استفاق الشعب الايراني صبيحة يوم الانتخابات، في 12 يونيو، وكله امل وحيوية ليذهب لصناديق الاقتراع ليجلب لبلده التغيير المنشود. وهذا رغم ان التغيير الذي يطمح له الايرانيون لا يمثل سوى 40% من أمالهم العريضة التي لا تتحقق في الانتخابات بصيغتها الحالية وفي اطار الحجب والاقصاء الذي تمارسه السلطات ومجلس صيانة الدستور والتي تخرج عن اطار القانون الايراني الحالي ويتفرد بها شخص واحد، مثلها مثل الملكية ونظم الخلافة الاسلامية القديمة. ان امل الايرانيين يصب في تغيير الرئيس الحالي الذي جلب لهم المتاعب وزجهم في مشاكل هم في غنى عنها وجعل حياتهم اليومية وحرياتهم الشخصية في قبضة حديدية بيد الشرطة وقوى مماثلة تعتقلهم وتنتهك ابسط حقوقهم الانسانية. وهذا علاوة على نسب التضخم والبطالة وقمع الحريات واغلاق الصحف واعتقال ناشطي حقوق الانسان والسياسيين واعتقال الصحفيين، والقائمة تضم الكثير الكثير من مأسي الشعب الايراني برمته خلال فترة حكم احمدي نجاد الذي فاق جميع التصورات. وقد اصبح النظام في ايران بعد احمدي نجاد في مأزق حقيقي. فمن ناحية فقدان المشروعية، ومن ناحية اخرى الضغط الدولي عليه بسبب الملف النووي وقضايا حقوق الانسان. وهذا ما جعل من ايران بلد يتصدر اخبار العالم لمدة حكم احمدي نجاد.
ما جرى بعد الانتخابات هل كان صراعاً داخلياً بين الاصلاحيين والمحافظين، ام كان انقساماً حقيقياً بين رجالات النظام وعلى رأسهم احمدي نجاد ورفسنجاني؟ ام ان ما يجري في ايران مجرد سيناريو كتبه قادة النظام والذي يدفع فاتورته هو الشعب الايراني؟ ما حقيقة الصراع الايراني الغربي؟ هل يعود لمصالح ام انه صراع ايديولوجي ؟من يحكم ايران بعد الانتخابات: احمدي نجاد ام الحرس الثوري التابع لولي الفقيه ام رجال الامن (“سربازان كمنام امام زمان” = “الجنود المجهولون لامام الزمان”، والمقصود رجال الامن والمخابرات)؟ هذه الاسئلة وغيرها نحاول اثارتها والنبش في خباياها وذلك بإيجاز في هذا المقال.
لعبة القط والفأر بين رفسنجاني ونجاد، كما يرى البعض، هي مجرد خدعة وسيناريو لإبعاد الانظار عما يعانيه الشعب من متاعب اقتصادية واجتماعية وسياسية. والبعض الآخر يرى انها واقع حدث قبل اربع سنوات بعد هزيمة رفسنجاني، عمود النظام، أمام شاب صغير السن ليست لديه اية خبرة لا في السياسة ولا في الادارة ولا في الاقتصاد. يحلل البعض الاخر هذه القضية على انها معركة حقيقية بين جيلين: الحرس الثوري القديم الذي يلتف حول رفسنجاني وهو اصبح متقاعدا الان، والجيل الثالث الذي دعم وساند نجاد بوجه رفسنجاني قبل 4 سنوات. اذن هناك لعبة قط وفأر حقيقية، لكن المطلوب معرفة من القط ومن الفأر! الايام القادمة كفيلة بمعرفة هذا الامر لانها ستكون حبلى بالاحداث.
ما حقيقة الصراع الغربي الايراني؟ هل هذا صراع حقيقي ام انه مفتعل وصراع مصالح ولا دور للايديولوجيات؟ اذا كان صراعا حقيقيا، إذاً فلماذا عقد الغرب مع النظام عدة صفقات سرية وعلنية طيلة الـ30 عاما الماضية؟ واذا كان هذا صراعا ايديولوجياً، إذا لماذا الغرب دائما كان يغض الطرف عن انتهاك حقوق الانسان عندما تفتح باب المصالح مع هذا النظام؟ اذن ان الصراع الايراني مع الغرب صراع وجود بالنسبة لايران اي ان النظام الايراني مستعد للتخلي عن حزب الله اللبناني وحماس وغيرهم امام الحصول على ضمانات للبقاء على وجوده وعدم تغييره كما يرى البعض وان الغرب كذلك مستعد للتخلي عن مبادئه المتعلقة بحقوق الانسان والديمقراطية والحريات امام كسب مصالح وضمان هذه المصالح في ايران سواء كانت هذه المصالح يشتم منها رائحة النفط اوالغاز ام تنازلات سياسية وجغرافية ايرانية للغرب.
من يحكم ايران بعد انتخاب احمدي نجاد لولاية ثانية هل الحرس ام نجاد ام الولي الفقيه يحتاج هذا السوال بعض التدقيق لان الاجابة عليه في غاية الصعوبة اولاً ان ماجرى بعد الانتخابات وتمرُد نجاد على اوامر القائد فيه نوع من الالتباس حيث لم يحدث منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية لحد الان ان تمرد رئيس جمهور على اوامر القائد ولم يجرؤ احد على ذلك فما حدث لابوالحسن بني صدر اول رئيس جمهورية للنظام الحالي في ايران لم تمحوه الايام من ذاكرة الايرانيين كل هذه الاحداث ان دلت على شئ فهي تدل على ان ايران كانت بقبضة الولي الفقيه اما الان من يحكم ايران هل الحرس الثوري؟ اذا كانت الاجابة لا فلماذا قدم احمدي نجاد اسهم الاتصالات للحرس بكل سخاء حاتمي للحرس بعدعدة اشهر قليلة من فوزه بالمرحلة الثانية من الانتخابات هل هذه الصفقة كانت جزاءا مشكرورا للحرس على ما قدمه له ام ماذا؟ الاجابة صعبة للغاية لكن المتتبع يمكنه ان يستشفها من التطورات في ايران .
ما دور قوى الامن في هذه اللعبة وهل كما يرى البعض ان المخابرات هی التی تحكم ايران؟من هذه القوى الامنية ومن يرأسها وتتبع لاوامر من؟ المجلس الاعلى للامن القومي ام رئيس الجمهورية برفقة السلطات الاثنين ام القائد برفقة كل السلطات، ام انها مستقلة؟ الاجابة على هذا السؤال ليست بالامر الهين، ولكن الواضح ان غرفة ادارة ايران لا بد ان تكون بيد الحرس، وان الامن هم ينفذون اوامر الحرس. اذن هل ان الحرس الثوري هو من يحكم ايران؟ ام ان غرفة ادارة ايران تقع في وزارة الامن؟ من يدري لعل كل التساؤلات الفائتة كانت بالواقع مثار جدل داخلي فی ايران، وهی السبب وراء تآزم الوضع الراهن .
مطالبات الشعب تستمر على قدم وساق. فاليوم/الاحد 4/10/2009/ كانت تجمعات للمعلمين العاملين بشكل غير رسمي وبدون عقود في وزارة التربية ومحو الأمية. سألت أحدهم الذي كان متجمهرا أمام البرلمان الايراني الواقع في منطقة بهارستان عن أسباب المظاهرة فقال لي: نحن نريد حقوقنا ولن نحيد عنها، سوف نستمر بالتظاهر ولن نتراجع. هذه عينة بسيطة من أجواء طهران. فهناك الكثير الكثير من أمثال هذه المظاهرات تقع يوميا في طهران ولكن دون تغطية إعلامية لأن السلطات لا تسمح للمراسلين الاجانب بتغطية ما يجري في طهران وبقية أنحاء إيران.
أحمدي نجاد يمسك بزمام الامور حاليا. فمندوبو البرلمان يقدمون له دعما غير مسبوق.
هذه عينات من دعم البرلمانيين لاحمدي نجاد:
تصريحات بعض أعضاء كتلة الثورة التي تدعمه: صرح أحد البرلمانيين الداعمين لنجاد يوم أمس قائلا ان الرئيس الايراني هو من يحدد العلاقة مع أمريكا – هذه التصريحات على نقيض مع ما كان يصرح به قادة الكتل ونفس نجاد سابقا أن الموضوع المذكور بيد قائد الثورة وتدل على ان احمدي نجاد لديه قدرة تفوق حتى ولي الفقيه.
كتلة برلمانية اسمها “الثورة الاسلامية” هي التي تتخذ القرارات اليوم في البرلمان وأروقته:
نواب من هذه الكتلة دائما يصرحون ان مشروع رفسنجاني في نقاطه الخمسه حول المصالحة بين رموز النظام مرفوض وان من يحكم ايران اليوم هو احمدي نجاد. هذه التصريحات بمثابة.. لا للمصالحة بين شقي النظام الاصلاحي الذي يرى نفسه خارج اللعبة والمحافظ الذي يمسك بزمام المبادرة. وبعض البرلمانيين الموالين لاحمدي نجاد والمنتمين للكتلة المذكورة هاجموا مير حسين موسوي زعيم جبهة الامل الاخضر والمرشح الخاسر في الانتخابات بعد إصداره بيانا اكد فيه انه يسير وفقا لمبادئ النظام في حين طالبه البعض من البرلمانيين الموالين لاحمدي نجاد وأية الله نوري همداني دون أن يذكر اسمه (نوري همداني هو مرجع ديني ينتمي للتيار المتطرف) طالبه وطالب الاصلاحيين بالاعتذار لولي الفقيه ولاحمدي نجاد دون ان يذكره بالاسمن بالاعتذار لما أحدثوه من شرخ في النظام وما سببوه من مأسي بعد الانتخابا ت على حد وصفه وإلقاء اللوم على الاصلاحيين لانهم كما يرى المتطرفون دفعوا بالناس للتظاهر، فإذن من قُتل وأصيب بأي أذى وكل إراقة قطرة دم كان الاصلاحيون مسؤولين عنها وليس قوى الامن والشرطة التي أطلقت النار. ووصف بعض الاصلاحيين هذه التبريرا ت بأنها تشبه الى حد بعيد مقتل عمار بن ياسر في حرب صفين وتبرير معاوية قتله بان علي من قتله لأن علي من حرضه على القتال ومثل هذه المغالطات كثيرة بين المحافظين المتطرفين.
إذن نحن اليوم في إيران أمام مشهد غريب يًستخدم الدين فيه لتبرير ما ترتكب من أخطاء و جرائم. فاين تسير ايران هل نحو منزلق خطير أم أنها تسير بشكل طبيعي بدأته منذ 30عاما وكل ما يحدث اليوم هو مشهد متكرر لما حدث قبل ذلك باعوام وأن التاريخ أعاد نفسه. لكن تاريخ إيران بالامس لم يعرأحد له أي إهتمام لان الغرب كان قد حصل على امتيازات سلبها احمدي نجاد منه اليوم. ونفس ما يحدث اليوم قد حدث في عقد الثمانينات من إعتقال وقتل واغتصاب. لكن كانت المصلحة هي التي تحكم العلاقة مع ايران واصبح الغرب نادما اليوم ويريد التكفير عن ذنوبه وشعر أنه دافع عن الفاشيين قبل عشرين عاما. اما اليوم وبفضل تكنلوجيا المعلومات لا يستطيع شخص التنصل عن مسؤولياته لا الغرب ولا غيره. والسؤال المطروح هل أن الغرب سيصمت لو لم تكن التكنولوجيا قد فضحت الحكم في ايران؟ ولو أردنا المقارنة بين ما ما يحدث اليوم حيث لو كان نفس ما حدث- وكما يعرف الكثيرون ان ما حدث من انتهاك لحقوق الانسان و من قتل للمعارضة في الخارج وغيرها من مجازر في عهد رفسنجاني لا تقل عما يحدث اليوم لولا تفوقها – فهل يتخذ الغرب نفس الاسلوب وسيدافع عن المعارضة في الداخل امام كل الاغراءات التي تقدمها الحكومة الايرانية مقابل الصمت عن فضح انتهاك حقوق الانسان في هذا البلد أم ان معارضة اليوم لكونها ليبرالية تختلف عن معارضة الامس بسبب توجهاتها اليسارية؟ وغير ذلك من التساؤلات التي تبحث عن إجابة وتطرح من قبل الخبراء بالشأن الايراني.
أحمدي نجاد سيظل في هذه اللعبة الفأر الذي يطارد القط /رفسنجاني / ويجب أن ننتظر من سيقضي على من؟ وهل أن هذه اللعبة الخطرة ستقضي أصلا على النظام برمته؟ لا أحد يعلم لكن ايران حبلى بالاحداث الاتية وأهمها ذكرى انتصار الثورة في ايران ويوم الطالب وغيرها حيث سوف تتحدد معالم الصورة المستقبلية في ايران الى حد ما والتاريخ خير قاض .
رفسنجاني واحمدي نجاد لعبة القط والفأر المد والجزر بين النهجين الاصلاحي والمحافظ شكل استقطاب داخلي وخارجي معقد , مسلك هاشمي رفسنجاني المتعرج يتمحور حول الوسط دون الابتعاد كثيرا بأي اتجاه(فهو دائما على يمين الاصلاحيين وعلى يسار المحافظين) سواء في الامور الجمهورية (السياسة والحكم) او الاسلامية (الدين وولاية الفقيه) .. الرجل له وزن وخبرة تفوق اي من آيات الله (بمن فيهم خامنئي) وبطبيعة الحال تفوق (احمد النجاد) ولكن مشكلتة مع (من يمثلهم النجاد , فالنجاد مجرد واجهة) رفسنجاني يمتلك شبكة من الجامعات والمعاهد الخاصة (وشبه الحكومية) تغطي ايران باكملها , بالاضافة الى مصالح اخرى متداخلة عضويا بالقطاع الخاص والهوامش (الانفتاحية) في… قراءة المزيد ..