لم يكن جورج موستاكي “مؤمناً” بالله حتى “نرتكب بحقّه” كلمات العزاء المألوفة! لكن صوته يبقى مع محبّيه الذين نقترح عليهم أن يسمعوا أغنية “لو ميتيك” (“الغريب”)، أو أغنيته للثورة الدائمة (“التي لا أريد أن أسمّيها..”) التي وضعنا رابطها أدناه، وأن يشربوا “كأس جورج موستاكي” العظيم!
*
“أغني لكم حنيني فلا تضحكوا ان احمرت وجنتي فذكرياتي لم تشخ ولا زلت أعاني ألم فراق بلادي 25 عاما وأنا أحيا بعيدا عن موطني 25 شتاء وأنا أقلب في ذاكرتي النابضة العطور، الروائح، الصرخات الخاصة بالإسكندرية أذان صلاة الفجر في الخامسة صباحا السلام الذي كان يملأ قلوبنا البصل النيء وطبق الفول كنا نراهم وليمة نحلم بها للعرب، لليونانيين، لليهود والإيطاليين ولكل أبناء المتوسط اريد أن أغني”
هكذا تغنى المطرب الفرنسي الجنسية المصري المولد جورج موستاكي بالإسكندرية في الأغنية التي تحمل اسم مدينته المفضلة، التي شهدت مولده في 3 مايو 1934 لأبوين يهوديين من أصل يوناني.
على الرغم من مرور عقود على رحيله عن الاسكندرية في عام 1951 إلى باريس، ظل موستاكي، وإسمه الحقيقي جوزيف موستاتشي، يحن إلى الإسكندرية ويعود مرارا لزيارة المدينة التي كانت بمثابة بوتقة لكل الثقافات والديانات الخاصة بدول حوض البحر البيض المتوسط.
عمل صحفيا ثم نادلا في حانة، حيث تعرف على أستاذه المطرب الفرنسي جورج براسّنس الذي انبهر بموسيقاه وكلمات أغنياته الخارجة عن السياق التجاري المألوف، وقرر أن يبدل اسمه من جوزيف لجورج تيمنا بأستاذه.
في عام 1958، تعرف موستاكي إلى قمة الغناء الفرنسي المطربة الخالدة إديت بياف التي كانت حبه الكبير. فطنت بياف، التي كانت معبودة الجماهير في ذلك الوقت، لموهبة موستاكي وعاشا معا علاقة حب يؤكد المؤرخون الموسيقيون أنها كانت أشبه بالاستعباد من طرف بياف لتسخير موستاكي لكتابة الأغاني لها.
في عام 1958، كتب لها أغنية “ميلور” التي حطمت الأرقام القياسية في أوروبا في ذلك الوقت.
ظل موستاكي طوال فترة الستينيات من القرن الماضي يكتب الأغنيات لعمالقة الأغنية الفرنسية مثل إيف مونتان وباربارا والمطربة المصرية الأصل مثله داليدا.
المطرب الذي كان دائما مدافعا عن قضايا الحرية وحقوق الانسان ومؤمنا بالمنج التروتسكي الشيوعي (أغنية “الثورة الدائمة”)، انضم لحركة الاحتجاجات الطلابية التي هزت فرنسا في مايو 1968.
عندها كتب أغنية [“لو ميتيك” (إسمع الأغنية) التي أطلقت شهرته كمطرب والتي ترجمت إلى 12 لغة. وفيها وضع كل أحاسيس الحنين والغربة إذ إن كلمة “لو ميتيك” المشتقة من اليونانية القديمة تعني الشخص الذي يعيش في مدينة لا ينتمي إليها.
أصبح كثير مما أنتجه أغنيات كلاسيكية كتلك التي أداها عام 1966 سيرج رجياني “سارة” و”ما ليبرتيه” (حريتي) و”ما سوليتود” (وحدتي) و “جوزيف“.
وكان رساما أيضا يتقن لغات عدة، ويقيم منذ أكثر من اربعين عاما على جزيرة سان لوي في باريس حيث يعيش كثير من الرسامين.
جورج موستاكي الذي ظل متعلقا بالإسكندرية كان يعشق السفر ويجد فيه إلهامه. وكان يقول عن نفسه “ليست لي جذور ولكن لدي سيقان تقودني إلى حيث أريد”.
وكما ولد في مايو على ساحل البحر المتوسط، رحل موستاكي في مايو على ضفاف المتوسط، فقد توفي في مدينة نيس الفرنسية على أثر مرض صدري عن 79 عاما.
المطرب الذي كانت له علاقات عديدة، له ابنة واحدة اسمها بيا، ولدت عام 1954 من زوجته الوحيدة يانك.
لمياء راضي- أبوظبي – سكاي نيوز عربية