رغم استمرار تفاؤلي بربيع للديمقراطية في مصر والوطن العربي، إلا أنني صادفت في الأسبوعين الأخيرين كثيراً من المصريين والأجانب، كفّوا عن تفاؤلهم، بل وبدأوا يُعبّرون عن توجسهم من المستقبل.
فقبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية (19 مارس 2011)، شن الإخوان المسلمون، وفريق جديد قفز إلى المسرح السياسي المصري في غفلة من الزمن، ويُطلق أصحابه على أنفسهم اسم “السلفيين”، حملة تأييد لهذه التعديلات، استخدموا فيها لُغة تحريضية ابتزازية من قبيل أن المادة الثانية في خطر (وهي المادة الخاصة بالشريعة كمصدر رئيسي للتشريع)! وحين ظهرت نتيجة الاستفتاء، والتي جاءت على هواهم، بنسبة تتجاوز السبعين في المائة، احتفى بعض “مشايخهم”، مُستخدمين خطاباً دينياً، استدعوا فيه تعبيرات من تاريخ صدر الإسلام. من ذلك “معركة الجمل”، و”غزوة الصناديق”.
وكانت الإشارة إلى معركة الجمل، هي لتذكير الناخبين بالدور المشهود والمشكور للإخوان المسلمين، في صدّ الجحافل التي أرسلها نظام مُبارك، من راكبي الجمال، الذين أتوا من منطقة الهرم بالجيزة، لمُداهمة آلاف المُتظاهرين في ميدان التحرير. ورغم أن شباب الإخوان المسلمين، كانوا أخر من انضموا إلى المُتظاهرين، وضد أوامر شيوخهم، إلا أنهم كانوا أول المُدافعين عن بقية الجموع، وتصدوا ببسالة لراكبي الجمال، حتى أدبروا، مُنكفئين على أعقابهم.
ولأن تاريخ صدر الإسلام كان قد شهد معركة بين أنصار علي بن أبي طالب وأنصار مُعاوية بن أبي سُفيان، عُرفت باسم “معركة الجمل”، في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، فإن استدعاء نفس التسمية، في مطلع القرن الخامس عشر الهجري (الحادي والعشرين الميلادي)، يوحي بأن أصحاب هذه التسمية يتمثلون، أو يتقمصون، دور المسلمين الأوائل من أنصار عليّ من “الأخيار”، ضد أنصار مُعاوية من “الأشرار”. ورغم أنه قياس تاريخي مغلوط ومعطوب، إلا أن بعض “المُتأسلمين”، استمرءوه، وتمادوا في استخدامه. وكان ذلك مدعاة لتوجس آخرين ممن شاركوا في نفس الأحداث، بل وسبقوا الإخوان المسلمين بعدة أيام في ميدان التحرير.
ثم ضاعف من هذا التوجس استمرار بعض المُتاسلمين، في استدعاء نفس الخطاب الديني. من ذلك إطلاق مُصطلح “غزوة” على حدث “دنيوي” صِرف، وهو الاستفتاء على تعديل عدة مواد في الدستور المصري، الذي كان قد صدر في عهد الرئيس السادات، عام 1971. ورغم أن المادة الثانية من ذلك الدستور، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لم تكن بيت القصيد في الاستفتاء على التعديلات، من قريب أو بعيد، إلا أن غُلاة المُتأسلمين أقحموا هذا الأمر في السِجال حول التعديلات، وكأن من سيُصوّت “بلا”، أي ضد التعديلات، فكأنه ضد المادة الثانية من الدستور، وهو أمر غير حقيقي.
وزاد الطين بَلّة، أن أحد غُلاة المُتأسلمين، من أحد المنابر، في أول صلاة جُمعة بعد الاستفتاء، ثم في وسائل الإعلام، قال إن على الخاسرين في “غزوة الصناديق”، أن يحزموا حقائبهم، ويولون وجوههم نحو كندا أو استراليا!
ولأن نسبة أكبر من الأخوة الأقباط كانت قد هاجرت إلى هذين البلدين في الماضي، فقد ظهر حديث ذلك الشيخ المُتأسلم، وكأنه موجّه أساساً إلى الأقباط المصريين، وكأن ذلك الشيخ كان يعلم كيف صوّت كل قبطي مصري!
وخُلاصة القول هنا، هو أنه على المواطنين جميعاً، من المسلمين والأقباط، أن يكفوا عن توجسهم، وعن الشكوى داخل الغُرف المُغلقة، ويتصدوا لذلك الخطاب السلفي المُتخلف، بخطاب المواطنة المدني المُستقبلي المُستنير، وأن ينزلوا إلى الشوارع والميادين العامة، وألا يتركوا منابر المساجد للدُعاة المُتخلفين الذين يستدعون خطابات القرون الوسطى.
فبالتأكيد، هناك دُعاة مسلمون مُستنيرون، حريصون على الوحدة الوطنية لمصر المحروسة، وحريصون على الحُرية التي بدأ المصريون يستنشقونها منذ يوم الأربعاء 25 يناير 2011، والذي سيُسجله التاريخ كبداية لربيع الديمقراطية المصرية.
فما هو المطلوب عملياً من هؤلاء المواطنين العُقلاء؟
أولاً، أن ينضموا إلى أحد الأحزاب القائمة، حتى إذا لم يكن أي منها على هواهم تماماً. ويكفي في هذه المرحلة الانتقالية، أن يُلبي أكثر من نصف ما يتمنون، أو أن تكون قياداته محل ثقتهم واحترامهم. وهناك أحزاب مثل الوفد، والجبهة الديمقراطي، والوسط، والكرامة، والتجمع.
ثانياً، إذا لم تكن كل الأحزاب القائمة على هواهم، فليبادروا، مع أصدقائهم وزملائهم وأقاربهم، بتكوين أحزاب جديدة. فلم يعد هذا الأمر بالشيء المستحيل، وإن كان ما زال لنا بعض التحفظ على شرط الخمسة آلاف عضو من البداية، ولكن الأمر أصبح أسهل بكثير مما كان عليه الحال في العهد البائد. وينطبق نفس الشيء على تأسيس الجمعيات. وفي كلا الحالين، لم يعد الأمر يتطلب، إلا الإخطار، أو الإشهار. وميزة الانضمام إلى كيان جماعي، هو أنه تعظيم “للإرادة الحُرة” لكل فرد في هذا الكيان. وهذه الأخيرة (الكيانات الجماعية) هي ما يُطلق عليه عُلماء الاجتماع والسياسة جوهر “المجتمع المدني”، والذي هو بدوره البنية الأساسية للديمقراطية. فكلما تعددت وتكاثرت تكوينات المجتمع المدني، التي تبدأ بالجمعيات والروابط وتنتهي بالأحزاب، كلما ترسّخت البنية الأساسية للديمقراطية.
ثالثاً، مُتابعة المعركة التنافسية لرئاسة الجمهورية. فمع كتابة هذا المقال الأسبوعي (7/4/2011)، كان عدد الأسماء التي أعلن أصحابها عن ترشيح أنفسهم قد تجاوز العشرة، في مُقدمتهم المُخضرمان أيمن نور، ومحمد البرادعي، والوافدون الجُدد مثل حمدين صباحي، وأسامة الغزالي حرب، وهشام البسطويسي، والفريق أحمد شفيق، وعبد المنعم أبو الفتوح، ويصلح هؤلاء جميعاً. والتحدي هو اختيار الأفضل من بين الصالحين. وهذه هي إحدى فضائل الديمقراطية. فهي سوق سياسي مفتوح يُتيح للمُستهلكين بدائل مُتنوعة، وتؤدي المُنافسة بينهم، كما يقول المرحوم تشارلز داروين، إلى البقاء للأصلح (Survival of the fittest).
ولأن مصر ولاّدة، فقد أنجبت هؤلاء جميعاً، فلتحيا مصر. ولأن الديمقراطية، ستُتيح لنا اختيار الأصلح، فلتحيا الديمقراطية. وهنا سينطبق القول الشعبي المأثور أن “مصر الديمقراطية”، صنعها باش حلواني.
والله أعلم
semibrahim@gmail.com
رغم معركة الجمل، وغزوة الصناديق، فمصر اللي صنعها حلواني
وددت لو قام الدكتور سعد الدين بتدقيق ومراجعة المقال قبل نشره. موقعة الجمل لم يكن طرفاها علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. تلك كانت معركة ” صفين”. الجمل كان طرفاها على من جهة, وعائشة و طلحة والزبير من جهة اخرى.
رغم معركة الجمل، وغزوة الصناديق، فمصر اللي صنعها حلواني
مايسمى السلفيون> مع اعتراضي لان هذا يهين التسمية<هم خارج التاريخ لانهم لم يتعلموا من السلف الصالح كيف تقاد الامم والا قل لي كيف قادوا غيرهم عندما فتحوا اغلب البلاد التي كانت معروفة في وقتهم وجل سكانها غير مسلمين!!!!!!!!!!!!!!!اما عن الاخوان فيجب الا نغمضهم حقهم وننسى ماقدموا قبل الثورة بسنوات من تضحيات سبقوا بها كل الثوارفهم الذين اسسوا للثورة من تحت الطاولة اما عن رئاسة الجمهورية فانا مع تقليص صلاحياته على النموذج التركي وهذا اراه اصلح لهذا الزمن وربما يكون غيرهذا اصلح لزمن اخر