ترجمه عن الإسبانية : الحدرامي الأميني
عنت نهاية الحرب البادرة تراجعاً للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط. ولم يبق لموسكو إلا تحالفها الاستراتيجي مع سوريا وإيران، الذي تبذل قصارى جهدها للحفاظ عليه بمواجهة كل الصعاب، ولو على حساب الانتقادات والضغوط التي تواجهها على المسرح الدولي.
مبادئ القومية والسيادة
كانت روسيا حليفاً تقليدياً للنظام السوري لمدة طويلة قبل أن يستولي آل الأسـد على السلطة في عام 1970، نظراً إلى طبيعة النظام الذي كان يقدم نفسه على أنه قومي عروبي واشتراكي بقيادة حزب البعث، وكان يشكل ثقلاً موازياً مهماً لإسرائيل، الحليف الأكبر لواشنطن في هذه المنطقة. في عهد بريجينيف، وقعت موسكو اتفاقاً للتعاون العسكري مع دمشق، لم يعن لها تسهيلات في الانتشار الجوي والبحري وحسب، و إنما جعل من سوريا زبوناً بارزاً لشراء السلاح السوفياتي، في شكل طائرات، وأنظمة دفاع جوي، وصواريخ مضادة للسفن، وأسلحة خفيفة. هذا التقليد استمر ونمى خلال رئاسة بوتين، وخاصة عندما فتحت الحرب في العراق نافذة أخرى من الفرص للعلاقات الروسية السورية. في أعقاب تلك الحرب مباشرة، اتهمت الولايات المتحدة نظام بشار الأسـد بحماية الإرهاب في بلاد ما بين النهرين. وفي ذلك الحين كان بوتين يُظهِر لواشنطن عضلاته الوطنية ويبدأ بتوسيع شبكة من الاتفاقات الاستراتيجية إلى كل تلك البلدان المعارضة للمصالح الأمريكية في قارات مختلفة، ومن بينها لم يكن من الممكن تجاهل سوريا.
القومية والسيادة هي ما يحدد الموقف الروسي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قبل وبعد الربيع العربي. يمكن فهم التهكم الوارد في مقال نشر حديثاً في صحيفة عرب تايمز الكويتية ” الناطقة بالانكليزية ” والذي يقول فيه وزير نفط كويتي سابق إن المعاناة الطويلة للروس الذين خضعوا للديكتاتورية لأكثر من سبعين عاماً، حملتهم على التفكير في الطغاة بوصفهم التعبير الأقصى عن الديموقراطية. بالنسبة لمن يمتلك مفهوماً مفرط الواقعية عن السياسة الخارجية، فإن الديموقرطية هي مجرد قضية داخلية للدول، وفي الحد الأقصى، يكون الشيء الوحيد الذي يمكن فعله، من أجل عدم انتهاك المبدأ المقدس في عدم التدخل، هو دعوة الأطراف المتنازعة إلى الحوار.
وساطة ذات مصلحة
تحتفظ روسيا بقاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري، حيث يتم تزويد أسطول البحر الأسود بالإمدادات. هنالك رست مؤخراً حاملة الطائرات الأميرال كوزينتزوف، التي تابعت بعد ذلك رحلتها في البحر الأبيض المتوسط، مع سفن أخرى، من أجل المشاركة في بعض المناورات. يحتمل الأمر تفسيرين: التفسير الروتيني بأن المناورات كانت متوقعة مسبقاً، والتفسير الذي يتردد في الصحافة الرسمية، بأن وجود القوات البحرية الروسية يمثل دعماً جديداً من موسكو لنظام الأسـد، وهي إشارة واضحة على أنه لايمكن القبول بأي تدخل أجنبي في القضايا الداخلية، لا في شكل عقوبات ولا في شكل ” تدخل إنساني”. إنها إشارة شكرها متظاهرون حملوا لافتات قبالة الأسطول الروسي، رغم أن مرور الوقت يظهر أن هذه الدعم له حدود، بالنظر إلى مشروع القرار الذي قدمته روسيا إلى مجلس الأمن في الخامس عشر من ديسمبر| كانون الأول الماضي، وتدعو فيه إلى وقف العنف والحوار بين الحكومة والمعارضة، وهي عبارات مشابهة لتلك التي استخدمتها الجامعة العربية من أجل تبرير إرسال المراقبين إلى سوريا.
يتعقد الوضع لأن بشار الأسـد يريد الاستمرار في أن يكون هو الحل بدون أن يتخلى عن كونه سبباً للمشكلة. فرغم القمع، يستمر في تقديم نفسه بوصفه الوحيد القادر على قيادة مسيرة البلاد نحو التحول الديموقراطي. إما أنا أو العنف الطائفي، تكرار للمجازر العراقية في سوريا ولبنان أو النظام نفسه من أجل الاستمرار في توفيرالاستقرار لشعبه، مع إدخال بعض الإصلاحات الهيكلية. يحاول الرئيس تغذية الأمل نفسه الذي تم زرعه عندما حل محل والده في عام 2000. لكن إذا كان قد عرض في وقت ما القيام بالإصلاح بشكل جدي، فإنه واجه عقبات لا يمكن اجتيازها تقريباً في نظام متحجر في بناه الاجتماعية، حيث الأقلية العلوية تهيمن على مفاصل السلطة المدنية والعسكرية، وفي الحياة السياسية تُكَرَّر الشعارات القديمة عن الوحدة والحرية والاشتراكية، البعيدة عن ديموقراطية ذات تعددية حزبية حقيقية. في هذا المشهد من الجمود السياسي ماذا تستطيع روسيا أن تفعل؟
الهدف الرئيسي للروس سيكون تقديم أنفسهم كوسيط بين النظام والمعارضة في المجلس الوطني السوري. لا يحتاج المعارضون إلى موسكو من أجل تقديم دروس عن الديموقراطية وإنما من أجل دعوة عشيرة الأسـد لمغادرة السلطة والحصول على منفى ذهبي لم يتوفر لمبارك أو القذافي، اللذين لم يكونا مدركين قط بأن أيامهما كانت معدودة. لكنَّ المنفى هو مكافأة زهيدة بالنسبة إلى من لم يعرف في حياته شيئا آخر غير السلطة. وهو يمكن أن يقبل شيئاً كهذا في حالة يائسة جداً، الأمر الذي يعتقد حكام سوريا أنه مازال بعيداً، ذلك أن روسيا والصين سينقضون في مجلس الأمن أي قرار بتدخل أجنبي، والمعارضة منقسمة جداً حول خططها العملية والمستقبل الذي لا تبدو فيه إمكانيات الانتصار على المدى القصير.
وعليه، ستستمر موسكو في الدفاع عن سيادة الدولة السورية وعن مبدأ عدم التدخل. لكن مع ذلك كله، يعي الروس أن الوقت، لا سيما في حال زيادة عدد القتلى، لا يعمل في صالح حكومة الأســد. ومن هنا كانت الحاجة إلى عدم إهمال الاتصال مع المجلس الوطني السوري، الذي أكد رئيسه برهان غليون في موسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على أن المصالح الروسية ستبقى مضمونة عند تغير النظام.
وهكذا فإن الهدف الرئيسي للروس سيكون إقناع أية حكومة يمكن أن توجد في دمشق بأن موسكو فقط هي التي تستطيع الاستمرار في ضمان مصالحها، في تناقض واضح مع تطلعات الولايات المتحدة، إسرائيل، تركيا أو الغالبية العظمى من أعضاء الجامعة العربية.