ليس الرئيس الأمريكي باراك أوباما القائد الوحيد الذي يشعر بأن عليه الوفاء بالتزاماته مع اقتراب الموعد النهائي بتاريخ ٣١ آذار/مارس للتوصل إلى إطار عمل بشأن اتفاق نووي. فالرئيس الإيراني حسن روحاني قد راهن من جهته بحاضره ومستقبله السياسيين على قدرته على إبرام اتفاق. وهو يحظى، حتى الآن، بتأييد الغالبية العظمى من الشعب الإيراني، التي يغريها الوعد المتمثل برفع العقوبات وتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ناهيك عن التمتع بالحصانة إزاء ضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية محتملة.
ولكن على غرار أوباما الذي يواجه مقاومة شديدة من بعض الكتل المحلية، فإن روحاني وزملاءه في التفاوض أيضاً يتواجهون مع معارضين محافظين أقوياء. ففي ١٤ آذار/مارس، كتب حسين شريعتمداري – المعيّن من قبل المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي والذي يترأس تحرير صحيفة “كيهان” المتشددة – افتتاحية بعنوان “الاتفاق النووي مستحيل”، اعتبر فيها أن توقع رفع العقوبات غير واقعي نظراً لأن العقوبات هي “السلاح الأكثر فعالية الذي تمتلكه الولايات المتحدة وبالتالي فلن تتخلى عنه”. إن مثل هذه التصريحات تستوجب بعض التفسيرات، كونها صادرة عن أحد مساعدي خامنئي – وفي الواقع الشخص الذي غالباً ما يعرب عن الآراء المباشرة للمرشد الأعلى لكي تمنحه حصانة شخصية. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل يتراجع المرشد الأعلى، الذي عبّر بشكل علني وإن بصورة قليلة الحماس عن دعمه للمحادثات، عن التزامه الأساسي؟ أو هل يشير هذا الخطاب إلى محاولة مبكرة لصرف اللوم عنه إذا ما تعثرت المحادثات؟
ولا بد من الإشارة إلى أن شريعتمداري لا يدعو إلى إنهاء المحادثات، إذ يقر ضمنياً بأن فشلها قد يلحق ضرراً بالمتشددين وبدعاة الإصلاح على حد سواء. فقد كتب في مقالته ما يلي: “تعتبر مواصلة المفاوضات ضرورية، أولاً لأن ذلك من شأنه أن يثبت أن الولايات المتحدة ليست محط ثقة، وثانياً لأن المفاوضين النوويين الإيرانيين يمتلكون اليد العليا في ما يتعلق بالحجج القانونية والتقنية التي تشكل أساس المفاوضات”. فليس هناك إيراني منخرط في المحادثات يرغب في تحمل مسؤولية فشلها، لذلك فالسماح باستمرارها إلى أجل غير مسمى، ولو لم تؤتِ ثمارها، لا يُعد بالضرورة أسوأ سيناريو بديل.
وإذا ما افترضنا أن المرشد الأعلى وحلفاءه ليسوا مستعدين فعلاً لعرقلة الاتفاق النووي، فسيولد مثل هذا الوضع ارتياحاً عميقاً لدى معظم الإيرانيين.
ولكن حتى بالنسبة إلى روحاني، ستبقى بعض التحديات قائمة. فبغض النظر عن الشروط المحددة، سيواصل المتشددون هجومهم العنيف على الرئيس الإيراني على خلفية عناصر الاتفاق غير المحبذة. فهم سيغالون في التحدث عن التنازلات المطلوبة من الجمهورية الإسلامية وسيقللون من شأن منافعها.
وبالطبع، سيكون مصير روحاني السياسي أصعب بكثير حتى في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق. وستقضي نتيجة كهذه بتبرير شكوك المتشددين في ما يتعلق بالمحادثات النووية، وستشكل مادة دسمة ضد دعاة الإصلاح الذين سيترشحون في عام ٢٠١٦ للانتخابات البرلمانية وانتخابات “مجلس خبراء القيادة”، وهو عبارة عن هيئة دينية ترفع تقاريرها إلى المرشد الأعلى.
وسيسبب فشل المفاوضات خيبة أمل كبرى لدى الإيرانيين، وسيوجه بعضهم بلا شك أصابع الاتهام إلى نطاق يتعدى روحاني، إذ سيبرز المشتبه بهم المعتادون، مثل الإسرائيليين والأمريكيين. وقد سبق أن هاجم المرشد الأعلى الغرب على خلفية افتقاره للجدية والصدق في التعامل، إلا أن استمرار العقوبات سيثير حتماً غضباً تجاه المؤسسة الدينية، بما فيها خامنئي. فالوضع الذي يتصف بضيق اقتصادي وانعدام الأمن العسكري سوف يجعل من إيران مكاناً غير مناسب للعيش إلى أمد طويل.
لذلك يؤيد خامنئي أيضاً إبرام اتفاق ضمن إطار العمل والجدول الزمني القائمين؛ حتى ولو كان الاتفاق يتضمن شروطاً قد تعجز مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» عن تلبيتها. فصحيح أن روحاني قد يتحمل العواقب السياسية لفشل المحادثات على المدى القريب، غير أن خامنئي وأعوانه سيشعرون في النهاية بتصاعد المعارضة على المدى الطويل من جانب الهيئة الحاكمة التي يراودها شعور متزايد باليأس.
قد يُعتبر التوصل إلى اتفاق ضرورة ملحة بالنسبة للرئيس أوباما، إلا أن المحادثات ترقد بأمان في جيب السياسة الخارجية الأمريكية. أما بالنسبة لروحاني وخصومه على حد سواء، فلا ترتبط المحادثات بالسياسة الخارجية فحسب، بل باستمراريتهم على الصعيد السياسي وعلاقتهم بناخبيهم والرخاء الأساسي لبلادهم.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن وباحث في شؤون الإسلام.