أمير مير- “الشفّاف”، خاص
لاهور- أخيراً، اعترفت باكستان لأول مرة، وبعد مرور 80 يوماً على هجمات مومباي الإرهابية، بأن التخطيط للهجمات تمّ جزئياً في باكستان، وبأن السلطات الباكستانية قد اعتقلت 6 مشبوهبين، بينهم المسؤول الرئيسي عن العملية، وبأنه ستتم محاكمة هؤلاء بموجب القوانين الباكستانية.
وفي أول جواب رسمي على الملفّ الذي قدّمته الهند في 5 يناير 2009، أعلنت باكستان يوم الثلاثاء أنه تم رفع دعوى جنائية ضد 9 مشبوهين بتهم “التحريض، والتآمر، وتسهيل” عمل إرهابي. ولكن الباكستانيين أضافوا أنه ما يزال مطلوباً من الهند تقديم مزيد من الأدلة، بما فيها نماذج “دي إن أي” للمهاجمين، وخصوصاً لـ”أجمال كسّاب”، بغية تحديد هوياتهم. وفي مؤتمر صحفي، قال مستشار رئيس الحكومة لشؤون وزارة الداخلية الجنرال رحمن مالك أنه تم إيداع القضية FIR No: 01/009 (التي تشمل المتهمين التسعة) لدى “مجموعة الإستقصاءات الخاصة” (SIG) التابعة لـ”الوكالة الفيدرالية للتحقيقات” (FIA). وقال أن المحقّقين توصّلوا إلى خلاصة مفادها أن “حمّاد أمين صديق” هو “العقل المدبّر” للعملية الإرهابية.
وقال “رحمن مالك” أنه تم تسجيل الدعاوى ضد الأشخاص التسعة بموجب “قانون مكافحة الإرهاب” و”قانون الجرائم الإلكترونية”، وأنه ستتم محاكمة المتهمين بموجب القانونين معاً. وقال: “لقد تم اعتقال 6 من المتهمين واستجوابهم، وتم تحديد هوية شخصين آخرين ولكن لم يتم اعتقالهم بعد، وما زالت الإستقصاءات جارية في ما يتعلق بالشخص التاسع”. وأضاف أن الأشخاص الذين تم اعتقالهم فعلاً هم المسؤول العملياتي لجماعة “عسكر طيبة”، “زكي الرحمن لقوي”، الذي اعتقل في “مظفّر آباد” بعد قليل من إعلان الهند أن جماعة “عسكر طيبة” هي المسؤولة عن الهجوم؛ و”جواد إقبال”، الذي اعتقل في برشلونة، بإسبانيا؛ و”حمّاد أمين صديق”، الذي يُعتقد أنه المسؤول الرئيسي عن العملية، وهو من منطقة جنوب البنجاب؛ و”ضرار شاه”؛ و”محمد أشفاق”؛ و”أبو حمزه”.
رغم ما سبق، ترفض وزارة خارجية باكستان أي تلميح بأن الإعتراف غير المسبوق بتورّط باكستان جزئياً في هجمات 26 ديسمبر في مومباي نَجَمَ عن ضغوط دولية، وتضيف أن باكستان كانت، منذ البداية، عازمة على التحقيق في إمكانية وجود أصول باكستانية لمأساة بومباي. وتضيف وزارة الخارجية أن الإنطباع الخاطئ حول نوايا الحكومة الباكستانية ترسّخ في أذهان الناس لأن الهند صدّقت الروايات الصحفية واعتقدت أنها تمثّل وجهة النظر الرسمية الباكستانية.
ولكن مصادر ديبلوماسية في إسلام آباد تقول أن اعتراف باكستان نَجَمَ عن ضغوط شديدة مارستها الولايات المتحدة، التي تخوّفت من أن تسيء الأزمة المتصاعدة في شبه القارة الهندية إلى حربها ضد الإرهاب. والأهم، فلم يعد بوسع باكستان أن تنفي دور مواطنيها في هجوم مومباي لأن جهاز “إف بي أي” الأميركي شارك في التحقيقات الهندية منذ بدايتها الأولى. وقالت المصادر: “قام جهاز “الإف بي أي” بإطلاع الهنود على أدلة غير قابلة للطعن وأدركت باكستان أن “الإف بي أي” يملك معرفة وافية بكل ما يتعلق بالعملية”.
وكانت باكستان قد خطت أول خطوة نحو الإعتراف بمسؤوليتها حينما سلّمت بأن الإرهابي الوحيد الذي ظل على قيد الحياة، “أجمال كساب”، هو من مواطنيها. ولكن حكومة إسلام آباد لم تكن راغبة في المضي إلى أبعد من ذلك بسبب الضغوط التي مارستها المؤسسة العسكرية – الإستخباراتية القوية جداً. مع ذلك، كانت مشكلة إٍسلام آباد أن الأدلة على تورط “عسكر طيبة” كانت من النوع الذي يصعب دحضه. وقالت مصادر: “لو أصرّت باكستان على رفض الإعتراف بدور “عسكر طيبة” في هجمات مومباي، فإن مصداقيتها كانت ستتعرّض لأذى كبير على المستوى العالمي”.
والواقع ان المؤسسة العسكرية في باكستان تتخوّف من أن اعترافها بالحقيقة حول هجمات مومباي سيدفع الهند إلى التقدّم بمطالب جديدة. ويعتقد البعض أن نيودلهي ستطلب تسليمها المسؤول العملياتي لجماعة “عسكر طيبة”، “زكي الرحمن لقوي” بعد أن اعترفت باكستان رسمياً بأنه هو الذي تولّى تدريب إرهابيي مومباي. ويثير ذلك سؤالاً آخر: هل ستسلّم باكستان “لقوي” والمشبوهين الآخرين إلى الهند؟ والجواب، بالإجماع، هو النفي. وقال ديبوماسي باكستاني: “إذا قمنا بتسليمه إلى الهند، فسينكشف الدور الذي لعبته مؤسسة الإستخبارات الباكستانية في هجمات مومباي. هل نحن قادرون على مواجهة الإحراج الذي سيتسبّب به مثل هذا التطوّر؟”
لكن، ألا تستطيع باكستان أن تسلّم المشبوهين إلى الولايات المتحدة، باعتبار أن 3 مواطنين أميركيين قُتلوا في فندق “تاج محل”؟ كلا، يجيب معظم المحللين، مستندين إلى تاريخ باكستان لدعم وجهة نظرهم. مثلاً، كانت الولايات المتحدة قد طلبت تسليم “شيخ أحمد سعيد عمر”، الذي كان اتُّهِم بخطف الصحفي الأميركي “دانييل بيرل” وذبحه. ولكن باكستان رفضت الطلب بحجة أن الجريمة ارتُكِبت في أراضي باكستان وأن القاتل يحمل الجنسية الباكستانية مما يفرض محاكمته في محكمة باكستانية. بكلمات أخرى، من المستبعد أن تقدم المؤسسة الباكستانية على أية خطوة يمكن أن تسلّط الضوء على علاقاتها غير المعلنة مع الجماعات الإرهابية.
بعد ذلك كله، فإن المؤتمر الصحفي الذي عقده “رحمن مالك” يمثّل أول مرة يعترف فيها ممثل رسمي لحكومة باكستان بأن التخطيط لهجوم إرهابي ضد الهند تمّ إنطلاقاً من باكستان. وليس هنالك شك في أن الإعتراف الباكستاني سيرتّب نتائج خطيرة على أجهزة الأمن الباكستانية. وجدير بالذكر أن الإعتراف “الصريح” الذي أدلى بها “رحمن مالك” جاء بعد انتهاء زيارة المبعوث الأميركي الخاص، ريتشارد هولبروك، إلى إسلام آباد، وفي أعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيس باراك أوباما والرئيس آصف زرداري.
amir.mir1969@gmail.com