“شر البليّة ما يضحك”.
وشر البليّة هنا هو أن معتوها سعودياً قرّر فجأة أن يحرّر فلسطين من نهر البارد في شمال لبنان بينما تقع فلسطين في أقصى جنوب لبنان. لكن، ماذا عن “الدروس الدينية” التي “أهّلت” هذا الشاب الذي “يعاني اضطرابات نفسية” ليصبح “إنتحارياً” راغباً في “شراء الجنّة”. (يمكن أن يكون السؤال أيضاً: هل هذه “الدروس الدينية” هي سبب “إضطراباته النفسية”؟…)وهذا سؤال مطروح على السلطات السعودية التي لم تتمكّن حتى الآن، باعتراف وزير داخليتها، من وضع حدّ لنظام التعبئة الوهّابي الذي يستمرّ في “تخريج” إنتحاريين مع أن المملكة نفسها أصبحت ضحية للعمليات الإرهابية! الموضوع التالي من “الحياة” التي كانت تغطيتها مميّزة للأحداث اللبنانية الأخيرة.
*
أظهرت المعارك التي يخوضها الجيش اللبناني منذ 20 أيار (مايو) الماضي، ضد مقاتلي «فتح الاسلام» وخلاياها النائمة في غير منطقة لبنانية، وخصوصاً في عاصمة الشمال طرابلس وفي البقاع، تواجداً سعودياً كبيراً. ففي كل معركة أو اشتباك، سواء أكان في نهر البارد أم في المناطق الأخرى، كان بين القتلى أو الموقوفين سعوديون.
فـ «خلية بر الياس» التي كانت تعد لمساندة «أهل السنّة في نهر البارد» عبر اطلاق صواريخ من قرى شيعية على قرى مسيحية وتفجير سيارة مفخخة في مدينة زحلة البقاعية، كان أميرها سعودياً يدعى فهد بن عبدالعزيز المغامس وهو الآن موقوف لدى القضاء العسكري مع أفراد الخلية الآخرين وهم ثمانية من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية.
وفي عملية أبي سمرا قضى 3 سعوديين وروسي ولبنانيان وسوريان. وفي عملية مغارة القلمون قضى 3 سعوديين وسوريان اثنان وعراقي. وفي نهر البارد قضى عدد من السعوديين وأوقف 4 موجودون الآن لدى القضاء العسكري بينهم الشاب عايض عبدالله القحطاني (22 عاماً)، وهم لا يزالون موقوفين مع آخرين في انتظار استكمال الجيش اللبناني معركته مع فلول «فتح الاسلام» في المخيم القديم، وكذلك استكمال القضاء العسكري اللبناني تحقيقاته في القضية وإحالة الموقوفين جميعاً على المحكمة العسكرية لمحاكمتهم بتهم تأليف مجموعة إرهابية للاعتداء على الأموال والناس والممتلكات العامة والخاصة.
كيف تمكنت «فتح الاسلام» من استدراج هؤلاء السعوديين الذين ربما يوجد لهم أتراب لا يزالون مع فلول التنظيم في المخيم القديم يواصلون القتال، وربما قضى عدد منهم في المعارك ودفن في المخيم؟
اتصلت «الحياة» بأحد المقربين جداً (تمنى عدم ذكر اسمه) من القحطاني، فروى ما توافر من معلومات عن سيرته وكيف استمالته «فتح الاسلام» وحال أهله وفحوى الاتصالات التي كان يجريها في شكل يومي أخوه علي به، والوسيلة التي تمكن بها علي من اقناع أخيه بأن يسلّم نفسه الى السلطات اللبنانية.
كان عايض المولود عام 1985 مقيماً مع عائلته في الرياض حيث كان يدرس في كلية المعلمين في الجامعة. وكان منذ مراهقته متلزماً دينياً لا همّ له سوى درسه الذي كان ينال فيه درجة امتياز، ومتابعته دروساً وندوات دينية، ما جعله أكثر أخوانه شعوراً بالمسؤولية تجاه أهله. وهذا السلوك جعل والده يطمئن إليه، ويوفّر له حاجاته من مال وسيارة وجوال من دون أن يطرح عليه أي أسئلة من قبيل: «اين تذهب؟ وماذا تفعل؟».
بعد فترة، تعب الجد المقيم في أبها (جنوب السعودية) فاضطر الوالد الى الانتقال مع أسرته بمن فيها عايض الى الجنوب ليعتني بأبيه، فانتقل عايض الى كلية التربية في أبها وشارف على التخرج ولكن…
كان عايض حين يشاهد أخبار العراق وفلسطين ينبري داعياً الله أن يهلك الأميركيين واليهود، أمام أهله الذين لم يلاحظوا ان لديه «فكراً خاطئاً عن الجهاد والدين». وكان الوالد بين فترة وأخرى يدخل عليه في غرفته فيجد لديه أفلاماً عن فلسطين والعراق فيسأله: «وش هالخرابيط؟»، من دون أن يظن أن ولده «سيصبح يوماً من الفئة الضالة».
أصبحت لعايض اهتمامات رياضية إذ راح يتمرن على فنون القتال كالـ «كاراتيه» والـ «بوكس». استغرب الأهل لكنهم لم يمانعوا. وإضافة الى ذلك، كان يغيب عن المنزل يومي الخميس والجمعة، يسافر فيهما الى الرياض والقصيم. وكان يمرّ بأخيه علي المقيم في الرياض، والذي استغرب كثرة أسفاره (بين الجنوب والرياض نحو ألف كيلومتر)، ويسأله عن أسباب كثرة أسفاره، خصوصاً انها تكبده مصاريف كثيرة، وكان عايض يجيبه: «أتمشى، وأطلع البر».
استمر على هذه الحال إلى أن جاء يوم اتصل فيه بوالده وقال له: «إنني لا احتاج الى السيارة فليأخذها أخي». فقال له الأب مستغرباً: «لماذا؟ ألم تعد تحتاج إليها للذهاب الى الجامعة؟». فقال له الأبن: «لا، سأقيم مع صديق لي بجانب الكلية».
قدّر الأب أن هناك أمراً ما يخفيه عليه، فاتصل بابنه البكر علي المقيم في الرياض وأبلغه بأمر أخيه عايض على أن يتولى علي ذو المكانة الطيبة بين أخوانه، معالجة المسألة.
اكتشف علي أن أخاه أصبح خارج السعودية، وأنه جاء الى لبنان، فتحرّى عن السبب وتبين له أنه ليس في نزهة بل «غسل عقله وجاء للجهاد، تبع عايض طريقاً خطأً والأفضل إبلاغ السلطات بالأمر»، بحسب ما قال له أحد معارفه.
أبلغ علي والده والأمن السعودي بالأمر، وواظب على محاولة الاتصال بشقيقه الذي احضر معه جواله السعودي وأخفاه عن مستقبليه في لبنان، الى أن وافق الأخير على التحدث معه موحياً إليه في بادئ الأمر أنه في العراق، ومشترطاً عليه ألا يبلغ أحداً بذلك. ووجده أخوه عبر الهاتف «إنساناً غريباً» و «إذا ذكر اسمه على الهاتف اقفل الخط».
في هذه الأثناء، علم شخص يعرف عايض بالأمر، فجاء الى الأهل وأبلغهم، بأنه كان ينوي الخروج من السعودية قبل سنة وأنه أقنعه بالعدول عن الأمر «لكنهم غسلوا مخه مرة ثانية».
بحث الأهل في غرفة عايض فوجدوا رسالة تركها لهم يعتقدون انه ليس كاتبها بل هي من عمل شخص متمكن فيها جمل عصية على الفهم، ومما يقول فيها: «السلام عليك، أنا ذاهب الى الجهاد، ذاهب لأشتري الجنة، وأرجو أن تسامحوني».
وكذلك بحثوا في سيارته فوجدوا فيها كتباً عادية متوافرة في المكتبات كتفسير القرآن وأحكام الدين، إضافة الى ورقة صعقتهم كما صعقهم خروجه، وهي تقرير طبي صادر عن مركز للعلاج النفسي الاجتماعي في الرياض، يفيد أنه يعاني اضطرابات نفسية وانه يعالج وهو يتماثل للشفاء. اتصل الأهل بالمركز وأكد لهم الأمر وزودهم نسخة من ملفه.
عرف علي لاحقاً ان ثمة من غرر بأخيه بفكر «الجهاد» داخل السعودية، وأن جماعة «فتح الاسلام» استدرجوه عبر الانترنت. واكتشف علي ان استمالة أخيه لم تكن بالفكر و «غسل المخ» فحسب، بل باغراءات مالية، إذ وعدوه بأن يزوجوه ويؤثثوا له منزلاً ويقدموا له أموراً كثيرة… لكن لاحقاً تبين أن كل ذلك خداع.
وعلّمه أخوه عايض طريقة الاتصال عبر البريد الالكتروني بعدما توطدت الثقة بينهما مجدداً، وراحا يستخدمانها وهي طريقة يعتبرانها آمنة وتقوم على استخدام شخصين أو أكثر لعنوان بريدي واحد، فيدخل الأول ويكتب رسالة بمفردات ورموز يفهمها الشخص الآخر، ثم يحفظ الرسالة في العنوان نفسه ولا يرسلها، فيدخل الشخص الآخر بكملة السر نفسها ويقرأ الرسالة ثم يمسحها.
واستخدم علي مع أخيه في تلك الرسائل والاتصالات اليومية على مدى نحو 4 أشهر، أي قبل اندلاع الاشتباكات وأثناءها، أساليب الترغيب والتهديد، فطوراً كان يقول له انطلاقاً من فكر عايض «الجهادي»: «إن طاعة الوالدين ورضاهما عليك أهم جهاد وهما ليسا راضيين عليك الآن»، وطوراً يقول له: «إن والدك سيذهب الى المحكمة ويتبرأ منك»… وكان عايض يجيبه غير مقتنع: «دع عنك ذلك، فكل الشبان الذي خرجوا للجهاد حزن أهلهم ثم رضوا عليهم لاحقاً»… الى ان كاد علي ينجح في إقناع أخيه بالعودة باختلاق قصة مفادها انه قابل شيخاً يحبه عايض ويسمع كلمته، وأن الشيخ قال له قل لعايض: «هذا الزمن لا يوجد فيه جهاد وأن أخاك ذهب الى أمر خاطئ». فأجاب عايض: معقول! فأكد له علي الأمر، وشعر للحظة أنه اقتنع بالعودة، وطلب أن يكلم والده، لكن أباه رفض محادثته عبر الهاتف مشترطاً «أن تأتي هنا الى السعودية».
لكنه انقطع فترة عن الاتصال «لأن الجماعة ضيقوا عليه وغسلوا مخه» واتصل ليقول لأخيه: «وزّع ورداً ولا تحزنوا عليّ». فاتصل به قائلاً: «لا تدع أحداً يضحك عليك ويغرّك بصلاته وصيامه، فهؤلاء أبعد ما يكونون عن الجهاد والإسلام، عليك أن تسلّم نفسك وأن تعترف بكل صغيرة وكبيرة وعليك أن تعرف أنك ستلقى جزاءك ولا تقل إن أخي غدر بي».
أما عايض فكان يطلب من أخيه في الاتصالات ان يرسل اليه مالاً فهم منه أنه يريد أن يشتري به سلاحاً، خصوصاً أثناء الحرب إذ أقر له بأنه ليس مسلحاً وانه يعمل في الكومبيوتر والمعلوماتية في مكان بعيد عن الجبهة، وكان يشحن هاتفه ويراسله.
وكان علي الذي لم يرسل إليه مالاً، يشغله بالحديث عن حاله سائلاً إياه: «ماذا أكلت اليوم؟»، فيجيبه عايض: «إنني صائم». وهذا الجواب كان يتلقاه يومياً، وأن الإفطار «نواشف» (أجبان وما شابه).
لم يعرف علي الظروف التي كان أخوه يتصل به فيها، ولم يكن يعرف مكانه في المخيم ولم يعرف كثيراً عما كان يفعله وهو الى الآن لم يعرف كثيراً من التفاصيل التي يعد نفسه بالاطلاع عليها «حين يعود عايض الى السعودية».
وعلى رغم كل ما حصل، يلتمس علي لأخيه عذراً بأنه «مغرر به» وأنه لم «يتخذ قرار خروجه من السعودية وحيداً، فأنا أعرفه لا يمكنه أن يقرر فعل أمر من هذا النوع وحيداً، فنحن لم نسافر خارج المملكة مطلقاً حتى البحرين لم نزرها، عودنا والدنا على البقاء هنا وكان يقول طالما كل شيء متوافر عندنا فلماذا نسافر؟».
وبعد ثلاثة أسابيع من اندلاع المعارك في مخيم نهر البارد وكان علي تمكن من تبديل رقم أخيه بالشريحة نفسها، اتصل عايض بأخيه خائفاً وهامساً له أنهم أعطوه سلاحاً ونقلوه الى مكان متقدم، طالباً منه مساعدته على الفرار، فقال له: «لا تفعل شيئاً تندم عليه».
وقال له عايض: «كيف أهرب؟ فهذه الفئة تستهدف كل واحد منها يحاول الهرب؟ هددوني بالسلاح إذا سلمت نفسي». فقال له علي: «إذا كان الأمر كذلك فاعمل حسابك أنك في الأمرين ميت، يا أخي اتصرف وسلّم نفسك».
بعد 4 ساعات اتصل عايض بأخيه وقال له: «سأسلم نفسي» وكان ذلك آخر اتصال بينهما. وعندها اتصل علي بالمسؤول الأمني في السفارة السعودية في بيروت، وتولى الأخير التنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية فأمنت له خروجه بسيارة إسعاف الى حاجز الجيش اللبناني الذي تسلمه وساقه مخفوراً الى التحقيق لدى مديرية المخابرات في الجيش أولاً، ثم أحاله على القضاء العسكري فتم الادعاء عليه واستجوبه قاضي التحقيق، وأفاد أنه جاء الى لبنان للجهاد وتحرير القدس.
الحياة
رواية شاب لم يسافر في حياته وجاء الى بيروت ليحرر القدس!
ماشاء الله عائض عبقري الكومبيوتر والمعلوماتية خريج الكلية ابن الناس والعائله لا يستطيع التفريق بين مخيم في لبنان ومدينة فلسطينية , كان يشاهد الأشرطة عن فلسطين منذ صغره ولا يمكنه التمييز بين الجيبش اللبناني و الاسرائيلي , رغم أن عقله كان مفسولاً , يا سيدي الحريري والشلة تبعو خرج يبطلو سياسة ويبلشو يكتبو سلسلة جديدة من مغامرات تن تن.