رسالة 14
عدد – 19 –
26 نيسان 2010
أولاً – حول السياسة الأميركية إقليمياً في المرحلة الراهنة، وحول التوتر الإقليمي واحتمالاته
1. بالنسبة إلى السياسة المعتمدة من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما ومحاورها:
• من متابعة الحركة الأميركية في المنطقة، يمكن تبين أنها تقوم على ثلاثة محاور أو ثلاثة مسارات متوازية.
• المحور الأول هو محور تشديد الضغط على إيران، ويتمثل ذلك في كسب التأييد الدولي الجماعي للعقوبات على إيران تزامناً مع تحديد حزيران المقبل موعداً لقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص هذه العقوبات.
• والمحور الثاني هو محور الضغط على إسرائيل. والعنوان الرئيسي لهذا الضغط هو إطلاق العملية السلمية الفلسطينية – الإسرائيلية مجدداً، وتحقيق اختراق على هذا الصعيد بالتحديد، مما يقتضي توقيف إسرائيل للاستيطان الذي يعطل استئناف المفاوضات.
• أما المحور الثالث فهو رفع مستوى الضغط على سوريا. ولا يخفى أن الهدف الأميركي من ذلك تذكير سوريا مجدداً بأن ثمة دفتر شروط إقليمياً عليها الانضباط به، وهو أيضاً – الهدف – تحييد سوريا عن إيران.
2. إذا كانت المقدمات تحدد محاور السياسة الأميركية الراهنة، فما الذي يمكن قوله واستنتاجه منها؟:
• من الواضح أن السياسة الأميركية تلك ليست سياسة حربية بل هي سياسة تجنب الحرب.
• ليس فقط لأنها ترجّح خيار العقوبات على الخيار العسكري مع إيران.
• بل لأنها جدية في الدفع بالسلام الإقليمي.
• مما من شأنه – على الطريق – تشليح إيران “الورقة الفلسطينية” بما هي الورقة التي تتخذ منها إيران “شرعية” لمشروعها الإقليمي في المنطقة.
• ولأنها بسعيها إلى تحييد سوريا – عن إيران – تشلّح إيران ورقة التهديد بالحرب.. أي التهديد بحرب “كبرى”.
• أي إن هذه السياسة، من وجهة نظر “رسالة 14” هي سياسة رشيدة أو حكيمة.. وجادة.
3. غير أن التحديد الدقيق للسياسة الأميركية الراهنة ثم توصيفها ومقاربة أهدافها وتكتيكاتها، ينبغي أن يقودا – أي التحديد والتوصيف – إلى خلاصات متمهلة:
• بصرف النظر عن رأينا الإيجابي في هذه السياسة، فليس بالضرورة أن تنجح بتجنب الحرب.
• ذلك أنه من الواضح، بناءً على العرض في المقدمات السابقة، إن هذه السياسة كي تنجح يقتضي لها رضوخاً إيرانياً تحت التهديد بالعقوبات وخضوعاً إسرائيلياً لأولوية السلام لدى الولايات المتحدة، وانتقالاً سورياً نهائياً من الضفة الإيرانية إلى الضفة العربية .. والدولية.
• والحال أن تحقيق ذلك كله يبدو صعباً، حتى ولو كان تحقيق بعضه مفيداً، على اعتبار أن فرض أولوية السلام على إسرائيل من شأنه أن يحرّك الأمور المتصلة ببعضها.
• نقول إن نجاح السياسة – أو الخطة – الأميركية صعب.. ومن هنا خطر الحرب قائم، بل هو الاحتمال الأكبر في ظل التطرفَين الإيراني الإسرائيلي.
• لكننا لا نقول إنه أمر مستحيل بالمطلق.. ومن هنا فإن التسوية احتمال موجود ولو بنسبة أقل.
• وعلى أي حال، فإن الإدارة الأميركية تعطي في هذه الفترة فرصةً للتسوية مع إيران توازياً مع محاولتها السلمية مع إسرائيل.
• لكن، في اللحظة المباشرة، لا يمكن الحديث عن “تطورات سلمية”، في منطقة قد يُقدم فيها أي من التطرفَين على التصعيد الحربي.
• ومن هنا، فإننا حين نتناول الوضع اللبناني لا يمكننا عزله عما يحصل في الإقليم.. خاصة أننا نعي حقيقة أن لبنان هو “ساحة الانفجار الأولى”.
4. في مجال بعض المعطيات العربي:
• يوم السبت الماضي، زار بيروت وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط.
• كان أبو الغيط حريصاً في لقاءاته، ومن ضمنها لقاء له مع ممثلي وسائل الإعلام، على عدد من الأمور.
• كان حريصاً على نفي أي دلالة استثنائية لزيارته في هذا التوقيت على تقاطع مع التصعيد السياسي والإعلامي المتعدد الطرف حول لبنان، وكان حريصاً على نفي حمله أي رسالة قد تكون مصر تبلغتها من إسرائيل، وكان حريصاً على طمأنة لبنان الرسمي واللبنانيين عموماً إلى أن الحرب ليست داهمة وإن القلق اللبناني قد يكون مبالغاً به الآن.. وكان حريصاً على إشارات إيجابية باتجاه سوريا.
• وبالنسبة إلى النقطة الأخيرة، أي الإشارات الإيجابية باتجاه سوريا، أوردَ أبو الغيط العناوين الآتية: استهزأ الوزير المصري برواية صواريخ “السكود”، وقال إن الرئيس السوري بشار الأسد مرحب به بداهة في مصر، وأشار إلى أن القمة المصرية – السورية عندما تحصل سيكون لها “مفعول السحر” على الوضع العربي.
• ومع ذلك، لم يبدُ من كلامه أن القمة داهمة، أو أن مواضيع أساسية في الخلاف المصري – السوري (ملف المصالحة الفلسطينية مثلاً) حلت أو هي في طريقها إلى الحل. هذا مع العلم أنه رفض اعتبار العلاقات السورية – الأميركية سيئة مشدداً على أن التصعيد الأميركي الأخير حيال سوريا إنما هو في واقع الأمر تصعيد “في إطار المسألة الإيرانية”.
• ومن استمع إليه من الإعلاميين استنتج أن ثمة إشكالات في العلاقة المصرية – السعودية (العراق مثلاً) مثلما لم يفكّ “لغز” توقيت الزيارة أصلاً.
• على أي حال، كان لافتاً مهاجمة موالين لسوريا في لبنان إعلاماً وأبواقاً سياسية الوزير المصري.
• على أن أبو الغيط الذي سعى لـ”الطمأنة” من أن الحرب – المستهدفة للبنان – ليست داهمة، تحدّث عن الصراع الدولي – الغربي مع إيران الذي يملك قابلية التطور إلى حرب.
• وأغلب الظن أن أبو الغيط كان يعبّر عن تقدير مصري بأن الوضوح في الرؤية الإقليمية لن يتبلور قبل انقضاء فترة أخرى بعد.
• وفي حديثه، أشار إلى أن الحكم في موضوع “خلية حزب الله” في مصر بات وشيكاً.. ومشدَداً.
ثانياً: حول الوضع اللبناني الراهن
1. لا شك أن ما يمكن ملاحظته بقوة هو التحرك الديبلوماسي لرئيس الحكومة سعد الحريري:
• بالإضافة إلى جولاته الخارجية في الشهور الماضية.
• باشر الرئيس الحريري في الأيام القليلة الماضية اتصالات برؤساء الدول الأوروبية.
• على إيقاع التهديدات الإسرائيلية والتوتر الإقليمي العام.
• الأمر – تحرك الحريري – الذي يندرج في إطار السعي إلى حماية لبنان، مما يستحق التنويه.
2. غير أن علينا بصرف النظر عن التطمينات الدولية أو العربية، أن نلاحظ التحديات التي يفرضها “حزب الله” علينا وعلى البلد:
• استمراره في تصعيد خطابه السياسي المتحدي لالتزام لبنان القرار الدولي 1701.
• وهو إذ يردّ على أميركا إنما يرد على الجميع بمن في ذلك اللبنانيين، وذلك في سؤاله: ما علاقة أميركا بالسلاح الذي نخزّنه؟! (نعيم قاسم مثالاً).
• كأن السلاح غير محدود بالقرار 1701 وبالموقف اللبنانيّ الرسميّ.
• ويصعّد خطابه ضد الأفرقاء اللبنانيين وصولاً إلى تأكيد أنَّ فريق 8 آذار صار “الأكثرية النيابية والشعبيّة” (نواف الموسوي).
• ونحن هنا نعير اهتماماً بهذا الكلام من زاوية أن التصرف على أساس أنّ 8 آذار صار أكثرية يشي بمزيد من العدائية من جانب “حزب الله”.
3. إنّ التوقّف أمام ما سمّيناه “تحديات حزب الله” التي تعني – من جملة ما تعنيه – مضيّاً في إسقاط الحوار وهيئة الحوار، يستدعيه أيضاً التصعيد من الفريق السوريّ:
• الحملة على الحكومة ـ أي على رئيسها ـ من المداخل كافّة.
• على الموازنة ووزيرة المال.
• تحميل الحريري وفريقه مسؤوليّة الأزمات، بما في ذلك أزمات أنتجها وزراء محسوبون تاريخياً على 8 آذار (الكهرباء مثلاً).
• وصولاً إلى بداية حملة على سفيرنا في مجلس الأمن نوّاف سلام (“الأخبار” اليوم).
• حملةٌ على الحريري مباشرة تطال فريقه السياسي ـ الوزاري + تطال الرئيس فؤاد السنيورة والفريق الذي عمل معه، الخ…
4. في هذا السياق، ينبغي التوقّف أمام التطورات على صعيد الانتخابات البلديّة:
• التطوّر الأبرز هو قرار “حزب الله” خوض معركة في بيروت.
• بعد الحديث سابقاً عن التوافق في العاصمة.
• وبصرف النظر عن سياق القرار الحزب اللهي، أكان دعماً لمطالب عون التعجيزيّة أو غير ذلك.
• فإنّ قرار المعركة = قرار التوتير والترهيب.
• قد يدفعنا ذلك إلى الشكّ في أن تكون لـ”حزب الله” مصلحة الآن في التوتير .. في بيروت.
• لأنّ من شأن قراره أن يولّد “استنفاراً” مقابلاً.
• لكنّ الانتباه حيال ذلك ضروريّ جداً، هذا مع العلم أنّنا على ثقة بأنّ ممارسة “حزب الله” تعبيرٌ عن توتّر ذاتي لا يخفى.
• وقد قال الحزب اليوم على لسان محمد رعد إن “التوافق مع أمل” في كلّ مناطق تواجدهما المشترك أملته أولويّة الأخطار الخارجية ومواجهتها! فكيف يكون التوتير في بيروت والحالةُ هذه من ضرورات مواجهة الأخطار؟!.
ثالثاً ـ حولَ ذكرى الانسحاب السوريّ من لبنان في 26 نيسان 2005
1. نشدد على تذكّر هذه المناسبة:
• هي إنجازُنا الاستقلالي (إنهاء الوصاية السوريّة) والديموقراطي (إنهاء النظام الأمنيّ).
• هي الإنجاز المتوّج لتضحياتنا (استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه).
• الإنجاز الذي لم يتمّ إلاّ بالشراكة الإسلاميّة ـ المسيحيّة، ويبقى بها. ولذلك يحصل الهجوم على هذه الشراكة أصلاً.
• الإنجاز الذي أعاد وضع لبنان على الخارطة.
• و”يفترض” به أن يكون الإنجاز الذي أسّس لإعادة بحث العلاقات اللبنانية ـ السوريّة.
• و”يفترض” به أن ينتج صفحة جديدة مع سوريّا..
• وأن يدفعنا إلى تذكّر أنّ هذا التاريخ يجب صونُه كي لا نسمح لأحد بإعادتنا إلى ما قبله.
2. من هذه المنطلقات جميعاً، تقول “رسالة 14”: كلّ عام ولبنان المستقلّ بخير.