفسه وقتا كي يفهم وجهة نظر أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي, ويحاول التوفيق بينهم. في كتاب أخير له بعنوان :”فلسطين…سلام لا عنصرية”, والذي أحدث ضجة في الولايات المتحدة, رغم أنه خفف كثيرا من اللغة المستخدمة فيه تجنبا لهجوم اللوبي اليهودي, حاول كارتر أن يضع روشتة تصلح أساسا لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط.
يقول:هناك إشكاليتان تعيقان الوصول إلى سلام:
الأولي:أن بعض الإسرائيليين يعتقدون أن من حقهم مصادرة واحتلال أراض فلسطينية, ويبررون الاضطهاد المستمر للفلسطينيين.
الثانية:أن بعض الفلسطينيين يردون على ذلك بالاحتفاء بالانتحاريين, ووضعهم في مصاف الشهداء, ويعتبرون قتل الإسرائيليين بمثابة انتصار.
أدت الإشكاليتان إلى اتساع نطاق العنف, وإحباط الجهود المبذولة من أجل تحقيق السلام. منذ سبتمبر عام2000إلى مارس عام2006أدى العنف إلى مقتل3982 فلسطينيا مقابل1084إسرائيليا. كثير منهم من الأطفال الذين يصل عددهم إلى 708 أطفال في صفوف الفلسطينيين, و123طفلا إسرائيليا.
إيقاف عجلة العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات يتطلبان عددا من الاشتراطات الأساسية يذكرها كارتر:
1-حماية أمن إسرائيل.يجب أن يعترف العرب-صراحة-بأن إسرائيل حقيقة, ولديها الحق في أن تعيش في سلام, خلف حدود آمنة معترف بها.
2-تحديد حدود قانونية دائمة لإسرائيل, وهي تلك الحدود التي عرفتها ما بين عامي1948 و1967 ينص على ذلك قرار الأمم المتحدة الشهير242 الذي لا يزال القانون الملزم الرافض لاحتلال أراضي الغير بالقوة, ويفرض انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها فيما يعرف بحرب الأيام الستة عام1967.
3-سيادة دول الشرق الأوسط وقدسية الحدود الدولية ينبغي احترامها.ويعد احتلال إسرائيل المتواصل للأراضي الفلسطينية من العقبات الأساسية في سبيل بلوغ اتفاق سلام شامل.
وهناك عامل مهم يسهم في استمرار وتيرة العنف في الشرق الأوسط-على حد تعبير كارتر-هو الموقف الأمريكي المشجع لإسرائيل. في هذا السياق فإن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض(الفيتو)في مجلس الأمن نحو أربعين مرة من أجل الحيلولة دون صدور قرارات من شأنها إدانة إسرائيل. والملاحظ أن غياب الإصرار على حل القضية الفلسطينية هو مصدر كبير لمشاعر العداء للولايات المتحدة, والدافع وراء الأعمال الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
ويحدد كارتر ثلاثة أسس لاستئناف المفاوضات بين العرب وإسرائيل:
1-أن يعيش الفلسطينيون في سلام وكرامة على أراضيهم, وفقا لما نص عليه القانون الدولي, فمن غير المقبول أن يتحول الفلسطينيون إلى سجناء محاطين بأسوار ونقاط تفتيش, يعيشون فقط على نسبة صغيرة من أرضهم.
2-أن تتفق كل الأطراف على رفض قتل المواطنين العزل في إسرائيل وفلسطين ولبنان.
3-أن يقبل الفلسطينيون والدول المجاورة حق إسرائيل في الوجود, والعيش في سلام ضمن حدود متعارف عليها.يتحقق ذلك من خلال الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام1967م, وما نص عليه في اتفاقية كامب دافيد, وخارطة الطريق, وهي جميعا تعد الاختيار الأكثر جاذبية لإرساء أسس السلام. كتاب جرئ يستحق القراءة