دعا فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفضيلة الشيخ علي أكبر هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران ، المسلمين إلى الحرص على الوحدة ونبذ الفرقة والاقتتال، وأكد الشيخان حرمة الاقتتال بين السنة والشيعة في العراق.
وشدد القرضاوي على أن يكون الإسلام فوق المذهب والوطن فوق الطائفة ، رافضا أن يتم تصنيف المسلمين على أساس عرقي أو مذهبي إلى “صفويين وعرب”. وتساءل قائلا: “إذا كنا نرحب بالحوار الإسلامي المسيحي فكيف لا نرحب بالحوار الإسلامي الإسلامي؟”.
فيما حذر رافسنجاني الشيعة في العراق من أن يستغلوا الموقف وينزعوا إلى الانتقام بناء على أن السنة كانوا من قبل هم الحاكمين ثم صار الأمر لهم، وأكد أنه إذا توحدت الصفوف فلن يبقى للمحتل مكان.
جاء ذلك خلال لقاء خاص مع قناة “الجزيرة ” ، أداره رئيس غرفة تحرير الأخبار في “الجزيرة ” أحمد الشيخ ، من خلال أربعة محاور رئيسية، هي الموقف من الصحابة، وإشكالية التبشير بأحد المذهبين في موطن الغالبية للمذهب الآخر، وحقوق الأقليات من الفرقتين، مع التركيز على المحور الرابع وهو ما يحدث في العراق من اقتتال وصفه القرضاوي بأنه “ذو نفس طائفي” .
ليست مناظرة
وأكد أحمد الشيخ أن الحلقة ليست مناظرة وإنما هي لقاء ليقول المرجعان كلمتهما للأمة بعد اتفاق أبرمه وفد من ” اتحاد العلماء ” مع علماء الشيعة أثناء زيارة قام بها قبل نحو أسبوعين إلى طهران .
وبدا رافسنجاني طوال مفاصل اللقاء متحفظا حريصا على ما سماه هدف اللقاء وهو التقريب وجمع الكلمة، بينما دعا القرضاوي إلى المصارحة ومواجهة المشكلات الحقيقية بوضوح.
وأثار القرضاوي الذي كان يتحدث من مقر إقامته بالدوحة عدة نقاط خلال المناقشة وفي مقدمتها قضية “سب الصحابة” ، وقال: “لا أستطيع أن أضع يدي في يدك إذا كنت أقول عن الصحابة وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وأنت تقول لعنهم الله”. كما أشار إلى بعض المصنفات لمراجع شيعية تسب الصحابة، مطالبا رافسنجاني بفتوى صريحة من المراجع الشيعية، “تحرم سب الصحابة وتدينه”.
وحمل رد رافسنجاني رفضا ضمنيا لتحميل الشيعة المسؤولية وحدهم عن هذه القضية قائلا: “إنني أتصور أنه على السنة والشيعة أن يصدروا هذه الفتوى التي تحرم الانتقاص من الصحابة”. وأضاف: “لا يمكن أن نتطرق لبعض الأقوال التفسيرية (للمراجع الشيعية) ونجعلها هي المعتمدة.. إننا في إيران نبدأ خطبنا بالحمد لله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وآل بيته”، في إشارة ضمنية منه إلى أن ذلك يعني رفض الشيعة سب الصحابة.
الاقتتال في العراق
الوضع في العراق شكل محورا ساخنا آخر في اللقاء ، حيث أشار القرضاوي إلى ما يجري في العراق من أعمال قتل على الهوية وتهجير قسري لأهل السنة واغتصاب مساجدهم، مشددا على أن إيران تمتلك من المفاتيح ما تستطيع به وقف ما يجري في العراق من أحداث طائفية بقوله: “الجميع يقر بأن إيران تستطيع أن تفعل الكثير في العراق وهي تملك المفاتيح هناك.. إيران تستطيع أن تفعل الكثير لحل المشكلة”.
وتساءل مرة أخرى عن أسباب عدم إصدار المراجع الشيعية فتوى واضحة وصريحة تجرم القتل الطائفي وتوجب مقاومة الاحتلال قائلا: “لو صدرت فتوى واضحة بتحريم فرق الموت من مرجعيات إيران لانتهت (المشكلة).. ولماذا لا تصدر فتوى توجب المقاومة بوضوح؟”.
وكالعادة، جاء تعليق رافسنجاني مغلف بلهجة رجل الدولة: “أوصي الدكتور القرضاوي أن يقرأ الأخبار وتوصيات المسئولين الإيرانيين وعندها سيعلم أن الأمر تغير بالنسبة لإيران.. كم من المرجعيات أدانوا ورفضوا ما يحدث.. ولا بد أن نشير إلى من بدأ العنف الطائفي من قتل المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم” بعد عودته من إيران إلى العراق في أعقاب الغزو الأمريكي.
وعن مسألة الفتوى ، فقال رفسنجاني: “يبدو أنه يجب أن أكرر أننا حرمنا ذلك، جميع العلماء والنظام في إيران يعتبر هذه الجرائم حراما وهي من المعاصي.. إننا أيدنا المقاومة ضد المحتل وكررنا هذا عدة مرات”.
التبشير المذهبي
وعندما أثار المحاور قضية التبشير المذهبي ، قال رافسنجاني: “إن أفضل السبل للتعريف بفكر جيد أو عمل جيد هو العمل الصالح.. فإذا كان المقصود ألا تقوم بأعمال صالحة فهذا غير صحيح.. أتصور أن التبليغ من حق الجميع أما إذا كان الأمر يتعلق بإثارة عيوب الآخرين فنحن لا نعتقد ذلك”.
وبدا أن القرضاوي لم يقتنع بهذه المقولة التي لم تتطرق بشكل مباشر للقضية فعكس تعليق ذلك. وقال: “ليس المقصود هنا هو عمل الخير ولكن المقصود هو تغيير مذهب الآخرين.. ونحن في أهل السنة لا نفعل ذلك فأنا على اتصال بالعديد من جمعيات الدعوة السنية الكبرى في العالم الإسلامي ولا أعلم لها نشاطا من هذا القبيل”.
وحذر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من أن عمليات التشيع في الدول ذات الأغلبية السنية التي لا تستقطب سوى أعداد محدودة جدا من السنة، ولا تؤدي في النهاية إلا لإثارة مشاعر الغضب والكراهية وتباعد بين المسلمين.
وعند التطرق إلى مسألة التكفير المتبادل بين السنة والشيعة، دعا القرضاوي للتوقف عنها من الجانبين قائلا: “هناك من يكفر السنة أو الشيعة.. لا أريد أن نتتبع المرجعيات الشيعية المغالين.. نحن نرفض التكفير، وأستطيع أن أقول بلسان أهل السنة نحن لا نحمل الشيعة أخطاء أسلافهم التاريخية”، كما شدد على أن الفتاوى التي تصدر عن الجانب السني قليلة جدا، مذكرا بموقف أهل السنة شبه الجماعي المناصر لحزب الله خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.
في المقابل، حمل رافسنجاني السنة المسؤولية عن فتاوى التكفير فخاطب القرضاوي قائلا: “أنتم تعلمون التكفيريين العرب (في العراق) من أين يأتون ليشاركوا في عمليات القتل في العراق”، فعقب القرضاوي مبتسما: “أنا لا أعلم حقيقة من أين يأتون.. ليس لدي جهاز مخابرات” .
قضية التقية
وكان لافتا عندما أثار مدير الحوار مسألة التقية عند الشيعة، (التي تعني إخفاء ما لديهم من معتقدات خوفا من ضرر هالك، والمعاشرة الظاهرة للعدو المخالف فيما يكون القلب محتفظا بالعداوة له، مما يثير الهواجس لدى السنة مما يكنه الشيعة لهم) أن دافع عنها بقوة رافسنجاني من منطلقين، الأول ديني حيث قال: “هذه القضية نابعة من القرآن وهو يحثنا على عدم طرح كل ما لدينا أمام الآخرين.. وأعداء الأمة هم الذين يحاولون طرح مثل هذه القضايا”، فذكره القرضاوي بأن هذه قضية بالفعل “مذكورة في القرآن ولكنها استعملت مع غير المسلمين وعلى سبيل الاستثناء”. أما منطلق رافسنجاني الثاني للدفاع عن مبدأ التقية فكان سياسيا بامتياز، فقد ذكر بأن الدول تعمد لإخفاء بعض من أسرارها حفاظا على مصالحها، مما يعني منطقية هذا المبدأ.
وتطرق القرضاوي لمسألة الأقليات حيث ذكر أن 15 مليون سني في إيران ليس بينهم وزير، فرد رفسنجاني بأن لديه أرقاما وردودا صريحة لا يريد أن يذكرها حتى لا يتجه اللقاء باتجاه ما يريده الأمريكان وحتى لا نقع في ما خططه لنا أعداؤنا.
ولم يسمح الوقت بسرد النقاط الثماني التي اتفق عليها في حوار وفد اتحاد علماء المسلمين مع مراجع الشيعة بطهران، ولكن القرضاوي ذكر منها أنه لا تذكر الخلافات للجماهير وإنما تتم بين العلماء بعيدا عن الإثارة والغوغائية.
وفي نهاية اللقاء ، شدد القرضاوي على ضرورة إطلاق خطوات عملية على طريق التقريب المذهبي، فقال: “نريد شيئا ملموسا على أرض الواقع من هذا اللقاء.. المسلمون في مشارق الأرض ينتظرون من هذا اللقاء أن يؤدي لعمل، ويريدون شيئا في العراق.. وقف الميلشيات وأن يعود المهجرون والمساجد التي اغتصبت وأن يقف التشيع إذا كنا نريد معالجة الأمر حقيقة (…) فالإسلام يجب أن يكون فوق المذهب والوطن فوق الطائفة”.
“العالم” و”السياسي”
وفي تعليق له على مجريات اللقاء ، رأى المفكر الإسلامي فهمي هويدي عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الشيخ القرضاوي اتبع أسلوب المصارحة والمكاشفة المنطلق من “العالم” الغيور على أمته الذي يسعى لـ”مس موضع الجراح”، في الوقت الذي كانت معظم إجابات وتعليقات رافسنجاني، الرئيس السابق لإيران، تحمل مواقف ضمنية أو دبلوماسية تعكس صورة “السياسي أو رجل الدولة” .
ونظمت قناة الجزيرة لقاء القرضاوي ورافسنجاني بالتعاون مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أعرب في وقت سابق على لسان أمينه العام المفكر محمد سليم العوا عن أمله في أن يشكل “هذا اللقاء بداية لإنهاء الأزمة القائمة بين السنة والشيعة والمحنة الدائرة رحاها في العراق”.
وكان العوا أوضح أيضا أن هذا اللقاء يعد باكورة “الخطوات البناءة” التي توصل إليها وفد “اتحاد العلماء” خلال مباحثاته مع المسئولين الإيرانيين في أثناء زيارته لطهران قبل نحو أسبوعين من أجل “إطفاء نار الفتنة”، و”رد الجمهور السني والشيعي إلى أصل الأخوة الإسلامية”.
(نقلاً عن موقع القرضاوي)