إلى الإمام علي بن أبي طالب:
(الجزء الثاني)
8 : عزيزي علي، لم تستطع أفكارك أن تتغلغل إلى أي مكان صغير من العالم، أو أن تساهم في تحويل مجتمع صغير إلى مجتمع مزدهر سواء في زمن خلافتك أو في أي مكان آخر من العالم. إن تساؤلي هذا تساؤل كبير، وهو أنه: لماذا لم يستطع علي، الذي يُعتبر محبوب الشيعة، أن يساهم في إسعاد على الأقل مائة شخص في هذه الأرض الكبيرة الواسعة؟ هل أُشير إلى السبب؟ إن السبب يكمن فقط وفقط في أن أفكارك تعكّر صفو حياة الآخرين، فأفكارك تقول: أنا، وفقط أنا الشيعي، الذي تعتبر اعتقاداتي ورؤاي صحيحة، أما بقية الناس (غير الشيعة) فهم إمّا في غفلة وإما غائصون في مستنقع الكفر المحض مما يستدعي تنظيف المستنقع منهم، على أن يحوّلوا في الدنيا الآخرة إلى نار جهنم ويلتهبوا في صولجانها. ملخّص الكلام أنه ليت نظرتك يا علي إلى الطبيعة البشرية وإلى طباع البشر المتنوّعة كانت من زاوية أوسع، وليتك كنت تقول لهم: أيها الناس أنتم أحرار فيما تعتقدون، وما هو مهم يأتي بعد ذلك، وهو أن تسعوا إلى الخير وأن تكونوا مهذّبين وعقلانيّين وأن تتّصفوا بالإيثار وأن ترفضوا الظلم ضد الآخرين أيا كان هذا الآخر.
نعم عزيزي علي، هذا هو الذي كان يفتقده الناس، ولا أدري لماذا لم تتضرّع إلى السماء لكي تهدي البشرية هذه الهدية؟
9 : نحن الشيعة، بإطلاقنا صفة “العصمة” عليك، نكون قد أَهَنّا كرامتك الإنسانية. فماذا يعني قولنا بأنك بريء من الخطأ؟ فحينما يقول القرآن للنبي: أنت إنسان مثل بقية الناس، فإن ادّعاء العصمة هذا يقلّل من شأن أي خير يأتي عن طريق قدراتك الشخصية وقدرات أبنائك. مثلا سأورد خطأ صغيرا من “علي خليفة المسلمين” لتعرف جيدا بأنه كان بالإمكان العمل بصورة مغايرة لمعالجة الحرمان الذي كان يعيشه الفقراء. فممّا هو معروف أنك كنت تحمل أكياس المواد الغذائية على كتفك ليليّا وتذهب إلى بيوت الفقراء وتضع كيسا عند باب كل بيت ثم تطرقه وتغادر من دون أن يعلم الفقير من وضع الكيس. إن سلوكك هذا أدخل البهجة في قلوبنا وساهم في تليين الغرور والتكبّر لدى الكثيرين. لكن سؤالي: كم بيت فقير كنت تزور في الليلة الواحدة؟ ثلاثة بيوت؟ عشرة بيوت؟ هل كان أكثر من ذلك؟ ماذا لو كنت قد فتحت ملفا لكل أسرة فقيرة، ووظفت حكومتك لكي تساعد هذه الأسر بصورة منهجية؟ بالتأكيد سيكون هذا النوع من التنظيم شموليا وسيمنحك فرصا أكبر للنظر في مختلف الشؤون. يقال لهذه المنهجية: إدارة. والإدارة هي الجوهرة التي، ليس فقط لم يتم العثور عليها وسط المسؤولين الشيعة (في إيران حاليا) بل بات فقدان الإدارة فرصة لسرقة المال العام وانتهاك حقوق الناس، لذا أصبحت الأبواب مشرعة أمام المسؤولين لممارسة مزيد من السرقة، وباتوا يسمّون تصرفهم هذا وقلة فطنتهم: مصلحة.
10 : عزيزي علي، إن نظرة الشيعة التفضيلية تجاه أنفسهم، جعلتهم غير قادرين على التعايش مع الآخرين. على سبيل المثال، لا أعلم ما هو الحافز الذي أدّى بالسيد علي (مرشد الثورة في إيران)، وهو المليء بالحب تجاهك، أن يطلق على نفسه لقب “ولي أمر المسلمين”؟ فمن بين جميع مسلمي العالم الذين يزيد عددهم عن المليار مسلم، هناك عشرة إلى عشرين مليون مسلم الذين يقبلون هذا اللقب. وحتى هذا القبول فإنه قد جاء بسبب المسائل الدقيقة الخفية التي أنت تعرفها جيدا. لماذا يجب على شخص يعتبر نفسه عليّ هذا الزمن ويطالب الآخرين بأن لا يكونوا كطلحة والزبير، أن يسعى وبقوة لنشر كذبة صريحة اسمها “ولي أمر المسلمين في العالم” فيأخذ من جيوب الناس لتشكيل ميزانية بهدف ترسيخ هذه الكذبة؟ في العادة، يطلق الناس الألقاب علينا بسبب السلوكيات التي نُظهِرُها، لا أن نتخيّل لقبا غيبيا من السماء ثم نُطلقه على أنفسنا. فالشخص الذي يعتبر نفسه أحسن من الجميع، وفوق الجميع، وولي أمر المسلمين، بطبيعة الحال سيعطي لنفسه الحق بالتدخّل في كل شيء، وهو يعتقد في الوقت نفسه بأنه موجود في أحضان الله. مأزقنا نحن الشيعة هو هذا الشيء. في أننا نعتبر أنفسنا أحسن من الجميع ومن أصحاب الجنة بسبب محبتنا لآل بيت النبي، ونعتبر الآخرين الذين لا يضعون القرآن على رؤؤسهم في ليالي القدر ولا يعرفون مناسك الزيارات ولا يطوفون البيت الحرام في مكة بروحيّة كربلاء ولا يملكون أي أسرار تجاه وعاء أكل يوم عاشوراء، من أهل النار. والآن، هذا الذي يعتبر نفسه من أهل الجنة والآخرين من أهل النار، أُنظُر كيف سيتعامل مع أهل النار الذين يقفون في الجبهة المقابلة له؟ وأنت قد رأيت كيف حوّل ولي أمر المسلمين حياة الناس في إيران وفي المنطقة إلى جحيم، بسبب أنه يعتبر نفسه من أهل الجنة والآخرين من أهل النار.
11 : عزيزي علي، إن أغلب الخطب والوصايا السماوية الغيبية – لا الأرضية – المنسوبة إليك وإلى أبنائك، أوجدت في الشيعة حبّا جنونيّا تجاه أهل البيت. وهذا الحب الجنوني أدى إلى تغلغل الخرافة في أذهانهم وشغلت حيزا كبيرا فيها، كما أدى إلى منع الحكمة من أن تأخذ فرصتها. بكل ثقة أقول: إن المذهب الشيعي يواجه هجوما كبيرا عليه من قبل الخرافة. وأحد أسوء تلك الخرافات، والتي صنعت حُفرة عميقة في داخل أدمغتنا وفي حياتنا، هي خرافة ولاية الفقيه. إذ يجلس أحدهم على الكرسي وهو مرتديا لباسا يشبه لباسك، فيما يُجلِس مجموعة من الناس في مقابله على الأرض فيوجّه خطابه إليهم متحدّثا حول كل صغيرة وكبيرة في هذه الحياة ويسيّر أمور الدين والحج والصلاة والمال والحاضر والمستقبل وأصل حياة الناس إلى حيث ما يريد هو. إن هذا الكم الكبير من الخرافات، والذي تغلغل إلى المذهب الشيعي، فوّت فرصة انتظار بصيص من الصحة من أجل تسمية الدين دينا فحرّفه عن الطريق الصحيح.
12: تقول في أحد خطبك الجوهرية والمحبوبة التالي: أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها. حينما أدقّق في هذه العبارات النبيلة والمستحقة، أكتشف قدرتها على إضفاء الجمال على الدنيا والآخرة. هذه الكلمات الموفّقة والحكيمة، تلطخت بالتراب على يديك. أين؟ في المكان الذي قمتم أنتم المسلمون بسلب حرية العقيدة من الآخرين وبتحويل سلامة حياتهم وأمنها إلى جحيم. فأنتم الذين فضّلتم أن تكونوا مسلمين، لماذا منعتم الآخرين من أن يختاروا عقيدتهم ويفضلونها على غيرها من عقائد؟ لماذا أردتم منهم، إمّا أن يصبحوا مسلمين أو يدفعوا لكم الجزية أو يستعدوا للحرب؟ فهناك مجموعة تفضّل أن تصلّي وتصوم وتتعبّد بطريقة معينة، وأخرى تفضّل أن تقوم بذلك بطريقة مغايرة. هل تقبلون أن يقوم مجموعة من الناس المقتدرين بوضعكم في مواجهة حلول ثلاثة: إما عبادة الأصنام، أو دفع الجزية، أو الحرب؟ إذاً لماذا تُفرضون وضعا على الآخرين، فيما أنتم تكرهون هذا الوضع؟ تعلمون جيدا بأنه لا يمكن أن تكون النتيجة الصادرة عن الدين المفروض، إيجاد إنسان أو تحقيق الخير والبهجة. وأنا حقيقتا أتعجّب، لماذا فسّر المسلمون آية “لا إكراه في الدين” للآخرين عن طريق السيف والقوة؟
13 : سيف ذو الفقار الدامي، وأحاديثك ووصاياك أنت وأبنائك، والتي يغلب عليها الطابع السماوي، أدّى إلى أن يردّد بعض الناس ممّن يرتدون لباس رجال الدين ولباس المتطوعين (البسيج) شعار يا علي يا حيدر بصوت عالي، وأن يقوموا بانتهاك حقوق الناس والاعتداء على خصوصياتهم، وفي نفس الوقت يعتبروا أنفسهم من أهل الجنة والآخرين من أهل النار. ليتك استبدلت وصاياك السماوية حول الجنة والنار، بوصايا أرضية مطلقة لتبشّرنا بها. لو كان من شأن هذه الوصايا أن تحوّلنا فقط وفقط إلى أفراد “مؤدبين”، ما كنّا لنتضرّر، على الأقل كنا نستطيع أن نتباهى أمام الآخرين بأننا وحتى لو كنّا لا نمتلك شيئا إلّا أنّنا نمتلك “الأدب”. هل تقبل العبارة التي تقول بأن “الأدب” هو الكنز الوحيد الذي كل ما يُستهلك منه لن ينقص منه، بل سيضاف إلى مداه وإلى عمقه؟
14 : جلستُ يوما وأحصيت الشتائم السخيفة الرائجة بين الشيعة، فاكتشفت أن هناك انتشارا لهذه الشتائم التي تطال شرف الناس، حيث تستطيع أن تسمع شتيمة رقيقة من شفتي آية الله جوادي آملي المباركتين (فقيه بارز ومرجع تقليد في مدينة قم) كما تستطيع أن تقرأ شتيمة أخرى على صفحات “يالثارات” (صحيفة تابعة لأنصار حزب الله). وإذا تجاوزنا مرحلة الشتائم، نستطيع أن ننسب الصورة الشيعية القاتلة إلى السيد الخلخالي (قاضي القضاة في إيران في بدايات الثورة الإسلامية، أو قاضي الإعدامات) وإلى الشيخ مصطفى بورمحمدي (وزير العدل في عدة حكومات، وهو متهم بإصدار أوامر اغتيال كثيرة). وأن ننسب الصراخ الشيعي إلى علم الهدى (ممثل الولي الفقيه في مدينة مشهد) وأحمد خاتمي (أحد أبرز الرموز الأصولية، وخطيب صلاة الجمعة في طهران). وأن ننسب التنسيق في السرقات إلى خاوَري وزنجاني ومرتضَوي، وأن ننسب إدارة ذلك إلى مجتبى خامنئي (نجل مرشد الثورة). الخلاصة يا عزيزي علي هي أن التشيّع الذي يرفرف علمه اليوم على قبّة الكازينو النووي، يستطيع التغلغل إلى آلاف الطرق الداخلية، بحيث يمكن أن نستكشف في كل طريق من هذه الطرق آلاف الجثث المجهولة الهوية وآلاف السرقات العفنة وآلاف الأكاذيب الحكومية وآلاف الخدع الصادرة من آيات الله وآلاف الصور البشرية الشاذة. عجبا، أن كل ذلك مستمد من أعماق التشيع. وإلاّ هل يمكن حرمان شخص من الوجود والحياة والعيش والتعليم والحقوق الاجتماعية لمجرد أنه غير شيعي؟ مثلا لأنه بهائي؟ الشيخ مصطفى بورمحمدي ينسب أوامر القتل التي يصدرها إلى الله، والقضاة والمحققون ينسبون صور اللاّعدل والخداع التي يمارسونها إلى أصل وأساس التشيّع، وجوادي آملي يستخرج الشتائم التي يطلقها من قلب النقاشات الفقهية والأصولية. بعبارة أخرى، كل طرف يضع يده على موقع من التشيّع، فيأخذ الآية أو الحديث أو الرواية التي يحتاج إليها ويضعها في الموضع الذي يريد لكي يقول في النهاية بأن هذا لم يكن رأيه بل هو رأي الإسلام والقرآن وأهل البيت.
15 : لقد تلطخت أيادي قيادات الحرس الثوري وقيادات المتطوعين (البسيج) والمسئولين الملتفّين حول مرشد الثورة، بالدماء التي تراق في سوريا. وقبل ذلك في العراق والبحرين واليمن ولبنان وفلسطين ونيجيريا. وباتوا راهنا غير قادرين على الخروج من المستنقع السوري، وأصبحوا أمام حلّين لا ثالث لهما، إما استمرار التواجد بالمستنقع السوري، وإمّا أن يقرّروا مغادرة سوريا والعودة إلى إيران وأن يوقفوا حصتهم من عمليات القتل ومن تخريب سوريا. لكن العقول الإسلامية/البندقية تصرّ على البقاء في سوريا وتنفيذ عمليات القتل استنادا إلى الدليل الخرافي الدموي الذي يقول: إذا لم نحارب تنظيم داعش خارج حدودنا، فسنضطر إلى مواجهته في أراضينا. هل تشاهد الكذب والخداع والخضوع عزيزي علي؟ فالقيادات قامت نيابة عن سماحة السيد علي بالذهاب إلى سوريا وهي تحمل في جعبتها أموالا كثيرة حصلت عليها من جيوب الناس، فذبحت السوريين وهجّرتهم وحوّلت حياتهم إلى جحيم بل حوّلت سوريا إلى أطلال من الدمار. كل ذلك بذريعة أنه: إذا لم أواجه داعش في سوريا فسأضطر إلى مواجهته على تراب الوطن. فـ”قتل الآخر” هذا خرج من قلب التشيّع، متأسّيا بالحروب التي خضتها ضد مخالفيك والمنشقين عنك والذين قضيت عليهم بسيف ذوالفقارك الحاد.
ليتك عزيزي علي لجأت إلى طرقك السماوية والأرضية من أجل توجيه الناس نحو مختلف صور السلام والعقلانية والإنسانية والجمال، ليتك طردت الحروب وسفك الدماء والكراهية والعداوة وجعلتها حكرا فقط على سيد علي (مرشد الثورة) وقياداته وملاليه.
إقرأ الجزء الأول:
رسالة من المخرج الإيراني “محمد نوري زاد”: إجلس يا “علي” لكي أنصحك! 1