من مفارقات الأمور أن ارتداء الحجاب والشادور كان من رموز رفض نظام شاه إيران عام 1978، وكانت تلك بداية الثورة الشعبية العارمة، التي أتت بالخميني قائداً للجمهورية الإسلامية عام 1979!
واليوم أصبح خلع الحجاب وحرق الشادور من رموز رفض النظام الجمهوري الإسلامي على طريقة رجال الدين!
ومن المفارقات أيضاً أن الانتفاضة أو الثورة الشعبية الحالية في عاصمة الدولة التي يعتقد حكامها أنهم يمثلون الشيعة، ويعتزون بانتمائهم للفرس، أشعلتها فتاة لا هي بالفارسية ولا هي بالشيعية، بل سنية ومن أصل كردي!
***
لا توجد غير دولتين أو ثلاث في العالم تمتلك ما لدى إيران من إمكانات مميزة وكتلة شبابية قوية، وقدرات وإمكانات صناعية وزراعية هائلة، واحتياطيات نفط ضخمة، ومعادن وفيرة ودرجات حرارة متفاوتة على مساحة مليون و650 ألف كم2، وشعب قوي الشكيمة يقارب تعداده الـ90 مليونا، وغير ذلك من ثروات. ومع هذا يستميت نصفه للفرار للخارج، وتحلم البقية بذلك، بعد أن نجحت أفضل العقول العلمية والطبية والهندسية، طوال السنوات الـ43 الماضية، في الخروج من البلاد، وغالبا برضا الحكومات كي يخلو لها الجو فتبطش بمن تريد وتضيق على الحريات كما تشاء.
ينتشر في إيران، كغيرها من الأنظمة شبه الفردية، الفساد وغياب العدالة، وتحكم رجال الدين، وغالبيتهم من قليلي الدراية والخبرة، بمفاصل الدولة، مع إصرار نظامها على الدخول في مغامرات خارجية في عدد من الدول العربية، فلا هذه الدول تغير وضعها للأفضل، نتيجة تدخلهم في شؤونها، ولا استفادت إيران من نفوذها السياسي في هذه الدول، المتخلفة بطبيعتها.
لقد انهارت كل الأوضاع في إيران وأصبحت عملتها في الحضيض وغصت سجونها بسجناء الرأي والسياسة، وامتلأت شوارع مدنها وقراها بالعاطلين عن العمل، وأزمتها الاقتصادية في تفاقم، وليس هناك أمل في تحسن أوضاعها في المستقبل القريب. وحتى لو حدث شيء من هذا، فإن خيرة عقولها التي تركتها وهربت لن تعود للعيش تحت حكم أوتوقراطي يرونه متسلطاً، وحصار اقتصادي خانق وعقوبات قاسية، وكل ذلك من أجل تحقيق أوهام عظمة لا تستحق كل هذه التضحيات.
يصعب تصور قيام النظام الحاكم بالتنازل للمحتجين، وتلبية مطالبهم، خاصة أن غالبية هؤلاء المتظاهرين، والذي سيدفعون الثمن أكثر من غيرهم، من النساء، العزل من أي سلاح غير الإرادة والتوق للحرية. ولكن فرض ارتداء الحجاب بالقوة أمر يصعب تنازل النظام عنه، لرمزيته، وكونه وسيلة للتحكم في المرأة، كونها عنوان «إفساد» يجب تغطيته.
لذا لم يكن غريبا سكوت كل الحركات الدينية، حتى تلك المعادية لإيران، عن تأييد تحرك نسائها وانتفاضتهن وسعيهن لتغيير أوضاعهن، فموقفهم من المرأة، أقوى من كراهيتهم للنظام الحاكم.
إن إيران اليوم أحوج ما تكون لوقف التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبالذات العواصم العربية الأربع، وضرورة الانسحاب، المدني والعسكري منها، بشكل تدريجي.
كما أن عليها إقامة علاقات حسن جوار طبيعية مع جيرانها، وأن تجنح للسلم، وتولي وجهها شطر تنمية موارد البلاد الهائلة لمصلحة شعوبها التي تعاني من مثلث الفقر والجهل والمرض، وتعيد للشعب الإيراني حريته وكرامته. بعد أن ثبت بما لا يدعو للشك أن كل ما اتبعته من سياسات داخلية وخارجية طوال السنوات الثلاث والأربعين الماضية لم يسهم إلا في زيادة معاناة الشعب وإفقاره وسلبه حرياته، وتحويل واحدة من أجمل دول العالم وأكثرها جاذبية، لدولة طاردة لا يود شعبها العيش فيها، ولا يشعر مواطنو بقية دول العالم بالاطمئنان لزيارتها.
a.alsarraf@alqabas.com.kw