«احتفل» اللبنانيّون، كلّ طائفة وجماعة بطريقتها، بثلاث مناسبات انقضى عليها ربع قرن.
فقد اغتيل بعمل إرهابيّ غير هيّاب رئيس الجمهوريّة المنتخب لتوّه بشير الجميّل الذي مثّل صعوده الردّ التجمعيّ والميليشياويّ على استباحة الدولة، ابتداءً بـ «اتفاق القاهرة» في 1969. وكان انتقال الزعامة المسيحيّة الى بشير تعبيراً صريحاً عن انهيار التقليد السياسيّ، بعد سنوات الاقتتال وبفعله، ولجوء الأقليّة الخائفة، في جوار البندقيّة الفلسطينيّة المدعومة إسلاميّاً، الى التخويف طرداً لخوفها. بيد أن وصول بشير الى الرئاسة، في صورة متناغمة مع الاجتياح الإسرائيليّ للبنان، نمّ عن وصول الانشطار اللبنانيّ الى حدّ الانكسار الكامل. وأهمّ من ذلك ما كشفه مقتل بشير وبعد ذاك رئاسة شقيقه أمين من انتهاء الحقبة الموصوفة بالهيمنة المارونيّة. فتحت تأثير تحوّلات تصدّرها التحوّل الديموغرافيّ، فقدت الطائفة المؤسّسة للكيان قدرتها على قيادته موحّداً، وكان العجز هذا مقدّمة لاستعادة السيطرة السوريّة تدريجاً انطلاقاً من حروب الضاحية الجنوبيّة وبيروت والجبل.
ولم يكد الانفجار يودي ببشير ورفاقه حتى حلّت المذبحة الرهيبة في صبرا وشاتيلا، فجاءت الجريمة الجماعيّة تتعدّى الثأر المسيحيّ المرعيّ اسرائيليّاً من الفلسطينيّين لتفتتح النهاية السياسيّة للمخيم الفلسطينيّ وثورته وبندقيّته. ذاك أن الدور السوريّ الذي كُتبت له الغلبة، استكمل ما بدأ في صبرا وشاتيلا بحربي طرابلس مباشرة، والمخيمات مداورة، ومن ثمّ تحريم كلّ وجود لمنظمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان بذريعة «عرفاتيّتها».
هكذا شُطب الفلسطينيّون من المعادلة بعدما سبقهم المسيحيّون الى ذلك، فكأن الحرب اختُتمت بهزيمة الطرفين اللذين باشراها عام 1975، فيما صير الى تقاسم البلد بين شطر سوريّ أكبر في الشمال والوسط، وشطر اسرائيليّ أصغر في الجنوب وبعض البقاع.
وهذا الأخير مرّ أيضاً ربع قرن على ولادة مقاومته «الوطنيّة اللبنانيّة» التي رادها الشيوعيّون وحلفاؤهم. والحال أن مجرّد تصدي الحزب الشيوعيّ للمقاومة تلك دلّ الى حال الطوائف اللبنانيّة ومواقفها من الاجتياح الاسرائيليّ، ضدّاً على المزاعم اللاحقة. ذاك أنها إما بدت منهكة، وهو وضع السنّة، أو مرتاحة الى الوضع الجديد الذي «خلّصها» من «العدوّ» الفلسطينيّ، وهو ما كانه وضع المسيحيّين والشيعة.
بيد أن مقاومة «وطنيّة» في ظل انكسار كامل في الاجماعات «الوطنيّة»، هي كمثل ضبّاط من غير جنود أو قيادة من دون قاعدة. هكذا أمكن شطب هذه المقاومة، هي الأخرى، بسهولة نسبيّة على يد مشروع طائفيّ أوثق ارتباطاً بالمشروع الإقليميّ السوريّ – الإيرانيّ. أما المشطوبون الأخيرون فاختاروا أن يشطبوا أنفسهم ويلتحقوا بقاتليهم، قائلين عن ذاك السائل الذي ينهمر على أوجههم: شتاء من السماء.
وفي النهاية هُمّش الجميع تباعاً، ومَن لم يُهمّش كُلّف بأداء وظيفة الموت الذي بات يُعرف بالاستشهاد. وعلى النحو هذا ابتدأ ربع قرن أسود لا يتّسع لمنتصر.
الحياة